"فورين أفيرز": لماذا نتجاهل الانتقادات الموجّهة لـ "إسرائيل" بشأن حقوق الإنسان؟

إنّ المنظّمات الدولية الكبرى تدين سلوك "إسرائيل" في غزة، ولكنها لا تحظى بالقدر الكافي من الاهتمام.

0:00
  • "فورين أفيرز": لماذا نتجاهل الانتقادات الموجّهة لـ "إسرائيل" بشأن حقوق الإنسان؟

مجلة "فورين أفيرز" الأميركية تنشر مقالاً للكاتب والباحث هاورد فرينش، يتحدّث فيه عن تجاهل العالم للانتقادات الموجّهة لـ "إسرائيل" بشأن حقوق الإنسان، والحرب التي تشنّها على قطاع غزّة.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية بتصرّف:

في اليوم الأخير من عام 2024، عندما أصدر مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان تقريراً نقدياً حول تدمير "إسرائيل" للمستشفيات في غزة، كنت أتوقّع أنّ عناوين اليوم التالي سوف تبرز بشكل بارز النتائج المثيرة للقلق.

"إنّ تدمير نظام الرعاية الصحية في غزة، ومدى مقتل المرضى والموظّفين والمدنيّين الآخرين في هذه الهجمات، هو نتيجة مباشرة لتجاهل القانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان"، كما جاء في التقرير.

بدأتُ يوم رأس السنة الجديدة مع برنامج "BBC Newshour"، وقد نقل هذا الخبر بالفعل في الجزء الأول من بثّه. ولكن عندما لجأت إلى الصحف الأميركية أثناء تناول قهوتي الصباحية؛ "نيويورك تايمز"، و"واشنطن بوست"، و"ول ستريت جورنال"، لم أجد أيّ ذكر لتقرير الأمم المتحدة. وكان الأمر نفسه ينطبق على الأخبار عبر الكابل التي قمت بمسحها، وكذلك نشرات الراديو والبثّ التلفزيوني العام الذي تابعته في وقت لاحق من اليوم.

من الممكن، بالطبع، أنني فاتني شيء ما في اللحظات التي لم أكن أراقب فيها الأخبار. لكنّ الافتقار إلى التغطية الواسعة النطاق يؤكّد أنّ الاتجاه الأوسع في تقارير المنافذ الأميركية عن حرب "إسرائيل" في غزة.

طوال الأشهر الخمسة عشر من الحرب، أدان العديد من المحلّلين إدارة بايدن لفشلها في انتقاد التكتيكات الإسرائيلية التي جلبت الدمار التامّ على غزة؛ ولكنّ الإدارة الأميركية ليست وحدها في هذا. فقد قلّلت وسائل الإعلام الأميركية أيضاً من أهمية الطبيعة المروّعة لهذه الأزمة. وكان هذا واضحاً في التغطية الإعلامية التي كانت خافتة أو غائبة تماماً في أوائل كانون الأول/ديسمبر، بعد أن اتهمت منظّمة العفو الدولية، وهي منظّمة لحقوق الإنسان تحظى بأعلى درجات الاحترام عندما تقدّم تقارير عن الدول غير الغربية، "إسرائيل" بارتكاب إبادة جماعية في غزة. وخلص تقرير المنظّمة إلى أنّ "إسرائيل فرضت عمداً ظروفاً معيشية قاسية على الفلسطينيين في غزة بهدف تدميرهم بمرور الوقت".

ولكنْ هل كان هذا الخبر من نصيب "إسرائيل"؟ في الحقيقة ليس كذلك. وفي بعض الحالات، كانت التغطية الإعلامية لنتائج منظّمة العفو الدولية تضع رفض "إسرائيل" الشديد للاتهامات في مرتبة أعلى.

ومن الخطأ أن نقول إنّ وسائل الإعلام الأميركية تجاهلت الحرب أو لم توجّه انتقادات جادّة لسلوك "إسرائيل". ففي الـ 26 من كانون الأول/ديسمبر، على سبيل المثال، نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تحقيقاً مطوّلاً أظهر أنّ "إسرائيل" خفّفت من قواعدها الخاصة بالحرب وسمحت لضباط إسرائيليين من ذوي الرتب المتوسّطة بإسقاط القنابل على أعضاء حماس المشتبه بهم من ذوي الرتب المنخفضة، حتى ولو كانت هذه الضربات تهدّد بقتل أفراد أسرهم أو غيرهم من المدنيين القريبين. ولكنّ مثل هذا التقرير لم يحدث إلا نادراً.

ولكن للعثور على تغطية أكثر جدّية لطبيعة هذه الحرب وثمنها، لا بدّ وأن ننظر إلى الخارج في منافذ إعلامية مثل صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية.

وفي تقرير حديث، قال ضباط عسكريون إسرائيليون لم يتمّ الكشف عن أسمائهم لصحيفة "هآرتس" إنّ هدف فرقتهم كان التهجير القسري لنحو 250 ألف فلسطيني متبقّين في شمال غزة. وقال الضباط إنّ قائدهم، العميد يهودا فاش، قال لهم إنّ "عليهم جعل الظروف صعبة على قوافل المساعدات الإنسانية"، وإنّ "غزة لا يوجد فيها أبرياء".

إنّ تقرير "هآرتس" يذكّرنا بحدث سابق في سلسلة الانتقادات الخطيرة لحقوق الإنسان الموجّهة إلى "إسرائيل" منذ بداية الحرب. ففي حزيران/يونيو، كتب أرييه نيير، الذي شارك في تأسيس منظّمة "هيومن رايتس ووتش" الرائدة في مجال حقوق الإنسان في عام 1978، في مجلة "نيويورك ريفيو أوف بوكس" ​​أنّه توصّل إلى استنتاج مفاده أنّ "إسرائيل" تمارس إبادة جماعية ضدّ الفلسطينيين.

كانت سياسة "إسرائيل" في عرقلة المساعدات الإنسانية هي التي أقنعت نيير. وكتب:

"في وقت مبكر من التاسع من أكتوبر، أعلن كبار المسؤولين الإسرائيليين عن نيّتهم منع تسليم الغذاء والماء والكهرباء. وقال وزير الأمن يوآف غالانت: "لقد أمرت بحصار كامل لقطاع غزة، لن يكون هناك كهرباء ولا طعام ولا وقود، كلّ شيء مغلق". نحن نقاتل حيوانات بشرية ونتصرّف وفقاً لذلك". نقل البيان وجهة النظر التي بدا أنّها وجّهت نهج "إسرائيل" طوال الصراع.

وكما أشار تقرير الأمم المتحدة هذا الأسبوع، فإنّ "إسرائيل" تبرّر مراراً وتكراراً الموت والدمار في غزة بالقول إنها تستهدف أعضاء حماس فقط. ولكن كما كتب نيير، فإنّ "عرقلة المساعدات الإنسانية من غير المرجّح أن تؤثّر على مقاتلي حماس بشكل مباشر". وأضاف أنّ "كلّ سبل الوصول إلى الأراضي تسيطر عليها قوات الدفاع الإسرائيلية، التي رفضت دخول المنظّمات الإسرائيلية والفلسطينية لحقوق الإنسان والمنظّمات الدولية مثل هيومن رايتس ووتش ومنظّمة العفو الدولية. إنّ الحدّ من قدرة هذه المنظّمات على جمع المعلومات وإعداد تقارير مفصّلة عن الصراع لا يعزل إسرائيل عن الانتقادات بسبب انتهاكاتها".

وقد أدلت "هيومن رايتس ووتش" بتقييمها الخاص في الشهر الماضي، وخلصت إلى أنّ "إسرائيل" ترتكب "أعمال إبادة جماعية". وجاء هذا بعد أن قدّمت جنوب أفريقيا دعواها القانونية الرئيسية التي تتهم "إسرائيل" بارتكاب الإبادة الجماعية إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي في تشرين الأول/أكتوبر. وقالت أربع عشرة دولة أخرى إنها تنوي دعم قضية جنوب أفريقيا، التي رفضتها "إسرائيل" باعتبارها "افتراءً دموياً".

وبصفتي صحافياً فردياً، ليس من حقّي أن أحكم على ما إذا كان سلوك "إسرائيل" في غزة يشكّل إبادة جماعية. ولكن ما أعرفه هو أنه لا توجد تهمة أخطر من هذه في الشؤون الإنسانية، وإذا سمح المجتمع لنفسه برفض تقارير كهذه باعتبارها غير منطقية أو حزبية، أو يتجاهلها، ويقلّل من أهمية الأخبار، فمن المرجّح أن تعاني الإنسانية ككلّ، وليس الفلسطينيون فقط.

نقلته إلى العربية: بتول دياب.

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.