"كارو" وأغرب "مرسيدس" في غزة: كلنا رايحين عالشمال

عربة "الكارو" التي تجرّها الحيوانات هي المشهد الأعمّ بعد المسير على الأقدام والسيارات، وإن كان أهل غزة قد برعوا في تصنيع المقطورات، وهنا تداول الناشطون صورة لسيارة لافتة فقالوا: "فيديو تاريخي لمرور سيارة مرسيدس"حاملة كلّ قطاع غزة"!

  • غزة كلّها تريد المشاركة بعد كابوس العدوان "بتلاقي حالك راجع معهم على الشمال مع إنك من الجنوب!" (غرافيك: إسماعيل آغا)

"بدنا نروّح عالشمال.. وهذي السيّارة اللي بتساع 4 أشخاص عملناها لتوسع 30!، إي عاد ما نحنا بدنا نروّح عالشمال وعدد الناس كثير".

هذا ما يقوله الناشط وصانع المحتوى الغزاوي محمود زعيتر، وهو يعتلي عربة "جارّ ومجرور" صنعت في غزة منادياً "آخر راكب عالشجاعيّة، رايحين عالشمال"!

البسمة تملأ وجه الشاب الثلاثيني، يصفّق مع ركّاب المقطورة على وقع أغنية شعبية مبتكرة بعنوان "رايحين عالشمال"!

هذه الفرحة العامرة الغامرة تنسحب على وجوه الكبار والصغار، يُعجب الناس وهم يشاهدون عبر شاشات التلفزة عشرات آلاف الفلسطينيين يقطعون عشرات الكيلومترات للوصول إلى الشمال، هم يعرفون أنّ منازلهم سوّيت بالأرض وأنّ أرزاقهم دمّرت وأُحرقت.. لكن هيهات لروح التفاؤل أن تفارقهم.

عربة "الكارو" ومرور تاريخي لـ "مرسيدس"!

رحلة الغزاويين مضمّخة بالمخاطر، ومع ذلك هم بشيبهم وشبابهم مع أغراضهم القليلة وحتى "قططهم" الأليفة يسعون للوصول إلى أرض الأجداد، ونصب مجرّد "شادر" أو خيمة قد لا تقيهم أمطار الشتاء وصقيعه.

عربة "الكارو" التي تجرّها الحيوانات من خيل وبغال وحمير هي المشهد الأعمّ بعد المسير على الأقدام والسيارات، وإن كان أهل غزة قد برعوا في صناعة المقطورات الخشبية والحديدية، وهنا تداوَل الناشطون صورة لسيارة "مرسيدس" غزاوية لافتة فتندّروا قائلين: " فيديو تاريخي لمرور سيارة مرسيدس من "نتساريم" حاملة كل قطاع غزة!

غزة كلّها تريد المشاركة في هذا الحلم بعد كابوس العدوان، فيقول زعيتر عبر صفحته "بتلاقي حالك راجع معهم على الشمال مع إنك من الجنوب!"

تحدّي "الزنانة" و"الأباتشي"!

يقول أحدهم "إلي سنة و3 أشهر ما خطت رجلي هالمكان"، وآخر يحذّر من "الزنانة"  و"الأباتشي" في الجو! وسط أجواء مؤازرة وتآخٍ لشعب امتزجت فيه الأشلاء والدماء، وارتقى منه آلاف الشهداء.

  • لوحات معبرة لرسام الكاريكاتير الفلسطيني محمود عباس
    لوحات معبّرة لرسام الكاريكاتير الفلسطيني محمود عباس
  • لوحات معبرة لرسام الكاريكاتير الفلسطيني محمود عباس
    لوحات معبّرة لرسام الكاريكاتير الفلسطيني محمود عباس
  • لوحات معبرة لرسام الكاريكاتير الفلسطيني محمود عباس
    لوحات معبّرة لرسام الكاريكاتير الفلسطيني محمود عباس
  • لوحات معبرة لرسام الكاريكاتير الفلسطيني محمود عباس
    لوحات معبّرة لرسام الكاريكاتير الفلسطيني محمود عباس

ففي أعقاب وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وبعد أسبوعٍ من الانتظار المشوب بالفرحة الحذرة، بدأ النازحون في الجنوب يتطلّعون للعودة إلى الشمال. لكنّ هذه الرغبة البسيطة، التي تُعبّر عن أبسط حقوق الإنسان في استعادة منزله وأرضه، اصطدمت بجدار آخر من المأساة: أزمة المواصلات، أسعار الوقود المرتفعة، وقلّة الموارد.

هناك مشهد ملأ شاشات العالم من أدنى مناطق العالم إلى أصقاع الأرض، فقد قرّر عدد كبير من النازحين الفلسطينيين السير على الأقدام نحو شمال غزة، قاطعين مسافة شاسعة تبلغ بشكلٍ تقديري 70 كيلومتراً،تستغرق نحو 9 ساعات، في ظلّ قلّة وسائل المواصلات والتكلفة المادية العالية عليهم. 

وفي هذا المشهد، برز دور زعيتر وغيره، الذين استخدموا منصاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي لتوثيق معاناة الناس بطريقة تبعث الأمل في النفوس. زعيتر، الذي اختير سابقاً كواحد من أبرز المؤثّرين عالمياً في الإمارات، لم يتمكّن من حضور الاحتفال بهذا الإنجاز بسبب الحصار المفروض على غزة، لكنه استمر في تجيير صوته لإظهار حقيقة ما يحدث في القطاع.

ابتكار في مواجهة الأزمة

في قطاع غزة، حيث تُحاصر الحياة وتُقتل الابتكارات في مهدها، قرّر الناس ألا يستسلموا لليأس. أمام أزمة المواصلات ونقص الوقود، وجد السائقون حلولاً محلية بدائية لكنها فعّالة، مثل تحويل السيارات الصغيرة، التي صُمّمت لأربعة ركّاب، إلى وسائل نقل تستوعب أكثر من 20 راكباً.

هذه المقطورات المبتكرة، المعروفة باسم "الجَار والمجرور"، أصبحت رمزاً للإصرار على التكيّف مع واقع الحصار الوحشي.

بسمة في وجه العالم!

ليست مجرّد رحلة شاقة عبر الدمار، بل هي شهادة حيّة على مدى استهتار الاحتلال بحقوقهم الأساسية. إنهم يمشون بلا ضمانٍ لسلامتهم أو مستقبلهم، حاملين إرادتهم فقط في مواجهة واقعٍ يفرض عليهم التشرّد كقدر وحيد.

ورغم قسوة المسافات وطول الرحلة التي تلامس حدود المستحيل، ظهرت على وجوه النازحين ملامح فرحٍ.. كيف يمكن لأناسٍ يمشون نحو المجهول، متعبين ومنهكين، أن يحملوا الفرح في قلوبهم؟

إنه الفرح الذي يولد من رحم الصمود، الفرح بالعودة إلى أرضٍ قد لا تحمل إلا الركام، لكنها تبقى وطنهم الوحيد. إنها لحظة تتجاوز الألم، لحظة يقول فيها الإنسان للمحتل وللعالم: "لن تُطفئوا جذوة الحنين، ولن تمنعونا من العودة مهما فعلتم".

اقرأ أيضاً: "الزنانة" و"أم كامل".. كيف نتجاوز تأثيراتها النفسية والبيئية؟

لم يتراجع الفلسطينيون، ولن يتراجعوا عن  الموعد المحدّد للنصر.. للعودة، امتلأت الطرق المؤدية إلى الشمال بالسيارات المكتظة والعائلات المتحمّسة للعودة إلى ديارها، حتى وإن كان الثمن هو النوم على الطرقات أو مواجهة الرصاص.. فإرادة الشعوب هزَمت وتهزِم على الدوام جبروت الاحتلال.