"فورين أفيرز": حرب أميركا على إيران.. ماذا بعد الضربات الأميركية؟
إنّ سجل التدخلات العسكرية الأميركية في الشرق الأوسط وطبيعة الحروب عبر التاريخ البشري يُظهران أن التدخل الأميركي ينطوي على مخاطر هائلة.
-
منشأة فوردو النووية
مجلة "فورين أفيرز" الأميركية تنشر مقالاً يناقش كيف أنّ التدخل العسكري الأميركي في الصراع قد يتحول من عملية محدودة إلى مستنقع استراتيجي طويل الأمد، تُدفع فيه الولايات المتحدة إلى صراع أوسع في الشرق الأوسط، وسط تآكل خيارات الدبلوماسية وارتفاع تكلفة التحالف مع "إسرائيل".
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية بتصرف:
شنّت الولايات المتحدة هجوماً على إيران. بعد أيام قليلة من إشارته إلى احتمال تأجيل أي عمل عسكري أميركي لأسابيع، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب في 21 حزيران/يونيو أنّ طائرات أميركية قصفت ثلاثة مواقع نووية إيرانية، بما في ذلك منشأة فوردو المدفونة تحت الأرض. وأكد مسؤولون إيرانيون وقوع الضربات. ورغم إصرار ترامب على أنّ المواقع قد "دُمّرت"، إلا أنه لا يزال من غير الواضح حجم الأضرار التي ألحقتها الهجمات.
من الواضح، مع ذلك، أنه مع هذا التدخل الأميركي، دخلت الحرب التي شنتها "إسرائيل" على إيران قبل أكثر من أسبوع مرحلة جديدة. قد تتجه الأحداث في اتجاهات عدة. قد يؤدي الهجوم الأميركي بالفعل إلى استسلام إيراني بشروط ودية لـ "إسرائيل" والولايات المتحدة. ولكنه من المرجح بنفس القدر، أو حتى أكثر، أن يجر الولايات المتحدة إلى حرب أعمق، مع عواقب وخيمة.
من شبه المؤكد أنّ إيران ستسعى إلى الانتقام، ربما بمهاجمة قواعد أميركية قريبة، وربما قتل جنود أميركيين. قد يؤدي ذلك إلى تصعيد متزايد، ذي آثار مدمرة على المنطقة، وتورط أميركي في حرب لا يرغب بها سوى قلة من الأميركيين.
الرد الإيراني
بعد مرور أكثر من أسبوع على الحرب، امتنعت "إسرائيل" عن ضرب إحدى أهم المنشآت النووية الإيرانية في فوردو، وهي منشأة كانت قبل بدء الحرب تحتوي على ما يكفي من اليورانيوم المخصب وأجهزة الطرد المركزي لإنتاج مواد سريعة لأسلحة نووية متعددة. لم يكن ذلك لأن "إسرائيل" لم ترغب في تدمير فوردو ولكن لأنها لم تستطع. فالمنشأة مدفونة على عمق كبير تحت الأرض لدرجة أنّ القنابل الخارقة للتحصينات الهائلة فقط، والتي تمتلكها الولايات المتحدة ولكن "إسرائيل" لا تمتلكها، يمكنها تدمير المنشأة. في النهاية، اختار ترامب الانضمام إلى الحرب وقصف المنشآت في فوردو ونطنز وأصفهان.
أشارت واشنطن إلى أنها أبلغت طهران بأن الضربات ستُحدد مدى التدخل الأميركي طالما امتنعت إيران عن الرد. ويأمل ترامب على الأرجح أن تتمكن الولايات المتحدة من استيعاب رد إيراني محدود، وأن تسعى إلى تجنب التورط بشكل أعمق في الحرب. قد تنجح هذه الحيلة، لكنها محفوفة بالمخاطر.
في أعقاب هذه الضربة، من المرجح أن يكون رد إيران هو مهاجمة القواعد الأميركية في شبه الجزيرة العربية أو في العراق تماماً كما فعلت إيران رداً على الضربة الأميركية التي قتلت القائد العسكري الإيراني قاسم سليماني في عام 2020. تحت حصار خصمين قويين، قد تختار القيادة الإيرانية إطلاق عدد محدود من الصواريخ على القواعد الأميركية، تماماً كما فعلت في عام 2020. من المؤكد أنّ هذا الرد من شأنه أن ينطوي على خطر قتل القوات الأميركية. إذا كانت الخسائر الأميركية محدودة، فيمكن لترامب تكرار دليل اللعب لعام 2020، ويمكن للولايات المتحدة أن تختار التراجع.
ومع ذلك، هناك احتمال آخر يتمثّل في أن تشن إيران هجوماً أشمل بكثير ضد القوات الأميركية في الشرق الأوسط، مما قد يؤدي إلى خسائر فادحة ويجر الولايات المتحدة إلى حرب طويلة الأمد. ربما تكون القيادة الإيرانية قد تعلمت الدرس من تصرفات ترامب في وقت سابق من هذا العام في اليمن، حيث صعّد الحملة العسكرية ضد الحوثيين، ثم تراجع بعد شهر عندما فشلت الهجمات الأميركية في إظهار نتائج. قد تعتقد طهران أن المثابرة والعدوان هما أفضل السبل لإقناع ترامب بالتراجع.
وبعد الضربات الإسرائيلية، من غير الواضح ما هو الضرر الذي لحق بمخزون إيران من الصواريخ قصيرة المدى التي يمكن أن تصل إلى القواعد الأميركية في البحرين والعراق والكويت وقطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وأماكن أخرى.
اقرأ أيضاً: "فورين بوليسي": كيف يمكن أن يخسر ترامب هذه الحرب؟
قد تُفاقم الحوادث وسوء التقدير الأمور. قد تُحاول إيران اتباع رد صاروخي محدود، لكنها قد تُصادف في النهاية "نجاحاً كارثياً" عندما يخترق صاروخ واحد الدفاعات الأميركية ويُسبب أضراراً تفوق بكثير ما توقعه الإيرانيون، مما يُجرّ الولايات المتحدة إلى صراع أعمق.
من القدرات الانتقامية المهمة الأخرى لإيران أسطولها من الزوارق الصغيرة، التي يصعب هزيمتها عند تفرقها، وقد تبدأ بإلقاء الألغام في مضيق هرمز أو محاولة شن هجمات انتحارية ضد السفن الأميركية. قد يؤدي هذا المسار إلى عرقلة ما يقرب من ثلث تجارة النفط العالمية، مما يتسبب في ارتفاع حاد في الأسعار قد يُطلق شرارة ركود عالمي. إذا سلكت إيران هذا المسار، فلن تتمكن سوى البحرية الأميركية من إعادة فتح مضيق هرمز، وستندلع حرب بحرية ضارية، حيث تقاتل السفن والطائرات الأميركية السفن والدفاعات الساحلية الإيرانية.
هناك احتمال ألا يتصاعد الوضع في أعقاب هذه الضربات الأميركية. قد تطلق إيران عدداً محدوداً من الصواريخ على أهداف أميركية تُسبب خسائر قليلة أو معدومة. عندها، يختار ترامب تحمل الضربات الإيرانية وينهي دائرة التصعيد، و"إسرائيل"، راضية عن نتائج الحرب، تتراجع هي الأخرى.
المشاكل القادمة
على المدى الطويل، فإن نتائج قرار ضرب إيران غير مؤكدة إلى حد كبير. ومن غير المعقول للغاية، كما يأمل البعض في "إسرائيل" والولايات المتحدة، أن تؤدي هذه الهجمات إلى انهيار النظام الإيراني. لا يزال النظام يمتلك الأسلحة ولا توجد قوة برية قادمة لغزو إيران والإطاحة بالجمهورية الإسلامية. هذه ليست سوريا. إيران دولة يبلغ عدد سكانها 90 مليون نسمة. ومن المرجح أن تكون حكومتها أكثر صموداً.
في هذا السيناريو، ستحاول إيران حتماً امتلاك سلاح نووي. وبالنظر إلى الضربات التي تلقاها برنامج إيران ومواردها بالفعل، فمن غير الواضح كم من الوقت سيستغرق ذلك. ومع احتمالية عدم تمكن الوكالة الدولية للطاقة الذرية من استعادة إمكانية الوصول إلى إيران ومراقبة ما يحدث للبرنامج النووي الإيراني في أعقاب الحرب، فمن الممكن أن يتمكن النظام الإيراني من الوصول إلى قنبلة نووية في غضون عامين. ومن المؤكد أن أجهزة الاستخبارات الأميركية والإسرائيلية ستراقب عن كثب التطورات في أي نسخة من إيران ما بعد الحرب.
قد تسعى إيران أيضاً إلى وسائل انتقامية أخرى، بما في ذلك شنّ هجمات إرهابية على منشآت أميركية في جميع أنحاء العالم. وقد يشمل ذلك اغتيالات مستهدفة.
هناك خطر آخر يتمثل في أنّ يستمر الصراع الإسرائيلي الإيراني إلى الأبد. لأشهر، بل لسنوات، قد تُطلق إيران بانتظام وابلاً صغيراً من الصواريخ على "إسرائيل"، وقد تُواصل "إسرائيل" شن غارات جوية عليها. ستبقى الولايات المتحدة بعيدة عن مثل هذا الصراع إلى حد كبير، باستثناء تقديم الدعم الدفاعي لـ "إسرائيل". لكن هذه الحرب ستكون مروعة للمدنيين العالقين في خضمها.
بالنسبة لقوة عظمى كالولايات المتحدة، ستكون التهديدات من إيران قابلة للإدارة، لكنها ستأتي بتكلفة حقيقية. ستتطلب هذه التهديدات الكثير من الوقت والاهتمام من كبار القادة الأميركيين، بالإضافة إلى موارد واستثمارات عسكرية في الشرق الأوسط، والتي لولا ذلك لكانت تُركز على مسارح أخرى. كما قد تحمل آثاراً ثانوية ملحوظة. في أعقاب حرب الخليج، أصبح الوجود العسكري الأميركي الكبير في الشرق الأوسط بمثابة صرخة حشد لتنظيم القاعدة، ولعب دوراً في الأحداث التي أدت في النهاية إلى هجمات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر.
أخيراً، إذا تصاعد الصراع ووجدت الولايات المتحدة نفسها متورطة أكثر في الحرب ومتورطة مرة أخرى في الشرق الأوسط، فقد تتغير العلاقة الأميركية مع "إسرائيل" بشكل كبير. في أعقاب الغزو الأميركي للعراق، كان إلقاء اللوم على "إسرائيل" لتشجيع التدخل الأميركي مجالاً لنظريات المؤامرة المتطرفة. ولكن إذا انجرت الولايات المتحدة إلى حرب لا يعتقد معظم الأميركيين أنّ البلاد يجب أن تدخلها، وسارت الأمور بشكل سيء، فسيكون من المبرر أن يلقي الجمهور الأميركي باللوم على "إسرائيل". بالفعل، على اليسار الأميركي، أدّى سلوك "إسرائيل" في غزة إلى انخفاض كبير في دعم التحالف الأميركي الإسرائيلي، ويدور الآن نقاش حاد على اليمين حول السياسة الخارجية الأميركية، ويتجلّى ذلك بشكل خاص في التبادل المثير للجدل بين المعلق السياسي تاكر كارلسون والسيناتور الأميركي تيد كروز حول دعم "إسرائيل" وقرار خوض الحرب في إيران.
الاحتمالات المكدسة
إنّ سجل التدخلات العسكرية الأميركية في الشرق الأوسط وطبيعة الحروب عبر التاريخ البشري يُظهران أن التدخل الأميركي ينطوي على مخاطر هائلة. كان الخيار الأفضل والأكثر ديمومة للولايات المتحدة منذ البداية هو السعي إلى اتفاق دبلوماسي يُقيّد البرنامج النووي الإيراني بشكل مؤكد. لكن للأسف، بعد أحداث اليوم، أصبح هذا الخيار أقل احتمالاً بكثير.
نقلته إلى العربية: بتول دياب.