"CounterPunch": تعذيب وتجويع.. أساليب الاعتقال الإسرائيلية باتت أكثر قساوةً

كانت الظروف في السجون الإسرائيلية قاسية أصلاً، لكن بعد 7 أكتوبر، قام بن غفير بجعلها أكثر قساوةً.

  • ارتفاع الاعتقالات في الضفة الغربية والقدس بشكل كبير بعد 7 أوكتوبر
    ارتفاع الاعتقالات في الضفة الغربية والقدس بشكل كبير بعد 7 أوكتوبر

موقع "CounterPunch" الأميركي ينشر مقالاً للكاتب جيفري كلير، يتحدث فيه عن التعذيب الذي يتعرض له الفلسطينيون في سجون الاحتلال الإسرائيلي التي تفاقمت وتوسعت بعد 7 أكتوبر، وعن سياسة الاعتقال التعسفية بحق الفلسطينيين، مستشهداً بثلاث حالات.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية بتصرف:

رشا كريم لم تكن تختبئ من الشرطة، فهي لم تفعل أي شيء خاطئ. رشا التي تملك صالون تجميل في مجد الكروم في الجليل، كانت تقضي يومها بكل بساطة، وكانت تقوم بمهمات روتينية عندما أوقفتها الشرطة الإسرائيلية.

حاولت رشا الحفاظ على رباطة جأشها حين كانت الشرطة الإسرائيلية تحاصرها. كانت هناك نظرة من الارتباك، ثم وميض من الخوف على وجهها عندما قيل لها إنّه تم القبض عليها.

تم تكبيل يديها بإحكام، ثم بدأت بالبكاء، عندما قامت الشرطة بربط العصابة على عينيها. يمكنك رؤية أصابع يديها المقيدة ترتعش وهي تحاول مسح الدموع من وجهها. تخيّل ما كان يدور في ذهنها في تلك اللحظة. لماذا أنا معصوبة العينين؟ أين يأخذونني؟ ماذا فعلت لأستحق ذلك؟

ماذا فعلت رشا؟ لا شيء، حقاً. كانت امرأة فلسطينية تعيش في الضفة الغربية، وكتبت تعليقات مؤيدة للفلسطينيين في وسائل التواصل الاجتماعي، معربةً عن حزنها وغضبها إزاء تزايد الضحايا في غزة. مثل كثيرين، منهم إسرائيليون، كتبت رشا عن آمالها في أن يتوقف القتل وتنتهي الحرب.

لكن مثل هذه المشاعر التي يتم التعبير عنها علناً تعتبر جريمة لدى "إسرائيل". وقد تم الوشاية برشا كريم في مكاتب إيتمار بن غفير؛ وزير الأمن المتعصب في حكومة نتنياهو.

وقالت الشرطة الإسرائيلية في بيان: "تم تلقي تقرير عن بعض المنشورات التي نشرتها المشتبه بها ضد جنود الجيش الإسرائيلي والحكومة الإسرائيلية، والتي من شأنها الإخلال بالنظام العام".

بن غفير وأتباعه أرادوا اتهام رشا بالتحريض على الإرهاب. أراد وزير الأمن المسرحي، الذي يسيطر على الشرطة الإسرائيلية، أن يجعل منها عبرة، ويثبت قدرته على سحق أي شكل من أشكال المعارضة، مهما كانت غير ضارة، ومن أي جهة غير ضارة، حتى من صالون التجميل.

وبذريعة أنّ منشوراتها في وسائل التواصل الاجتماعي تشكل تهديداً للنظام العام، تم احتجاز رشا وتكبيلها وتعصيب عينيها ونقلها إلى مركز إسرائيلي حيث خضعت للاستجواب.

ولكن سرعان ما تسرب مقطع فيديو لاعتقالها، وجاءت نية بن غفير الخبيثة بنتائج عكسية، إذ أثار مقطع الفيديو تعاطفاً وغضباً أكبر من الخوف أو الذعر. واحتج محامي رشا على اعتقالها واحتجازها لدى مكتب المدعي العام، الذي اكتشف بسرعة أنّ شرطة بن غفير لم تحصل على الإذن اللازم للتحقيق معها، وأنّ "قرار الشرطة بتقييد المشتبه بها برباطات معدنية وتعصيب عينيها غير واضح".

تم إطلاق سراح رشا كريم من الحجز، وتم أمرها بالإقامة الجبرية لمدة 5 أيام. ودان بن غفير إطلاق سراحها، واتهم مكتب المدعي العام بـ"التسرع في التدخل لدعم داعمة الإرهاب".

إنّ الاعتقال التعسفي والاحتجاز والاستجواب لرشا كريم ليس بالأمر الجديد. خلال الانتفاضة الأولى، تم اعتقال أكثر من 100 ألف فلسطيني، العديد منهم من دون أوامر اعتقال أو محاكمات، بموجب سياسة الاعتقال الإداري، وتعرّض ما لا يقل عن 85 ألف شخص لاستجوابات تعذيبية.

والآن، يتم إحياء هذا المخطط القمعي. ومنذ تشرين الأول/أكتوبر، اعتقلت "إسرائيل" أكثر من 9000 فلسطيني، من بينهم 300 امرأة و635 قاصراً، من الضفة الغربية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية وحدها. لا يوجد إحصاء دقيق لعدد الفلسطينيين الذين اعتقلتهم "إسرائيل" من غزة، لكنه بالتأكيد هناك أكثر من 9000 اعتقلوا في الضفة الغربية.

تم احتجاز العديد من المعتقلين الذكور في غزة، صغاراً وكباراً، في معسكر التعذيب "سدي تيمان" الذي يقع قرب مدينة بئر السبع، حيث يتم إبقاؤهم معصوبي الأعين، وتجريدهم من معظم ملابسهم، وتقييدهم بالأغلال لأسابيع. وتم إرسال معظم النساء والفتيات الفلسطينيات المعتقلات من غزة إلى معسكر التعذيب العسكري "عناتوت" خارج القدس.

اقرأ أيضاً: تحقيق لـ"نيويورك تايمز": تعذيب حتى الموت في القاعدة التي اعتقلت فيها "إسرائيل" آلاف الغزيين

وعلى عكس رشا كريم التي تم اختطافها في وضح النهار في الشارع، فإنّ معظم اعتقالات الفلسطينيين تمت في وقت متأخر من الليل مع تفجير أبواب منازلهم فيما كان المستهدفون وعائلاتهم نائمين. وكثيراً ما يقتحم الجنود وشرطة الأمن الإسرائيليون بكلابهم المهاجمة، ويوجهون التهديدات والشتائم إلى أفراد الأسرة، ويخربون الممتلكات داخل المسكن، ويهينون المعتقلين ويعتدون عليهم أمام عائلاتهم، مثل بلال داوود الذي تم اعتقاله في وقت متأخر من ليلة 16 تشرين الأول/أكتوبر 2023.

لقد فجّرت القوات الإسرائيلية باب منزل داود في مخيم الدهيشة في بيت لحم. وأدّى الانفجار إلى تحطم نوافذ المبنى. وعندما دخلت قوات الاحتلال المنزل، شرعت على الفور في تخريب المكان، وتحطيم جهاز التلفزيون، وتدمير الأثاث والمصابيح والأطباق. وبينما كانت والدته تنظر برعب إلى بلال، ضربه جندي إسرائيلي على وجهه بعقب بندقيته الهجومية. وبينما كان ملقى على الأرض، تعرض للركل بشكل متكرر، ثم تم جرّه عبر الغرفة، ما ترك أثراً من الدماء. وعندما صرخت والدته احتجاجاً، أصيبت هي أيضاً في وجهها، ما أدى إلى خلع أسنانها. وبعد ذلك قامت القوات الإسرائيلية بإغلاق فمها بشريط لاصق.

في كثير من الأحيان، تصبح هذه الاقتحامات الليلية قاتلة. في ليلة 5 كانون الأول/ديسمبر 2023، استيقظت عائلة مناصرة على أصوات خارج منزلهم في مخيم قلنديا للاجئين قرب القدس. واقترب الشاب محمد مناصرة من الباب ليرى سبب الضجة، من دون أن يعلم أنّ الأصوات قادمة من قوات الاحتلال التي تستعد لاقتحام المنزل لاعتقال شقيقه عبد الله.

وعندما تحرك محمد لفتح الباب من الداخل، فجَّر الإسرائيليون قنبلة من الخارج، وأدّى الانفجار إلى مقتل الشاب وإصابة والدته التي كانت تقف قربه بجروح خطيرة. داس الإسرائيليون على جسد محمد الممزق، ومنعوا أفراد عائلته من مساعدته أو مساعدة والدته، وأمسكوا شقيقه عبد الله واقتادوه بعيداً في الليل. ولم يتم استدعاء سيارة إسعاف لعلاج الجرحى.

وبعد يومين من 7 تشرين الأول/أكتوبر، اقتحمت القوات الإسرائيلية منزلاً تسكنه سيدتان فلسطينيتان وطفلة رضيعة تبلغ أسبوعين. ومرة أخرى، تم اقتحام المنزل في وقت متأخر من الليل، عندما كان جميع شاغليه نائمين. تم هدم باب المنزل، ودخلت قوات الاحتلال، وجميعهم من الذكور، إلى المنزل، وحاصرت سرير المواطنة الفلسطينية التي تدعى "ح.ح"، وتوسلت المرأة إلى الجنود للسماح لها بتغطية نفسها وشعرها بالحجاب والعباءة لكنهم رفضوا. بعد ذلك، دخل الجنود إلى غرفة ابنة "ح.ح" وطفلتها البالغة أسبوعين، قائلين إنّهم كانوا يبحثون عن هاتف محمول، وأمروا الابنة بالتجرد من ملابسها لإجراء تفتيش. وعندما رفضت، هددوها بمسدس الصعق. وعندما حاولت والدتها التدخل، بصق جندي في وجهها.

بعد ذلك، طالب الجنود ابنة "ح.ح" بتجريد طفلتها من ملابسها. في هذه الأثناء، قام الجنود بتفتيش المنزل، ومزّقوا صفحات من المصحف، وتجوّلوا في المنزل حاملين الملابس الداخلية النسائية، فيما جلست "ح.ح" وابنتها على الأرض مقيدتي الأيدي والأرجل. لاحقاً، تم نقلهم إلى مركز الاستجواب، حيث همس أحد المحققين في أذن "ح.ح" عن نيته اغتصابها.

وشملت أهداف الدهم الطلاب والمدرسين والمهندسين والمحامين والأطباء الفلسطينيين، وحتى الأعضاء الفلسطينيين في المجلس التشريعي الفلسطيني، إذ تم اعتقال واحتجاز 18 منهم على الأقل من دون أوامر قضائية. في كثير من الأحيان، لم يفعل الضحايا سوى القليل، مثل رشا كريم، إذ نشروا منشوراً مؤيداً للفلسطينيين أو مناهضاً للحرب على وسائل التواصل الاجتماعي أو تغريدة بآية من القرآن.

معظم هؤلاء الفلسطينيين محتجزون بموجب سياسة الاعتقال الإداري الغامضة التي تتبعها "إسرائيل"، والتي تسمح لها باعتقال واحتجاز وتعذيب الفلسطينيين من دون تقديم اتهامات أو لوائح اتهام، وتبرير الاعتقال من خلال الاستشهاد بما يسمى "الملفات السرية"، والتي لا يُسمح للمتهم بالاطلاع عليها أو الاعتراض عليها أبداً.

إضافة إلى الاعتقال الإداري، سنّت "إسرائيل" أيضاً "تدابير الطوارئ" في 26 تشرين الأول/أكتوبر للتعامل مع "المقاتلين غير الشرعيين"، والتي منحت القوات الإسرائيلية سلطة اعتقال الفلسطينيين بناءً على أدلة سرية، واحتجازهم من دون توجيه اتهامات لمدة تصل إلى 75 يوماً قبل أن يتمكن القاضي من تحديد ما إذا كان الاعتقال قانونياً. وتسمح "إجراءات الطوارئ" للإسرائيليين بمنع المعتقلين من الاتصال بمحام لمدة تصل إلى 210 أيام.

معظم "المقاتلين" محتجزون في المعسكر الميداني اليمني في ظل ظروف شديدة القسوة، ولا يُسمح لهم بزيارات من الصليب الأحمر الدولي أو محاميهم. وبالتالي، لا يقتصر الأمر على عدم وجود طريقة للطعن في اعتقالك، بل لا يوجد أيضاً وسيلة للاحتجاج على الظروف التعسفية أو المعاملة التعذيبية في السجون.

كانت الظروف في السجون الإسرائيلية قاسية أصلاً، لكن بعد 7 أكتوبر، قام بن غفير بجعلها أكثر قساوةً، إذ تم تقليص الحصص الغذائية من ثلاث وجبات يومياً إلى اثنتين. تتكون وجبة الإفطار النموذجية من كوب صغير من الزبادي وقطعة خبز وطماطم. تتكون الوجبة الثانية من حصة صغيرة من الأرز مع النقانق، وغالباً ما تكون غير مطبوخة جيداً. تم تحطيم النوافذ لجعل الزنازين تتجمد في أشهر الشتاء. وكانت البطانيات الموجودة في الزنازين بالية. وأُجبر العديد من السجناء على ارتداء الملابس نفسها أكثر من 50 يوماً متتالية. تم تفتيش الغرف بشكل يومي تقريباً، وغالباً ما كان ذلك يتم بواسطة حراس يحملون قضباناً معدنية ومعهم كلاب هجومية. ويتم حرق القمامة بشكل روتيني داخل مجمع السجن، ما يؤدي إلى إغراق الزنازين بالدخان السام.

لقد لقي عشرات الفلسطينيين الذين اختطفتهم قوات الأمن الإسرائيلية حتفهم في السجون الإسرائيلية منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول. وتعرض اثنان على الأقل للضرب حتى الموت.

تعرض عبد الرحمن مرعي للضرب حتى الموت في سجن مجدو في 13 تشرين الثاني/نوفمبر 2023. وأظهر تقرير التشريح الرسمي أنّ "كدمات شوهدت على الصدر الأيسر، مع وجود كسور في الضلوع وعظام الصدر تحتها. كما شوهدت كدمات خارجية على الظهر والأرداف والذراع الأيسر والفخذ والجانب الأيمن من الرأس والرقبة". وبما أنه لم يتم العثور على أي علامات على وجود مرض في الخلفية، واستناداً إلى تاريخه كشاب يتمتع بصحة جيدة، يمكن للمرء أن يفترض أنّ العنف الذي تعرض له أدّى إلى وفاته، فيمكن أن ينتج من مثل هذه الإصابات عدم انتظام ضربات القلب وأزمة قلبية من دون ترك أي دليل مادي.

الفتى "ج.ك"، وهو فلسطيني يبلغ 18 عاماً محتجز في سجن النقاب، يتذكر أنّ حراس السجن الإسرائيليين قبضوا عليه وهم يحملون هراوات معدنية وأجبروه على التعري، ثم بدأوا بالتقاط صور له. وعندما حاول حماية أعضائه التناسلية، ركله الحراس مراراً وتكراراً وضربوه بهراواتهم، والتقطوا صوراً لأعضائه التناسلية وهم يسخرون منه.

لم يتم التحقيق إلا في عدد قليل من حالات القتل والانتهاكات داخل معسكرات الاعتقال الإسرائيلية. وتاريخياً، يتم إغلاق 99 من أصل 100 قضية يتم التحقيق فيها من دون توجيه أي اتهامات. لذا، أعتقد أنّنا نستطيع القول إنّ رشا كريم كانت محظوظة أو أكثر حظاً من الكثير من الفلسطينيين على أي حال، فالكثير منهم يذهبون إلى ظلام معسكرات الاعتقال الإسرائيلية ولا يعودون أبداً.

نقلته إلى العربية: بتول دياب

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.