"Time": العالم لا يزال يعتمد على الطاقة الروسية
بعد عامين ونصف العام على الحرب الأوكرانية الروسية، أخفقت الجهود الغربية لفطام أوروبا عن النفط والغاز الروسيّين، وعزل الكرملين سياسيّاً.
مجلة "Time" الأميركية تنشر مقالاً للكاتبة ثريّا جايانتي، تتحدث فيه عن فشل العقوبات الغربية على روسيا.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية بتصرف:
بعد عامين ونصف العام على الحرب الأوكرانية الروسية، أخفقت الجهود الغربية لفطام أوروبا عن النفط والغاز الروسيّين، وعزل الكرملين سياسيّاً. ومع أنّ مُعظم دول الاتّحاد الأوروبي، أجرت عمليّات تحوّلات سريعة في استيراد الطاقة حظيت بإشادة كبيرة، إلّا أنّها أمّنت غطاء أيضاً للاستمرار، وفي بعض الحالات زيادة في شراء الطاقة الروسية التي تُموّل مجهودها الحربي من خلال صادراتها. كلّ ذلك، أدّى إلى نتيجة مفادها أنّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لا يستسلمُ، بينما السياسة الخارجية للرئيس الأميركي جو بايدن فاشلة، وتضاعف من القوّة الجيوسياسية لخصوم الولايات المتّحدة، وتترك مستقبل أوكرانيا قاتماً.
بنت روسيا الحديثة اقتصادها القويّ، على مواردها الطبيعية من الطاقة الهائلة. وما يصل إلى 50% من ميزانيّتها الحكومية على مدى الـ12 سنة الماضية، كانت عبارة عن صادرات من النفط والغاز إلى دول الاتّحاد الأوروبّي، الذي اعتمد على واردات الطاقة الروسية بنحو 40% من احتياجاته قبل الحرب العالمية الثانية. واستمرّت بعدها بنسبة 25% من النفط، و48% من الغاز ومثلها من الفحم، وكان مُتوقّعاً أن ترتفع هذه الأرقام مع خطّ أنابيب "نورد ستريم 2" بين روسيا وألمانيا بداية من عام 2021. كلّ هذا جعل من الرئيس بوتين يعتقد أنّ القارّة الأوروبّية تعتمدُ على إمدادات الطاقة الروسية بمستوى استراتيجيّ، حيث لا يمكنها المخاطرة بردّ مُناسب على عملية بلاده العسكرية الخاصّة في أوكرانيا، ولم يكن مُخطئاً باعتقاده.
مُنذ العام 2021، اتّخذت الولايات المتّحدة وبريطانيا والاتّحاد الأوروبي تدابير وإجراءات عقابية اقتصادية ضدّ الكرملين. وخلال العامين المنصرمين، حظرت القوى الغربية بشكل تامّ تقريباً، جميع واردات النفط الخام الروسي والمنتجات النفطية الأخرى، والفحم والغاز، وحدّدت آليات مالية وتقنيات لتنفيذ توجّهاتها. لكن، لم يتمّ فرض هذه التدابير دفعة واحدة؛ لأنّ الاتّحاد الأوروبي لم يستطع النجاة من قطع مُفاجئ ومُطلق لإمداداته من الطاقة من روسيا. وظلّ الغاز الطبيعي المسال غير مُقيّد في الغالب، وكذلك موارد الطاقة النووية.
أمّا بالنسبة للنفط، فبدلاً من حظره على نحو مباشر، قاد البيت الأبيض جهداً لفرض سقف سعر 60 دولاراً للبرميل من الخام الروسي للحدّ من أرباح روسيا من دون تقييد العرض العالمي بشكل مُفرط، وقد يُؤدّي إِلى زيادة التضخّم. وبعد تجفيف واردات الغاز الطبيعي الروسي، تحوّلت موسكو إلى الصين التي تمدّها بنحو 38 مليار متر مكعّب سنويّاً. ولكن بشكل عامّ، انخفضت واردات الوقود الأحفوري من روسيا إلى أوروبا من عام 2022 إلى عام 2023، بنحو الربع.
وعند هذا المستوى توقّفت العقوبات الغربية عن العمل. وفي نهاية العام الجاري ستتمتّع روسيا بمال وفير. ومن المتوقّع أن يتجاوز نموّ الناتج المحلّي الإجمالي نسبة 4%، والبطالة عند أدنى مستوى لها إطلاقاً، كما عزّز التجنيد العسكري ورواتب الجنود نموّ الأجور إلى درجة قياسية. كذلك ضخّت الحكومة الروسية الكثير من الأموال في القطاعات الصناعية العسكرية، وبلغت ميزانية الدفاع والأمن مستوى 40% من الإنفاق العامّ الآن.
لكنّ الإنفاق الحربيّ الروسي لا يُمثّل سوى نصف الحكاية، ونصفها الآخر هو أنّ العالم لم يتخلّ عن الطاقة الروسية. إنّ الحظر المفروض على مُنْتجات الطاقة الروسية ليس أكثر من تمثيلية استعراضية للعقوبات. والنمسا هي المثال الأكثر وضوحاً، حيث لا يزال الغاز الروسي يُشكّل معظم وارداتها من الطاقة. ولم يحظر الغاز الروسي المسال إطلاقاً، وقد زاد شراؤه بنحو 20%، ممّا جعل روسيا ثاني أكبر بائع للغاز إلى القارّة الأوروبية التي تضمن أعلى الأرباح للكرملين.
وفي الوقت نفسه، كانت ناقلات النفط أي "أسطول الظلّ" الذي يحمل النفط الروسي يتّجه مباشرة إلى الموانئ الأوروبّية لعدة أشهر، وفقاً لمنظّمة "السلام الأخضر"، في انتهاك للعقوبات الغربية. في المجموع، دفع الاتّحاد الأوروبي لروسيا أكثر من 196 مليار يورو، مُقابل النفط والغاز والفحم مُنذ العام 2022 وحتّى الآن، وهي الأموال التي أبقت الكرملين في حالة من الرخاء، حتّى إنّ روسيا تمكّنت من تطوير جيشها برشاقة.
لقد أدّت إخفاقات العقوبات على روسيا إلى تقليص النفوذ العالمي للولايات المتّحدة. وتركيا مثلاً العضو في حلف شمال الأطلسي، طوّرت نُفوذاً كبيراً كوسيط في مجال الطاقة، وهي تستخدم هذا لإحباط أهداف السياسة الخارجية للولايات المتّحدة والاتّحاد الأوروبي على حدّ سواء. وفي الوقت نفسه، عزّزت عدم رغبة الرئيس بايدن بالسماح بتزويد أوكرانيا بالسلاح الاستراتيجي خوفاً من "التصعيد" نحو مُواجهةٍ عالمية، على أمل أن تأخذ الصين هذا في الاعتبار في حساباتها بشأن تايوان، وأن يفعل ذلك أيضاً الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي يضرم نيران الحروب في كلّ أنحاء الشرق الأوسط.
إنّ الفشل في منع روسيا من مواصلة عمليّتها العسكرية الخاصّة في أوكرانيا له عواقب حقيقية ومأساوية، ولم يفت الأوان لكبح جماح الحرب ولكن، هناك القليل من الأدلّة على الإرادة السياسية لفعل ذلك.
نقله إلى العربية: حسين قطايا