"FPIF": الطموحات الأميركية قد تقضي على الدولة الفلسطينية برغم احتمال وقف إطلاق النار

إن جهود إدارة بايدن لتطبيع العلاقات بين "إسرائيل" والمملكة العربية السعودية قد تجعل من المستحيل على الفلسطينيين تحقيق دولة قابلة للحياة.

  • الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس حكومة الاحتلال الأميركي بنيامين نتنياهو (أرشيف)
    الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس حكومة الاحتلال الأميركي بنيامين نتنياهو (أرشيف)

يكتب إدوارد هانت، الكاتب الأميركي المتخصص في شؤون الحرب، مقالاً في موقع (FPIF) "Foreign Policy in Focus" يتناول فيه التصريحات الأميركية التي تتحدث عن حل الدولتين، وطبيعة الرؤية الأميركية لهذا الملف المنطلق بالدرجة الأولى من "تحقيق أمن إسرائيل"، وعلاقة التطبيع مع السعودية بهذا الحل.

فيما يلي نص المقال منقولاً إلى العربية: 

في الوقت الذي تواصل فيه "إسرائيل" حصارها العسكري لغزة، تحاول الولايات المتحدة استغلال الوضع الحالي لترسيخ قوتها في منطقة الشرق الأوسط.

فبدلاً من سعيها إلى إيجاد حل طويل الأمد للصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، تعطي الولايات المتحدة الأولوية لهدفها القديم المتمثل في تطبيع العلاقات بين "إسرائيل" والمملكة العربية السعودية. وفي مثل هذه الصفقة، التي تتطلب تهدئة الوضع في غزة لإشراك المملكة العربية السعودية، ستزيد الولايات المتحدة من تهميشها الفلسطينيين بينما تعمل على دمج "إسرائيل" بشكل أكثر إحكاماً في شبكتها الإقليمية من التحالفات والشراكات.

وفي هذا السياق، قال وزير الخارجية أنتوني بلينكن للكونغرس الشهر المنصرم: "أعتقد أننا وصلنا إلى مرحلة أصبحت فيها الاتفاقيات الضرورية بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية في متناول اليد".

النهج الأميركي

على مدى عقود، فرضت الولايات المتحدة هيمنتها على منطقة الشرق الأوسط. وقد تمثل مفتاح القوة الأميركية بشبكة التحالفات والشراكات التي تقودها الولايات المتحدة والتي تشمل كلاً من "إسرائيل" والدول العربية. وهو يمكّنها من نشر عشرات الآلاف من الجنود في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وإرسال قوّات إضافية بسرعة إلى المنطقة.

وفي وصفه للشبكة التي تتولى الولايات المتحدة قيادتها، قال وزير الدفاع لويد أوستن في عام 2021: "إنها ميزة استراتيجية كبيرة وفريدة ومنقطعة النظير".

وعلى الرغم من تفاخر المسؤولين الأميركيين بقوتهم تلك، إلا أن نهجهم قد شكّل مصدراً رئيساً لعدم الاستقرار في المنطقة، خاصة في ما يتعلق بالعلاقات بين "إسرائيل" والدول العربية. فمنذ تأسيس "دولة إسرائيل" عام 1948 وحدوث نكبة الفلسطينيين، رفضت عدة دول عربية الاعتراف بـ"إسرائيل" وخاضت ضدها عدداً من الحروب.

لقد أيّد المجتمع الدولي فكرة حل الدولتين، التي تتضمن قيام دولة فلسطينية إلى جانب "دولة إسرئيل"، إلاّ أن الولايات المتحدة قد عارضت هذه الفكرة عملياً، حتى عندما دعمتها خطابياً. ومن خلال تركيزها على الحفاظ على شبكتها الإقليمية، تابعت الولايات المتحدة بناء اتفاقيات ثنائية مع الدول العربية الراغبة في إقامة علاقات سلمية مع "إسرائيل". وبحلول نهاية القرن العشرين، لعبت دوراً مركزياً في التوسط في عقد اتفاقيات مع كلّ من مصر والأردن اللتين تتلقيان حالياً مساعدات اقتصادية وعسكرية واسعة النطاق.

في البداية، رفضت معظم الدول العربية مثل هذه الاتفاقيات، وأصرت على أنه يجب أن يكون هناك أولاً حل للصراع الإسرائيلي- الفلسطيني، لكن بعضها غيّر مواقفه في عهد ترامب. وبموجب اتفاقيات أبراهام، تعهد المزيد من الدول العربية بتطبيع العلاقات مع "إسرائيل". فأبرموا معها اتفاقيات بعد إغرائهم بعقد صفقات خاصة مع الولايات المتحدة.

وقد أجمع معظم المسؤولين الأميركيين على الإشادة باتفاقيات أبراهام باعتبارها إنجازاً عظيماً، لكنّ النقاد أشاروا إلى أن هذه الاتفاقيات تستثني الفلسطينيين. وفي كتابه ،" Foreign Policy in Focus" حذر جون فيفر من أنه لن يكون من الحكمة تمني رحيل الفلسطينيين، خاصة إذا كانت هناك مصلحة حقيقية في إنهاء "اقتتال الإخوة" الذي دمّر الإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء.

ويدرك المسؤولون في واشنطن هذه الانتقادات. فقد اعترف السيناتور كريس فان هولين (ديمقراطي من ولاية ميريلاند) الشهر الفائت، قائلاً: "لقد كان من المألوف في بعض دوائر السياسة الخارجية الاعتقاد... بأنه يمكنك تحقيق السلام والاستقرار والأمن بطريقة أو بأخرى من خلال الدوس على القضية الفلسطينية".

ومع ذلك، لم يأخذ سوى عدد قليل من المسؤولين هذه المخاوف على محمل الجد. وقبل أن تنفذ حماس هجومها في السابع من تشرين الأول/أكتوبر ضد "إسرائيل"، كانت إدارة بايدن تحاول توسيع اتفاقياتها لتشمل المملكة العربية السعودية.

وكان الرئيس بايدن قد توعد ذات مرة بجعل المملكة العربية السعودية دولة منبوذة بسبب قتلها كاتب عمود في صحيفة "واشنطن بوست"، لكنه أراد التوصل إلى صفقة أكبر، مع العلم أن المملكة العربية السعودية قد تخلت عن إصرارها الراسخ على إقامة دولة فلسطينية كشرط للتطبيع مع "إسرائيل". وأُفيد بأن القادة السعوديين قد سعوا إلى التوصل إلى اتفاق من شأنه أن يبقي الباب مفتوحاً أمام إمكانية قيام دولة فلسطينية.

وفي هذا الإطار، أكد بلينكن في أيار/مايو قائلاً: "لقد كنا نعمل مع السعودية ومع إسرائيل لمتابعة اتفاقية التطبيع بين البلدين، وهذا الأمر يعود إلى ما قبل السابع من تشرين الأول/أكتوبر ومن شأنه أن يغير قواعد اللعبة في المنطقة".

من أكثر الأمور الملفتة للنظر في سياسة الولايات المتحدة هي أن إدارة بايدن لم تغير نهجها منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر. فهي لم تواصل دعمها الأحادي لـ"إسرائيل" فحسب، بل مضت قدماً في خططها الرامية لإشراك المملكة في الاتفاقيات، حتى ولو كانت هذه الاتفاقيات هي السبب في حدوث الأزمة الراهنة.

وفي خطاب له في 25 تشرين الأول/أكتوبر، أي بعد أسابيع فقط من وقوع هجوم حماس، صرّح الرئيس بايدن قائلاً: "أنا على قناعة بأنّ التقدّم الذي أحرزناه نحو التكامل الإقليمي لإسرائيل والتكامل الإقليمي بشكل عام هو أحد الأسباب التي دفعت حماس للقيام بهجومها؛ لا أملك أي دليل على ذلك لكن حدسي ينبئني بذلك. ولا يمكننا التخلّي عن هذا الأمر".

الغرض من الخطط الأميركية

في الوقت الذي كانت فيه إدارة بايدن تلاحق طموحاتها الاستعمارية، أصر المسؤولون على أن العلاقات بين "إسرائيل" وفلسطين يجب أن تتغير. ووفقاً لهم، فإن دائرة العنف ستستمر في حال لم يكن هناك اتفاق جديد. وسيكون هناك "دورات دائمة من العنف والدمار والموت وانعدام الأمن"، على حد تعبير بلينكن.

وخلال جلسة استماع للكونغرس في أيار/مايو، وصفت باربرا ليف، المسؤولة بوزارة الخارجية، الوضع الراهن بـ"الفظيع"، خاصة بالنسبة للفلسطينيين. وقالت إنهم يعيشون "في حالة تجمع بين التعاسة والإحباط والغضب واليأس والخيبة. وهذه وصفة مريعة للتشدد والتطرف".

في الواقع، أصرت إدارة بايدن على أنها تدعم حل الدولتين؛ ويقول مسؤولوها إن خططها الرامية لإنجاز اتفاقية التطبيع بين "إسرائيل" والمملكة العربية السعودية ستؤدي في النهاية إلى إنشاء دولة فلسطينية. بل إنهم يؤيدون خطط وقف إطلاق النار في غزة، وهي خطوة تأتي بعد اعترافهم بأن المملكة العربية السعودية تحتاج اليوم إلى فترة تهدئة وإلى وضع مسار يؤدي إلى قيام دولة فلسطينية للدخول في اتفاقية.

ومع ذلك، أوضحت إدارة بايدن أنها تعارض إنشاء دولة فلسطينية قابلة للاستمرار. وفي الوقت الذي أعاقت فيه الجهود التي تبذلها الأمم المتحدة لإقامة دولة فلسطينية، سعت إلى فرض قيود على فلسطين.

هذا وتُعد مسألة تقويض أمن فلسطين الأولوية الرئيسة لإدارة بايدن. إذ يصر مسؤولوها على أن أي دولة فلسطينية مستقبلية يجب أن تكون منزوعة السلاح.

وفي وقت سابق من هذا العام، قال الرئيس بايدن: "تتعدد الأشكال الخاصة بحل الدولتين. فهناك عدد من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة... التي لا تملك جيوشها الخاصة، وهناك عدد من الدول التي لا تملك حدوداً… لذا أعتقد بأن هناك طرقاً قد تؤدي إلى إنجاح هذه الخطة". 

بالإضافة إلى ذلك، تطالب إدارة بايدن "إسرائيل" بأن يكون لها دور في إنشاء دولة فلسطينية. وهي تطالب الفلسطينيين بالتفاوض مع الإسرائيليين، على الرغم من أن الحكومة الإسرائيلية والمجتمع الإسرائيلي يعارضان حل الدولتين.

وعندما استجوب الكونغرس بلينكن الشهر الماضي حول خطط الإدارة لإنجاز اتفاقية التطبيع بين "إسرائيل" والمملكة العربية السعودية، أشار إلى شرط آخر مفاده أن أي اتفاق لن يؤدي إلى إنشاء دولة فلسطينية على الفور. بل أشار بلينكن إلى أن الرؤية الأميركية لمسار أطول نحو إقامة دولة فلسطينية لا تهدف إلى تحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني.

وقال في هذا السياق: "يتمثل الهدف الأساسي من التطبيع وكذلك الهدف الأساسي من إنشاء دولة فلسطينية في التأكد من أمن إسرائيل مضمون بشكل أفضل".

وفي الواقع، لا تزال إدارة بايدن تركز على هدف دمج "إسرائيل" في شبكة التحالفات والشراكات التي تقودها الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط، تماماً كما كانت تفعل قبل تاريخ السابع من تشرين الأول/أكتوبر. وبدلاً من محاولة تحقيق حل الدولتين الذي يمكن أن يضع حداً لما أسماه أحد النواب الأميركيين مؤخراً "75 عاماً من البؤس"، تعمل الإدارة على الاستفادة من الأزمة الحالية لتعزيز الهيمنة الأميركية، بمعزل عما يحدث للفلسطينيين.

وقد أقرّ السيناتور فان هولين بهذه الحقيقة قائلاً: "على الرغم من حقيقة أننا نتلفظ بهاتين الكلمتين" – أي حل الدولتين - إلا أننا "لم نوجّه سياستنا قط لاستخدام نفوذنا من أجل تحقيق هذه الغاية".

 

نقلته إلى العربية: زينب منعم.

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.