"نيويورك تايمز": إنهاء قضايا ترامب تترك حدود الإجرام الرئاسي غير واضحة
من المقرر أن يستعيد دونالد ترامب منصبه من دون أي توضيح بشأن نطاق الحصانة الرئاسية، وفي ظل التشكيك حول ما إذا كان بإمكان المحققين الخاصين من الخارج التحقيق في الجرائم التي ترتكبها شخصيات رفيعة المستوى.
صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية تنشر تقريراً للكاتب تشارلي سافاج، وهو صحافي يُعِدّ تقارير تتعلق بسلطات الرئيس والسياسات القانونية، تحدث فيه عن مصير القضايا الجنائية ضد الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب.
أدناه نص التقرير منقولاً إلى العربية:
تركت مسألة إنهاء القضيتين الجنائيتين الفيدراليتين المرفوعتين ضد الرئيس المنتخب دونالد ترامب، يوم الإثنين، تساؤلات خطيرة ومُحيّرة بشأن القيود المفروضة على الجرائم الجنائية التي يرتكبها الرؤساء، بدءاً بنطاق الحصانة الرئاسية، وصولاً إلى ما إذا كان يحق لوزارة العدل مواصلة تعيين محققين خاصين من الخارج للتحقيق في الجرائم التي ترتكبها شخصيات رفيعة المستوى.
فالقضيتان المرفوعتان ضد ترامب، بسبب محاولته إلغاء انتخابات عام 2020، واكتنازه لاحقاً وثائق حكومية سرية وعرقلة الجهود الرامية لاستعادتها، تم تعطيلهما بسبب فوزه في انتخابات عام 2024 قبل أن يتم حلّهما بصورة نهائية.
وطلب جاك سميث، المحقق الخاص الذي رفع القضيتين ضد ترامب، إلى المحاكم إغلاقهما. واستشهد المدّعي بوجهة نظر وزارة العدل الراسخة بأنّ الدستور يمنح ضمنياً حصانة موقتة للرؤساء الحاليين، خشية أن تصرفهم أي محاكمة عن واجباتهم الرسمية.
ولا تقتصر النتيجة على استعداد ترامب للإفلات من أي مساءلة جنائية عن الأفعال التي ارتكبها، بل إنّ ذلك يعني أيضاً أنّ المسألتين الدستوريتين المفتوحين، واللتين أثارتهما القضيتان، قد تمضيان من دون الحصول على إجابات محددة مع تولي ترامب منصبه.
وتعالج المسألة الأولى نطاق الحماية من الملاحقة القضائية المقدمة للرؤساء السابقين، بموجب حكم المحكمة العليا هذا الصيف، والذي ينص على أنهم يتمتعون بنوع من الحصانة الواسعة وغير المحددة بصورة كاملة عن الأفعال الرسمية المرتكبة في أثناء وجودهم في مناصبهم، بينما تعالج المسألة الثانية قدرة وزارة العدل على تجنب تضارب المصالح، عندما يشتبه في ارتكاب رئيس ما جرائم، من خلال إحضار مدعٍ عامّ من الخارج لتولّي تحقيق شبه مستقل في هذه القضية. وبالتالي، فإنّ الشكوك التي ترافق هاتين المسألتين قد تترتب عنهما آثار بشأن مستقبل الديمقراطية الأميركية طوال فترة ولاية ترامب الثانية.
فيما يتعلق بقضية الحصانة الرئاسية، أفاد رئيس المحكمة العليا جي روبرتس جونيور بأنّ الدستور يمنح الرؤساء ضمنياً حصانة افتراضية من الملاحقة القضائية بسبب الإجراءات الرسمية التي يتخذونها، وأنه يمكن التغلب على الفرضيات في بعض الظروف. وصاغ حكمه بطريقة تركت كثيراً من الأسئلة من دون إجابات. وربما يرجع ذلك جزئياً إلى أنه كان من المتوقع أن تعود القضية إلى المحكمة العليا مرة جديدة على الأقل لتنقيحها قبل أن يتمكن ترامب من الذهاب إلى المحاكمة، على الأقل إذا خسر الانتخابات.
على سبيل المثال، لم يذكر رئيس المحكمة بشكل قاطع ما إذا كانت أغلبية التهم الموجهة إلى ترامب، ومنها نشر الأكاذيب بشأن مسألة التلاعب بالأصوات والتآمر لاستقدام ناخبين مزيفين مؤيدين لترامب من الولايات، والتي خسرها الأخير، تُعَدّ سلوكاً غير رسمي لرئيس تتضمن وظيفته التأكد من تنفيذ قوانين الانتخابات بأمانة.
بالإضافة إلى ذلك، لم يتطرق حكم المحكمة إلى قضية رئيسة تتعلق بإمكان إساءة استخدام الرئيس سلطته: ما إذا كان المرؤوسون الذين يتخذون إجراءات غير قانونية استجابة لتوجيهات رئاسية يتمتعون بالحصانة أيضاً، أم أنهم أنفسهم معرّضون لخطر الملاحقة القضائية بسبب تنفيذهم أوامر رئيسهم. وكان سميث تبنّى وجهة نظر ضيقة بشأن حكم المحكمة العليا المتعلق بالحصانة، بحيث رأى أنّ أغلبية تصرفات ترامب المذكورة في لائحة الاتهامات الأصلية قد تكون عرضة للملاحقة القضائية. ومع ذلك، أكد فريق ترامب القانوني أنّ كل شيء مذكور في لائحة الاتهامات يجب تفسيره على أنه إجراء رسمي وعدّه محصناً.
وقدّم سميث إلى القاضية تانيا أس. تشوتكان، من المحكمة الفيدرالية في مقاطعة كولومبيا، مجموعة مطولة من الأدلة التي أراد استخدامها في المحاكمة والحجج التي تفسر سبب عدم تغطية حكم الحصانة الصادر عن المحكمة العليا لها. وكان النزاع في طريقه للعودة إلى المحكمة العليا للحصول على حكم توضيحي من شأنه أن يوفر دليلًا للنزاعات المستقبلية بشأن سوء السلوك الرئاسي.
أما المسألة الثانية، والتي يبدو أنّها لن تُحل بالحصول على إجابة قاطعة، فتتمثل بما إذا كان المدعون العامون يتمتعون بالسلطة لإحضار شخص من الخارج بدلاً من المدعي العام الأميركي الحالي، لتولي التحقيق بصفته محققاً خاصاً يتمتع بدرجة من الاستقلالية اليومية، سعياً لتجنب تضارب المصالح في التحقيقات الحساسة سياسياً.
وفي الوقت الذي باركت المحكمة العليا هذا الحل كونه دستورياً خلال فضيحة "واترغيت"، التي طالت الرئيس ريتشارد نيكسون، أثار القاضي كلارنس توماس احتمال أن يكون هذا الحل غير دستوري في هذه القضية. وأعلنت القاضية، التي عينها ترامب في قضية الوثائق، إيلين إم. كانون، أن تعيين سميث جاء بشكل غير قانوني، ورفضت لائحة الاتهامات الموجهة ضد ترامب على هذا الأساس.
وأثارت الشرعية القانونية لحكم القاضية كانون كثيراً من الشكوك. ويرجع ذلك جزئياً إلى رفضها الأحكام القضائية السابقة، التي أصدرتها المحاكم العليا وإلى تأييدها الاستثنائي لترامب، لتقوم محكمة الاستئناف بإلغائه فيما بعد. واستأنف سميث حكمها أمام محكمة الاستئناف التابعة للدائرة الحادية عشرة في أتلانتا.
وصرّح سميث للمحكمة، في وقت سابق، بأنّه تخلى عن الدعوى الموجهة ضد ترامب، إلا أنّه لم يسقط الدعوى المتعلقة بالمتهمين الآخرين في تلك القضية،ـ وهما موظفان لدى ترامب متهمان بمساعدته في مؤامرة الوثائق. ومن المتوقع أن يعفو ترامب عنهما عند تنصيبه، وهو ما يقضي على ما تبقى من القضية.
ومن غير المرجح أن تُصدر محكمة الاستئناف حكمها في قضية تعيين المحقق الخاص قبل ذلك الموعد، ومن المؤكد أنّ المحكمة العليا لن تتاح لها الفرصة لإصدار حكم نهائي في هذه القضية قبل انقضاء هذا الوقت.
ونتيجة لهذا، فإنّ المدعي العام المستقبلي، الذي يواجه اتهامات بارتكاب جرائم رئاسية، قد يتردد في تعيين محقق خاص من الخارج، على الرغم من أنّ هذه هي الطريقة التي تتعامل بها الوزارة مع تضارب المصالح منذ عقود. وحتى لو كان المدعي العام المستقبلي الافتراضي يعتقد أنّ المنطق القانوني للقاضية كانون كان زائفاً، فإنّ القضية غير المحلولة تظل متاحة أساساً يمكن للمتهمين في المستقبل استخدامه لتعطيل قضاياهم وتأخير البت فيها.
هذا ولا تزال هناك فرصة لعودة طرح مسألة تعيين محققين خاصين من الخارج في المحكمة، في حال عينت وزارة العدل في عهد ترامب أحدهم. إلا أنّ هذه الخطوة تتطلب تحدي الحجج التي قدمها محامو الدفاع الشخصي عن ترامب، الذي تعهد أنه سيرشح عدداً منهم لمناصب عليا في الوزارة، وتبني الحجج التي طرحتها وزارة العدل في عهد بايدن للدفاع عن شرعية تعيين محققين الخاصين من الخارج.
وتعهد ترامب تعيين محقق خاص "حقيقي" لملاحقة الرئيس بايدن وعائلته وأعدائه السياسيين الآخرين، وأثار البعض في دائرته ضجة تتعلق بإعادة التحقيق في مزاعم ترامب بشأن وجود تلاعب في الأصوات أدّى إلى تغيير نتيجة انتخابات 2020، على الرغم من أنّ وزارة العدل في عهده، بقيادة المدعي العام ويليام بيه بار، بحثت في الأمر في ذلك الوقت، ولم تجد أي دليل.
نقلته إلى العربية: زينب منعم