"الجميع متعبون".. الجيش الأوكراني يواجه أزمة التجنيد وفرار الجنود

يقول الذين يقاتلون في الخطوط الأمامية في أوكرانيا، إنّه كلما طالت الحرب، كلما زاد عدد الجنود الذين فرّوا.

0:00
  • فيكتور، الذي كان قناصاً مدربًا ذات يوم، هو واحد من آلاف الجنود الأوكرانيين الذين تركوا وحداتهم.
    فيكتور، الذي كان قنّاصاً مدرّباً ذات يوم، هو واحد من آلاف الجنود الأوكرانيين الذين تركوا وحداتهم.

لقد تصدّرت قضية الفرار من الخدمة العسكرية في الجيش الأوكراني عناوين الصحف في أوكرانيا وعالمياً. صحيفة "الغارديان" البريطانية تنشر تقريراً، تناولت فيه هذه القضية، وأيضاً أزمة التجنيد.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية بتصرّف:

عندما شنّت روسيا غزوها لأوكرانيا قبل ثلاث سنوات، كان فيكتور مستعدّاً للموت من أجل بلاده. تطوّع للدفاع عن كييف عندما ظهرت دبابات العدو وانضمّ إلى القوات المسلحة الأوكرانية. في ربيع عام 2023 كان يقاتل في قرية تونينكي، بالقرب من مدينة أفدييفكا الشرقية. يتذكّر: "عندما وصلت كنت متحمّساً للغاية.. كنت مستعدّاً لأضحّي بحياتي".

ومع ذلك، أصيب بخيبة أمل تدريجياً. كانت المعركة شرسة. قال: "سيسحق الروس مواقعنا ويسوّونها بالأرض". وذكر فيكتور أنّ كبار القادة الأوكرانيين أصدروا أوامر غير واقعيّة. ثم بينما كان يدافع عن مبنى مدمّر، سقطت لوحة على كتفه. بعد تلقّي الحقن لتقليل الألم، قيل له أن يعود إلى الجبهة. قال: "أدركت أنني لا شيء. مجرّد رقم".

في أيار/مايو من العام نفسه، ترك فيكتور منصبه للحصول على مزيد من العلاج الطبي، ولم يعد. وفيكتور هو واحد من آلاف الجنود الأوكرانيين الذين هجروا وحداتهم. والرقم الدقيق هو سرّ عسكري، لكنّ المسؤولين يعترفون بأنّ العدد كبير. ويقولون إنّه أمر مفهوم، عندما يخدم الجنود المتعبون لشهور من دون استراحة.

لقد تصدّرت قضية الفرار من الخدمة العسكرية عناوين الصحف في أوكرانيا. ففي الأسبوع الماضي، أطلقت الحكومة تحقيقاً في قضية اللواء الآلي 155. وقد اختفى 56 جندياً أثناء التدريب في فرنسا. ويقال إنّ مئات آخرين في عداد المفقودين. وقد تمّ القبض على قائد الوحدة، دميتري ريومشين. وهو يواجه عقوبة بالسجن لمدة عشر سنوات لفشله في أداء واجباته الرسمية والإبلاغ عن حالات الغياب غير المصرّح بها.

بعد ثلاث سنوات من الحرب، تعاني أوكرانيا من نقص حاد في الجنود، وخاصة المشاة. وقد سهّل هذا على الجيش الروسي التقدّم في الشرق. وهناك أيضاً قضايا هيكليّة. فقد تمّ بناء ألوية جديدة من الصفر. وقد كان أداؤها ضعيفاً. وقد أمر الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، مؤخّراً بتغيير السياسة، مع دمج المجنّدين عديمي الخبرة في الكتائب القائمة.

قال فيكتور إنه عاد إلى لوائه في آب/أغسطس 2023، لكن قيل له إنّه غير مرغوب فيه. كان في السابق قنّاصاً مدرّباً، وهو الآن يدير مرأباً في غرب أوكرانيا، حيث يصلح المركبات العسكرية مجاناً. وقال: "الجميع متعبون.. لقد تغيّر المزاج. اعتاد الناس على احتضان الجنود في الشوارع. الآن هم قلقون من أن يتمّ تجنيدهم".

وأضاف فيكتور أنّه كان هناك نقص حادّ في القوى العاملة في الخطوط الأمامية. في شباط/فبراير 2023، حصل على استراحة لمدة 10 أيام، لكن تمّ استدعاؤه بعد يوم من عودته إلى المنزل، حين تعرّضت أفدييفكا للهجوم. وقال إنّ شخصين من فرقته قُتلا، وأصيب الآخرون. وقال: "فقد أحد الرجال ذراعه. وآخر ساقه. وأصيب البعض بجروح ناجمة عن طلقات نارية. لا أحد بخير تماماً. ومع ذلك، تمكّنا من إنجاز بعض المهام".

وقال أحد المنشقّين، أوليكسي، إنّه شارك في الهجمات الأوكرانية في منطقتي ميكولايف وخيرسون الجنوبيتين. ووصف إحدى المعارك بأنها فوضوية، حيث كانت الرصاصات تتطاير، وقذائف الهاون تتساقط في منطقة مفتوحة في الغابة، وكان الدعم المدفعي غير كافٍ. وخلال شتاء عام 2022، نشب خلاف بينه وبين قائد جديد، وتقدّم بطلب نقل من دون جدوى، وأصيب. وقال: "لقد وصلت إلى نقطة الغليان. لذلك قرّرت أن أذهب إلى حيث لا يستطيع أحد أن يجدني".

ومنذ ذلك الحين، ظلّ أوليكسي مختبئاً. وقال: "سنرى ما سيحدث. ربما يتمّ القبض عليّ وإرسالي إلى الخطوط الأمامية". وأضاف أنّه سيحمل السلاح مرة أخرى إذا دخل الروس إلى مدينته، ​​أو إذا أصبح الجيش الأوكراني قوة إصلاحية حقيقية على غرار حلف شمال الأطلسي، مع جنرالات أفضل. وعندما سُئل عمّا إذا كان سعيداً، أجاب: "أنا على قيد الحياة. كلما طالت الحرب، كلما زاد عدد الأشخاص الذين مثلي".

وقالت أولها ريشيتيلوفا، مفوّضة حماية حقوق أفراد الخدمة العسكرية في أوكرانيا، إنّها تتفهّم سبب اختفاء بعض الأشخاص. وقالت: "دعونا نكون صادقين. المشكلة كبيرة. إنّه أمر طبيعي في موقف حيث مرّت ثلاث سنوات على الحرب الكبرى. الناس منهكون. يريدون رؤية أسرهم. أطفالهم يكبرون من دونهم. العلاقات تنكسر. الزوجات والأزواج لا يمكنهم الانتظار إلى الأبد. يشعرون بالوحدة".

وقالت إنّ العديد من أفراد الخدمة العسكرية انتهى بهم الأمر بصحة نفسيّة هشّة. وقالت إن صراعاً صغيراً مع ضابط كبير قد "يحفّزهم" على الفرار.

يناقش البرلمان الأوكراني، فيرخوفنا رادا، كيفيّة جلب المزيد من المجنّدين. يواجه الهاربون ما بين 12 و15 عاماً في السجن. في الصيف الماضي، ألغى النواب العقوبات الجنائية لأولئك الذين يعودون طواعيّة إلى كتائبهم القديمة، مع استعادة المزايا الكاملة. كما تمّ تمرير مشروع قانون يسمح لأفراد الخدمة بالانتقال إلى وحدات مختلفة، للتغلّب على الصراعات المستمرة بين الرتب الدنيا والعليا.

وقالت أولها ريشتيلوفا، مفوّضة أوكرانيا لحماية حقوق أفراد الخدمة، إنّ أزمة التجنيد يمكن حلّها إذا أرسل حلفاء أوكرانيا قواتهم الخاصة، وإذا لم يفعلوا ذلك، وسقطت كييف، فإنّ فلاديمير بوتين سيستمر في حربه، وقالت: "كما أرى، فإنّ جيوش أوروبا هي الغائبة بلا إذن.. إنهم لا يفهمون، أو لا يريدون أن يفهموا، أنّ هذه حربهم أيضاً".

نقلته إلى العربية: بتول دياب.

حلف الناتو يحاول التمدد باتجاه الشرق قرب حدود روسيا، عن طريق ضم أوكرانيا، وروسيا الاتحادية ترفض ذلك وتطالب بضمانات أمنية، فتعترف بجمهوريتي لوغانسك ودونيتسك، وتطلق عملية عسكرية في إقليم دونباس، بسبب قصف القوات الأوكرانية المتكرر على الإقليم.