"الغارديان": أين إيلون ماسك؟
لطالما كان الداعم الملياردير للرئيس حاضرًا في بداية ولاية ترامب، لكنه الآن ينسحب من السياسة. والجمهوريون يرغبون في إبقاء الأمور على هذا النحو.
-
ترامب وماسك
صحيفة "الغارديان" البريطانية تنشر مقالاً يتناول العلاقة السياسية المتدهورة بين إيلون ماسك والرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال ولايته الثانية، بعد فترة تقارب سياسي وشخصي مكثفة. ويعرض النص تفاصيل هذه العلاقة وتداعياتها على الطرفين، مع رصد تحولها من تحالف استعراضي إلى تجاهل وتخلٍّ تدريجي.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
كان إيلون ماسك، الملياردير حليف دونالد ترامب ورئيس حملته لتعزيز الكفاءة الحكومية، يقف في المكتب البيضاوي المكتظ بالصحافيين مرتدياً ملابس سوداء. وقال الرئيس الأميركي لنظيره الجنوب أفريقي، سيريل رامافوزا، خلال نقاش حول الجريمة ضد المزارعين البيض: "إيلون ينحدر من جنوب أفريقيا، ولا أريد أن أتورط في الأمر. وقد جاء إلى هنا من أجل موضوع مختلف، وهو إرسال صواريخ إلى المريخ. وهذا ما يفضله".
كان صمت ماسك خلال الاجتماع المشحون الذي استمر لمدة ساعة بمنزلة تذكيرٍ بسيطٍ ولكنه مهم على تحوله في فلك ترامب. فهو لا يزال مقرباً من الرئيس ومرحباً به في الجناح الغربي. كما قام بزيارة ثانية للبنتاغون هذا الأسبوع. لكن العلاقة التي توقع الكثيرون أن تنتهي بتصادمٍ متفجرٍ بين الأنا، تبدو وكأنها تشهد تراجعاً لا مناص منه.
وقد نشرت صحيفة "بوليتيكو"، يوم الاثنين، مقالاً تحليلياً بعنوان "لماذا اختفى إيلون ماسك عن الأضواء؟"، كشف تراجعاً حاداً في عدد المرات التي نشر فيها ترامب عن ماسك عبر منصته "تروث سوشيال"، من متوسط 4 مرات أسبوعياً في شباط/فبراير وآذار/مارس إلى صفر منذ بداية نيسان/أبريل.
وفي شباط/فبراير، ذكرت صحيفة "بوليتيكو" أنّ حملة جمع التبرعات التي أطلقها ترامب كانت تذكر ماسك في رسائل البريد الإلكتروني لجمع التبرعات كل يوم تقريباً، حيث جاء في إحدى الرسائل: "أنا أحب إيلون ماسك! لكن وسائل الإعلام تريد التفرقة بيننا، وهذا لا يُجدي نفعاً. إنه شخص رائع". لكن هذه الإشارات توقفت فجأةً في أوائل آذار/مارس، باستثناء رسالة بريد إلكتروني واحدة في أيار/مايو تُعلن عن قبعة "خليج أميركا" التي كان ماسك يرتديها.
علاوة على ذلك، لم يعد مسؤولو البيت الأبيض يملؤون صفحاتهم في مواقع التواصل الاجتماعي بمحتوى يتعلق بماسك. ونادراً ما يسأل الصحافيون عنه في المؤتمر الصحافي للبيت الأبيض. أما أعضاء الكونغرس، فيتجنبون ذكر اسمه. ويبدو أن ماسك قد فهم التلميح. فقد أكد الرئيس التنفيذي لشركة "تسلا" هذا الأسبوع أنّه قلص دوره كرئيس غير رسمي لما يسمى "قسم كفاءة الحكومة" (Doge) إلى يومين فقط في الأسبوع، كما سيخفض إنفاقه السياسي بشكل كبير؛ وهذه أحدث إشارة واضحة إلى أنه يحول انتباهه من جديد إلى إمبراطوريته التجارية وسط مخاوف المستثمرين المتزايدة.
وتمثل هذه الخطوة تغيراً مثيراً عن الأسابيع الأولى لولاية ترامب الثانية، حين حضر ماسك حفل التنصيب، وظلّ حاضراً باستمرار في منتجع "مار إيه لاغو"، وظهر إلى جانب ترامب في المكتب البيضاوي، وأجرى مقابلة مشتركة على قناة "فوكس نيوز" اتسمت بالإعجاب المتبادل. وتصدّر ماسك عناوين وسائل الإعلام عندما أخذ منشاراً آلياً إلى فعالية للتصدي للبيروقراطية الفيدرالية.
وبدا ترامب منبهراً بأغنى رجل في العالم، الذي يُطلق الصواريخ إلى الفضاء، وأنفق ما لا يقل عن 250 مليون دولار لدعم حملته الانتخابية العام الماضي. وفي آذار/ مارس، حوّل الرئيس الحديقة الجنوبية للبيت الأبيض إلى صالة عرض مؤقتة لسيارات "تسلا"، حيث عرض خمساً من هذه السيارات الكهربائية، ووعد بشراء واحدة.
لكن كان لاستطلاعات الرأي الأخيرة كلمتها. ففي الشهر الماضي، أظهر استطلاع وطني أجرته كلية الحقوق بجامعة ماركيت موافقة 41% من المشاركين في الاستطلاع على أداء ماسك في قسم " Doge"، مقابل رفض 58% له. وكان لدى حوالى 60% من المشاركين نظرة سلبية تجاه ماسك، مقارنة بـ 38% ممن أبدوا تعاطفهم معه. وفي هذا السياق، قال رو خانا، العضو الديمقراطي في الكونغرس الذي يعرف ماسك منذ أكثر من عقد: "مع انخفاض شعبية ماسك، تراجع اهتمام ترامب به. فهذا الأخير يتخلّى عن الناس عندما تتراجع شعبيتهم".
وكان خانا، الذي تقع دائرته الانتخابية في قلب وادي السيليكون في كاليفورنيا، قد توقع منذ البداية أن ماسك لن يبقى في منصبه أكثر من 4 أو 5 أشهر. "لقد قلت إنه سيشعر بالإحباط والإرهاق وإن واشنطن ستفوز وليس هو، في ما يتعلق بكيفية عمل المدينة". في ذلك الوقت، كان خانا يأمل أن يُجري "قسم كفاءة الحكومة" (Doge) تخفيضات في البنتاغون. لكن بدلاً من ذلك، انتهك الدستور بتقليص ميزانية الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID)، ووزارة التعليم، ودائرة الإيرادات الداخلية، وغيرها من الهيئات.
وفي هذا الصدد، قال: "لقد قلتُ إنه من المستحيل أن يُجري تخفيضاتٍ بقيمة 2 تريليون دولار؛ ولم يقترب حتى من تريليون دولار؛ وبلغت قيمة التخفيضات حوالى 81 مليار دولار فقط. لقد تعلّم الدرس الذي يتعلمه الكثير من قادة الأعمال الناجحين جداً، وهو أن الديمقراطية أقوى بكثير مما يتصورون، ولا تخضع لإرادتهم".
ولا يزال ماسك يواجه الكثير من العقبات. فقد استعاد معهد السلام الأميركي، يوم الأربعاء، السيطرة على مقره الرئيس بعد أن قضىت محكمة فيدرالية بأن إقالة فريق " Doge" لمجلس إدارته وموظفيه غير قانونية. ويوم الخميس، أعلنت قاضية فيدرالية في سان فرانسيسكو أنّ ترامب لا يستطيع إعادة هيكلة الحكومة الأميركية وتقليص حجمها من دون موافقة الكونغرس، وأنها ستمدد على الأرجح حكمها الذي يمنع الوكالات الفيدرالية من تنفيذ عمليات تسريح جماعي لموظفي الحكومة.
ومع ذلك، سبق أن فرض "قسم كفاءة الحكومة" (Doge) تخفيضات كبيرة في القوى العاملة والإنفاق؛ وفي بعض الحالات، سعى إلى إغلاق وكالات بأكملها، ما تسبب في إحداث ضرر لا يمكن وصفه لنسيج الحكومة. فعلى سبيل المثال، أفادت مراجعة داخلية للوكالات نشرتها شبكة "سي إن إن" بأن الوكالة الفيدرالية لإدارة الطوارئ (FEMA) "غير مستعدة" لبدء موسم الأعاصير الشهر المقبل. كما خسرت وكالة الإغاثة من الكوارث، التي توظف أكثر من 20 ألف شخص، نحو 30% من موظفيها العاملين بدوام كامل بسبب تسريحهم من العمل وعمليات الاستحواذ التي أجراها "قسم كفاءة الحكومة" (Doge).
وحذّر خانا قائلاً: "سنتجه للتعايش مع العواقب لسنوات مقبلة لأنهم للأسف تمكنوا من القضاء على الوكالة الأميركية للتنمية الدولية بالكامل، والمعهد الوطني للصحة، وإدارة الغذاء والدواء، ووكالة حماية البيئة، وقللوا عدد العاملين في وزارة الخارجية وسيستغرق الأمر جيلاً كاملاً لإعادة بنائها. آمل أن يتوقف كل هذا الضرر وألا يكون هناك المزيد من الضغوط على هذه المؤسسات".
حتى المحافظون الذين يشجعون تقليص حجم الحكومة يشاركونهم هذه المخاوف. فقد صرّح ريك تايلر، الخبير الاستراتيجي السياسي الذي عمل في الحملات الرئاسية للحزب الجمهوري، قائلاً: "إنهم يسعون إلى تقليص حجم الحكومة، وهو أمرٌ أُشيد به، لكنهم لا يزيدون كفاءتها لعدم وجود رؤية أو خطة فعلية لتشغيل الحكومة بعدد أقل من الموظفين وبميزانية أقل. ولا وجود لأي عملية إعادة تشكيل، بل "قطع وحرق" فحسب.
لقد تعرّضت شركة "تسلا"، المصدر الرئيس لثروة ماسك، لضرر بالغ في علامتها التجارية وتراجع في مبيعاتها بسبب نشاطه السياسي، وخاصةً مع ترامب. كما أعرب عن دعمه لحزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف المناهض للهجرة في ألمانيا. فأضحت وكالات بيع سيارات "تسلا" مسرحاً للاحتجاجات وأعمال التخريب في الولايات المتحدة وخارجها.
من المرجح أن يكون ماسك قد تلّقى هزيمته السياسية في ولاية ويسكونسن. فقد أسهم إنفاقه الذي لا يقل عن 3 ملايين دولار في جعل سباق المحكمة العليا في ويسكونسن الأغلى من نوعه في تاريخ الولايات المتحدة. حتى أنه ظهر شخصياً في مدينة "غرين باي" في عطلة نهاية الأسبوع التي سبقت الانتخابات مرتدياً قبعة على شكل قطعة جبن عملاقة، وهي قبعة شائعة بين مشجعي فريق "غرين باي باكرز" في دوري كرة القدم الأميركية، ووزّع بنفسه شيكات بقيمة مليون دولار على مناصريه.
لكن المرشح الذي دعمه خسر بفارق 10 نقاط مئوية. وقد استغل الديمقراطيون تدخله بنجاح لتعبئة الناخبين في الانتخابات التي عُرفت بانتخابات "الشعب ضد ماسك". وخلال هذا الأسبوع، قال ماسك في منتدى "بلومبرغ" الاقتصادي في قطر، بالدوحة: "في ما يتعلق بالإنفاق السياسي، سأقوم بتخفيضه أكثر في المستقبل". وصرح بن ويكلر، رئيس الحزب الديمقراطي في ولاية ويسكونسن، لوكالة "أسوشيتد برس": "لقد انتصر الشعب. وسيأخذ أكبر مُموّل للحزب الجمهوري أمواله ويعود أدراجه".
من الواضح أن ماسك ومنشاره الآلي أصبحا عبئاً سياسياً على الجمهوريين الساعين لإعادة انتخابهم في انتخابات التجديد النصفي العام المقبل. ومن المتوقع أن يستخدم الديمقراطيون ماسك في السباقات الانتخابية في جميع أنحاء البلاد كتهديد سياسي في إعلاناتهم الهجومية على خصومهم.
ولاحظ تايلر أن "نتائج استطلاعات الرأي، ومعاناة ترامب سياسياً، التي من شأنها أن تضر بحزبه وستضر بأجندته، تسببت في صراع إلى درجة أنني متأكد من أنه سمع عدداً كافياً من الأعضاء يقول هل يمكننا التوقف عن الحديث عن إيلون ماسك؟".
وأضافت ويندي شيلر، أستاذة العلوم السياسية بجامعة براون في بروفيدنس، بولاية رود آيلاند: "لقد كان الأمر بمنزلة بالون اختبار لكيفية تقليص أعداد الموظفين الفيدراليين. لو نجح الأمر وأعجب الناس، لربما استمروا مع ماسك أو من دونه، لكنهم استخدموه واجهةً لهذه الحملة وكبش فداء. وعندما فشلت خطتهم، تخلصوا منه. وهذا ليس مفاجئاً على الإطلاق. ولا يُمكن تصديق أن دونالد ترامب يعتقد بصدق أن ماسك مهم لشعبيته أو مكانته بطريقة إيجابية، لأنه يعتقد أنه يقوم بكل ذلك بنفسه. ولا أعتقد أنه مُخطئ في ذلك. ولكن في حال أصبح الشخص عبئاً عليه، فسرعان ما سيختفي".
نقلته إلى العربية: زينب منعم.