"The Conversation": إسقاط الطعام جوّاً على غزّة إلهاء وستار دخاني

إسقاط الغذاء جواً على غزة هو "ستار دخاني"، ويجب على الدول أن تمارس كامل نفوذها الدبلوماسي للضغط على "إسرائيل" للسماح بدخول المساعدات بالحجم اللازم لتجنّب المجاعة.

0:00
  • "The Conversation": إسقاط الطعام جوّاً على غزّة إلهاء وستار دخاني

موقع "The Conversation" الأميركي ينشر مقالاً يتناول كارثة المجاعة في غزة كجريمة متعمّدة من قبل "إسرائيل"، ومحاولة التخفيف من الضغوط الدولية عبر خطوات شكليّة، مثل فتح جزئي للمعابر أو الإسقاط الجوي للمساعدات.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:

رفعت "إسرائيل" جزئياً حصارها عن غزّة وسمحت بدخول بعض المساعدات الإنسانية هذا الأسبوع، تحت الضغوط الدولية المتزايدة بسبب المجاعة التي يسبّبها الإنسان في القطاع الساحلي المدمّر.

لقد أسقطت الإمارات العربية المتحدة والأردن 25 طناً من المواد الغذائية والإمدادات الإنسانية جوّاً يوم الأحد. وأعلنت "إسرائيل" أيضاً عن هدنات يومية في هجماتها العسكرية على غزّة وفتح ممرّات إنسانية لتسهيل إيصال مساعدات الأمم المتحدة، وقالت إنّها سمحت بدخول 70 شاحنة يومياً إلى القطاع منذ 19 أيّار/مايو الماضي، وهذا أقل بكثير من العدد المطلوب بنحو 600 شاحنة يوميّاً وفقاً للأمم المتحدة.

ووصف كبير مسؤولي الإغاثة في حالات الطوارئ بالأمم المتحدة توم فليتشر، الأيّام القليلة المقبلة بأنّها ستكون "حاسمة" بالنسبة للوكالات الإنسانية التي تحاول الوصول إلى أكثر من مليوني فلسطيني في القطاع يواجهون "ظروفاً أشبه بالمجاعة". في حين أنّ ثلث سكّان غزّة يقضون عدّة أيّام من دون طعام، بينما يحتاج 90 ألف امرأة وطفل الآن إلى رعاية عاجلة من سوء التغذية الحادّ. وأفادت السلطات الصحّية المحلّية عن 147 حالة وفاة بسبب الجوع حتّى الآن، 80% منهم أطفال، لكنّ بنيامين نتنياهو زعم من دون أيّ دليل أنّه "لا توجد مجاعة في غزّة".

وقد رفض قادة العالم هذه الادّعاءات من ضمنهم حليف نتنياهو الرئيس الأميركي دونالد ترامب. ووصف الخبير أليكس دي وال، المجاعة في غزة بأنّها غير مسبوقة وقال: "لا توجد حالة مشابهة من المجاعة الجماعية المصمّمة والمهندسة والمنفّذة بدقّة كما يحصل لسكّان غزّة اليوم".

وبينما رحّبت الأمم المتحدة بالرفع الجزئي للحصار، فإنّ المساعدات الحالية المسموح دخولها إلى القطاع لن تكون كافية لتجنّب كارثة أوسع نطاقاً، نظراً لشدّة وحجم التجويع والاحتياجات الصحّية للسكّان. ووفقاً لبرنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، الذي لديه مخزون من الغذاء يكفي لإطعام غزّة بأكملها لمدّة 3 أشهر، إنّ شيئاً واحداً فقط سينجح هو وقف إطلاق النار كسبيل وحيد للوصول إلى الجميع.

الإنزالات الجوّية تشتيت وغطاء دخاني

إنّ إسقاط الإمدادات الغذائية عن طريق الجوّ هو الملاذ الأخير، بسبب الطريقة غير الكريمة وغير الآمنة التي يتمّ بها تسليم المساعدات. وقد أبلغت الأمم المتحدة بالفعل عن إصابة مدنيين في الخيام خلال عملية إسقاط المساعدات.

كما أنّ صناديق الطعام الجوّية غير فعّالة مقارنة بما يمكن إيصاله عبر الطرق البرّية، حيث تستطيع شاحنة واحدة حمل ما يصل إلى 20 طناً من الإمدادات، والوصول إلى غزّة بسرعة إذا سمح لها بالعبور بالحجم المطلوب.

وقد أكّدت وكالات الإغاثة مراراً وتكراراً أنّ المساعدات والكوادر اللازمة موجودة على بعد ساعة واحدة فقط من الحدود. وعلى خلفيّة عدم فعّالية عمليات الإنزال الجوّي للمساعدات، ويبدو أنّها ستبقى كذلك وقد وصف رئيس وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" العملية بأنّها إلهاء و"ستار دخاني" لا أكثر.

حاجّة الجائعين إلى رعاية متخصّصة

وقد أوضح دي وال أيضاً كيف تختلف جريمة التجويع عن جرائم الحرب الأخرى، لكونها تستغرق أسابيع من حرمان الناس من المساعدات حتّى يتفاقم الجوع. وهناك 90 ألف امرأة وطفل يعانون سوء تغذية حادّ، ويحتاجون إلى تغذية متخصّصة وتكميلية، بالإضافة إلى الرعاية الطبّية، ونوع الطعام الملقى جوّاً على غزّة لن يجدي نفعاً. كما يحتاج الأطفال الجوعى إلى فحص طبّي والحصول على طعام مدعّم بالموادّ والأمصال المعالجة.

كما أنّ النظام الصحّي المتهالك في غزّة غير قادر على علاج النساء والأطفال الذين يعانون سوء تغذية حادّ، والذين قد يعانون من "متلازمة إعادة التغذية" عند حصولهم على المغذّيات مرّة أخرى. وقد يؤدّي ذلك إلى استجابة أيضية قاتلة.

سيستغرق تعافي الفلسطينيين في غزّة من الآثار طويلة الأمد للمجاعة الجماعية أجيالاً، وخاصّة الأطفال سيعانون آثاراً جسدية ومعرفية مدى الحياة، والتي قد تنتقل إلى الأجيال القادمة.

ما الذي يجب فعله الآن

وصفت الأمم المتحدة إعادة فتح معبر المعونات الإنسانية إلى غزّة بشكل محدود بأنّها "شريان حياة" محتمل، إذا حُوفظ عليه وتوسّع. وبحسب كيران دونيلي من لجنة الإنقاذ الدولية، فإنّ ما نحتاج إليه هو أمر " مأساوي في بساطته" يوجب على "إسرائيل" أن تفتح حدود غزّة بالكامل للسماح للمساعدات والعاملين في المجال الإنساني بالتدفّق إلى القطاع.

وعليها أيضاً ضمان ظروف آمنة لتوزيع المساعدات بكرامة على الجميع من النساء والأطفال وكبار السنّ وذوي الإعاقة. فالجوع وانعدام الأمن يجعل هذه الفئات معرّضة بشدّة لخطر الإقصاء.

يحظى سكّان غزّة حالياً باهتمام العالم. لقد عانوا ظروفاً لا إنسانية هائلة، وتعرّضوا لإطلاق النار في أثناء محاولاتهم الحصول على المساعدات، وهم تحت وطأة الحرب منذ أكثر من 21 شهراً.

وقد وصفت منظّمتان إسرائيليتان رائدتان في مجال حقوق الإنسان علناً حرب "إسرائيل" على غزّة بأنّها "إبادة جماعية". ويأتي هذا في سياق تزايد الأدلّة التي جمعتها الأمم المتحدة وخبراء آخرون، والتي تدعم الاستنتاج نفسه، ممّا يؤدّي إلى تفعيل الالتزام وفق القانون الدولي للبلدان جميعها باتّخاذ إجراءات لمنع الإبادة الجماعية.

وتتطلّب هذه الالتزامات أكثر من مجرّد التصريحات، ويتوجّب على الدول أن تمارس كامل نفوذها الدبلوماسي للضغط على "إسرائيل" للسماح بدخول المساعدات بالحجم اللازم لتجنّب المجاعة، والسعي إلى الحلّ الوحيد في وقف إطلاق نار دائم.

نقله إلى العربية: حسين قطايا.