"Mondoweiss": مشروع "إستر" اليميني للقضاء على الحركة الفلسطينية
يدعي "مشروع إستير" التابع لمؤسسة التراث أنه يحارب معاداة السامية ولكنه في الواقع يهدف إلى تدمير حركة التضامن مع فلسطين.
موقع "Mondoweiss" ينشر تقريراً للكاتب ميتشل بليتنيك، يتحدث فيه عن مشروع "إستر" الذي ترعاه مؤسّسة "التراث" (هريتيتج) الأميركية، لمحاربة وتدمير حركة التضامن مع فلسطين.
أدناه نص التقرير منقولاً إلى العربية بتصرف:
حازت مؤسّسة "التراث" (هريتيتج) خلال الانتخابات الأميركية الأخيرة، على دعاية واسعة لمشروعها سيّئ السمعة "إستر"، الذي يبدو أنّه أحد المشاريع التي يعتزم تنفيذها الآن بعد عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.
و"إستر" إنتاج مؤسسة "التراث" يزعم أنّه يهدف إلى مكافحة "معاداة السامية" في الولايات المتّحدة، لكنه في الحقيقة خطّة مُحكمة لتدمير حركة التضامن مع فلسطين وتقييد النشاط ضدّ السياسة الأميركية الخارجية والمحلّية على حدّ سواء. لكن، هذا التوجّه ليس بالجديد، ولطالما تسلّح هذا الخداع باستخدام شائن لشعار "معاداة السامية" من قبل الحركة الصهيونية و"إسرائيل" لمدّة قرن أو أكثر. لكن، "إستر" الآن يوحّد الجهود لأجل سحق المساندة الشعبية للحقوق الفلسطينية بالكامل، كخطوة أولى ليس إِلّا، من ضمن مخطّط يريدونه المفتاح لتدمير كلّ النشاطات والقوى المناهضة للإمبريالية الأميركية في الخارج، وتفوّق العرق الأبيض في الداخل المحلّي.
مشروع "إستر"
تصف وثيقة المشروع أنّه سمّي "إستر" على اسم البطلة اليهودية التي أنقذت شعبها من الإبادة الجماعية في التاريخ القديم، مع أنّ معظم علماء "الكتاب المقدس" يجمعون على أنّ قصّة "إستر" ملفّقة، أو في أحسن الأحوال مجازية، ولم تقع أحداثها لا في بلاد فارس ولا أيّ بلاد أخرى. وفقط الشريحة الأكثر أصولية والمتزمتة هي التي تتمسّك بهذه السردية وتتعامل معها كحدث تاريخي مع أنّها خرافة.
ويعتمد مشروع "إستر" على استراتيجية توسم حركة التضامن مع فلسطين بأنّها "شبكة دعم حماس"، والمنظّمات في الحركة بأنّها "منظّمات تدعم حماس". وتنطوي هذه الاستراتيجية على تأثيرين، الأوّل، هو تشويه سمعة حركة التضامن مع فلسطين والمنظّمات داخلها من خلال ربطها بحركة "حماس"، بعد أن عُرّفت أمام الجمهور الأميركي بأنّها ليست سوى منظّمة إرهابية، بتحريف وتزييف واضحين منذ عقود ضدّ حركة التضامن مع الحقوق الفلسطينية في الولايات المتّحدة.
الهدف الثاني في مشروع "إستر"، هو مهاجمة قدرة المنظمات الداعمة للحقوق الفلسطينية ومنع نشاطاتها بتصويرها على أنّها داعمة لإرهاب متمثل بمنظّمة صُنّفت من قبل حكومة الولايات المتحدة كجماعة إرهابية. وهذا من شأنه أن يجعل من المستحيل على تلك المنظّمات جمع الأموال بشكل قانوني من دون التعرّض للمساءلة.
وما لا يثير الدهشة أن تكون مزاعم "شبكة دعم حماس" تدور حول المسلمين الأميركيين عموماً، وتشمل على نحو خاصّ "طلاب من أجل العدالة في فلسطين" و" الصوت اليهودي من أجل السلام".
تتّحد مؤسّسات ومنظّمات وصناديق تمويل في سبيل شيطنة حركة دعم فلسطين في أميركا وفي العالم بأسره، من خلال التفكير التآمري الذي يتغلغل في الاستغلال الشرّير للمجتمع "المنفتح" في الولايات المتحدة، ما يجعل من مشروع "إستر" مجرّد قناة تتيح استخدام البيانات الصحفية ومنشورات وسائل التواصل الاجتماعي والرسائل والاجتماعات مع المسؤولين المنتخبين وغيرها من الأنشطة الشائعة بشكل غير شرعي لمجرد أنّ المتضامنين مع فلسطين يستخدمونها. ويفعلون ذلك ببساطة بحجّة أنّهم أثبتوا بلا دليل أنّ داعمي حركة "حماس"، هم عصابة من كارهي اليهود وكارهي "إسرائيل" وكارهي أميركا في واشنطن وجميعهم متحالفون مع الحركة التقدمية اليسارية الأميركية.
مطاردة الساحرة السياسية
في جميع بنود الوثيقة يمحى التمييز بين مناهضة الصهيونية و"معاداة السامية"، مع محاولة تصوير الحركة الداعمة للحقوق الفلسطينية على أنّها لا تهدّد الفصل العنصري الإسرائيلي وهو بالطبع كذلك، بل أيضاً "الديمقراطية" الأميركية. فالمؤامرة في مشروع "إستر" تتوجّه أيضاً إلى المسؤولين والسياسيين في الولايات المتحدة، وتذكّر الوثيقة أسماء رشيدة طليب، وإلهان عمر، وكوري بوش، وجمال بومان، وسمر لي، وأيانا بريسلي، وألكساندريا أوكاسيو كورتيز، وغريغ كاسار، وأندريه كارسون، وهانك جونسون، ويان شاكوفسكي، ومارك بوكان، وبراميلا غايبال، وبيرني ساندرز، وكريس فان هولين، وإليزابيث وارن، باعتبارهم جميعاً يدعمون حركة "حماس".
هناك الكثير ممّا يمكن قراءته بين ثنايا قائمة الأسماء هذه، التي يبرز فيها كثرة كبيرة لأعضاء الكونغرس من "الحزب الديمقراطي"، مثل رشيدة طليب وكوري بوش وجمال بومان، الذين لم يتورّعوا عن اتّخاذ المواقف السياسية الداعمة للحقوق الفلسطينية، بمقابل القلّة على القائمة كانوا حذرِين بشأن المواقف من فلسطين، وأحياناً يدافعون عنها بخجل وبلا ضجّة، وأحياناً يصمتون. ومن بين هؤلاء براميلا غايابال وغريغ كاسار وأيّان بريسلي، الذين حاولوا من ناحية استرضاء قاعدتهم اليسارية الداعمة لفلسطين، لكنّهُم كانوا بشكل عامّ أكثر حذراً من طليب وبومان وبوش.
الأمر الأكثر دلالة هو غياب أيّ اسم من "الحزب جمهوري" عن القائمة، مع أنّه لم يكن أيّ عضو في مجلس الشيوخ أكثر نشاطاً في إبطاء وتأخير والتشكيك في المساعدات لـ "إسرائيل" من السيناتور الجمهوري راند بول من ولاية كنتاكي، الذي سبق جهود بيرني ساندرز الحالية لتمرير قرار مشترك بعدم الموافقة على مبيعات أسلحة معينة إلى "إسرائيل". وفي مجلس النوّاب يقوم النائب الجمهوري توماس ماسي بشكل روتيني بحثّ حزبه للتصويت ضدّ المساعدات العسكرية ومشاريع القوانين الأخرى المتعلقة بـ "إسرائيل". ومع ذلك، لا يظهر اسمه ولا اسم زميله راند بول في وثيقة مشروع "إستر".
إذا كانت الأصوات ضد "إسرائيل" في الكونغرس كما يُزعم، هي مستوى من مستويات "معاداة السامية"، ومشروع "إستر" مهمّته الأساسية ملاحقة هؤلاء فلماذا يغيب اسما ماسي وبول من بين الأسماء المدرجة في الوثيقة، وتجاهلهما يكشف التلاعب بجلاء في الأمر.
كما تهاجم الوثيقة المذكورة زعيم الأغلبية المنتهية ولايته في مجلس الشيوخ تشاك شومر، لأنّه "دعا إلى الإطاحة برئيس الوزراء نتنياهو من دون سبب واضح سوى أنّ الأخير من اليمين السياسي في إسرائيل". وفي الحقيقة، لقد وجّه شومر هذه الدعوة لأنّه اعتقد أنّ نتنياهو كان يقود "إسرائيل" إلى طريق كارثي بمحاولته القيام بانقلاب قضائي. ولم تكن حركته مؤدلجة أو حتّى سياسية، وفقط كان يحاول إنقاذ دولة الفصل العنصري من نفسها، وما يؤكّد ذلك حضوره جلسة خطاب نتنياهو الخسيس أمام الكونغرس بعد وقت قصير.
إنّ التمييز والانتقاء في مشروع "إستر" هدفه الأساسي ليس بالتأكيد حماية سلامة اليهود، وهو أوسع سياسياً من استهداف مُجرّد حركة التضامن مع فلسطين وحدها.
ويضع مشروع "إستر" مجموعة من الأهداف في محاولته تدمير حركة التضامن مع فلسطين، وينصب تركيزه الأوّلِي بشكل مباشر جدّاً على المؤسّسات الأكاديمية الأميركية، حيث توضّح الوثيقة أنّها تأمل وضع معيار جديد في الجامعات والمدارس لفحص النقد لكلّ من "إسرائيل" والولايات المتّحدة كونه غير مقبول. وتستخدم في سبيل ذلك تكتيكات لتحريف قوانين مكافحة التمييز الحالية لأجل الدفاع عن "إسرائيل"، وتسعى إلى التوسّع في الأمر بمحاولة مساواة الحركة المتنامية لدعم الحقوق الفلسطينية بصعود العناصر الموالية للنازية في الولايات المتّحدة قبل الحرب العالمية الثانية.
المتضامنون مع فلسطين ليسوا سوى البداية
يقول البروفيسور جوزيف هاولي من جامعة كولومبيا، وهو يهودي مناهض للصهيونية: "لقد أراد المهيمنون الصهاينة اليمينيون لسنوات أن يجعلوا من أيّ يهودي مناهض للصهيونية أو غير صهيوني، وينتقد إسرائيل أنّه خارج عن القانون. ولقد نجحوا هذا العام في جعل الجامعات تتبنّى هذه السياسة، والآن يريدون جعلها قانوناً فيدرالياً، وما إن يتحقّق ذلك، حتى يتضح أنّ الهدف هو خنق كلّ معارضة محتملة، والبداية فقط مع المتضامنين مع فلسطين".
وتقول المديرة التنفيذية لمنظّمة "الصوت اليهودي من أجل السلام" ستيفاني فوكس، إنّه "لم يكن من الواضح أكثر من أيّ وقت مضى أنّ الدفاع عن تنظيم التضامن الفلسطيني هو أحد أهمّ الخطوط الأمامية للدفاع عن الديمقراطية اليوم. ومن يقود المبادرة المكارثية اليوم هم القوميون المسيحيون، الذين يهدّدون بشكل مباشر سلامة وحرية جميع الأشخاص المهمّشين، من ضمنهم جاليات وأعراق متنوّعة والأقلّيات الدينية والنساء".
ستيفاني فوكس على حقّ، وتذهب إلى أبعد من ذلك. فمشروع "إستر" يهدف إلى تدمير حركة التضامن مع فلسطين كخطوة أولى نحو سحق المعارضة بكلّ أشكالها ضد "تفوّق البيض" داخل الولايات المتّحدة، وضدّ الهيمنة العسكرية والإمبريالية الأميركية على المستوى الدولي. وهناك مجموعة صغيرة جدّاً من الأشخاص الذين سيكونون في مأمن من مشروع "إستر" إذا لم يُوقف.
نقله إلى العربية: حسين قطايا