"فايننشال تايمز": قطاع احتجاز المهاجرين يزدهر في أميركا.. ما القصّة؟
أطلق الرئيس دونالد ترامب أكبر عملية ترحيل محلي في تاريخ الولايات المتحدة، بهدف طرد مليون مهاجر في عام واحد.. لكن هناك مستفيدون.
-
"فايننشال تايمز": قطاع احتجاز المهاجرين يزدهر في أميركا.. ما القصّة؟
صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية تنشر تحقيقاً يتناول إطلاق إدارة الرئيس دونالد ترامب أكبر عمليّة ترحيل داخلي في تاريخ الولايات المتحدة، والتي تستهدف طرد نحو مليون مهاجر خلال عام واحد. ويركز التحقيق على دور الشركات الخاصة، التي تجني مليارات الدولارات من عقود مع إدارة الهجرة والجمارك.
أدناه نص التحقيق منقولاً إلى العربية:
أطلق الرئيس دونالد ترامب أكبر عملية ترحيل داخلية في تاريخ الولايات المتحدة والتي تهدف إلى طرد مليون مهاجر خلال عام واحد. وتعمل إدارته على مضاعفة القدرة الاستيعابية لمراكز احتجاز المهاجرين، وتوسيع أماكن الإقامة، وإنشاء المزيد من المرافق المماثلة في كاليفورنيا.
وارتفع عدد ساكني مركز "أديلانتو" التابع لإدارة الهجرة والجمارك، على بعد نحو 100 كيلومتر شرقي لوس أنجلوس، من 1 إلى 1200، ما أثار المخاوف بشأن ظروف المعتقلين. وتُدار غالبية هذه المرافق من قِبل شركات ربحية، وهي صناعة بمليارات الدولارات شهدت نمواً هائلاً على مدار 4 عقود. ويجري حالياً افتتاح 9 مراكز أخرى على الأقل.
ويبلغ عدد المعتقلين في سجون الولايات المتحدة حالياً 57800 محتجز، وهو رقم قياسي، وقد زاد بنسبة 46% منذ تولي ترامب السلطة، مع ورود تقارير عن الاكتظاظ وسوء التغذية ومشكلات في الوصول إلى الخدمات الطبية والقانونية. وكشف تحليل أجرته صحيفة "فايننشال تايمز" عن عدد من المرافق التي تؤوي أعداداً من المهاجرين تفوق قدرتها الاستيعابية. وقال محامون ومحتجزون للصحيفة إنّ المعتقلين ينامون على الأرض.
في المقابل، تقول سلطات الهجرة إنها تطبق القوانين الأميركية وتنفي وجود ظروف سيئة. أما الشركات التي تُدير مراكز الاحتجاز، فتؤكد أنها تقدم أفضل الخدمات وتلتزم بالمعايير وتعامل الناس باحترام. لكن فترات الاحتجاز قد تترك ندوباً دائمة. ويقول أحد الأشخاص: "يُصاب المرء بالغثيان عند التفكير في ما سيحدث". ويبدو أن آخرين لجأوا إلى تقييمات "غوغل" لمشاركة تجاربهم.
من داخل قطاع احتجاز المهاجرين المزدهر في الولايات المتحدة
إنّ برنامج الترحيل الضخم في الولايات المتحدة يثري الشركات في حين يتعرض المعتقلون لسوء المعاملة.
في نيسان/ أبريل، أطلع تود ليونز، القائم بأعمال مدير إدارة الهجرة والجمارك الأميركية، عدداً كبيراً من الشركات العسكرية والتكنولوجية كيف أرادت الحكومة الأميركية أن يبدو نظام الترحيل في الولايات المتحدة. وأعرب عن أمله في أن يتمكن الذكاء الاصطناعي قريباً من المساعدة في "ملء الطائرات" بالمُبعدين خلال معرض أمن الحدود 2025.
لم يُخفِ دونالد ترامب رغبته في تعزيز إنفاذ قوانين الهجرة. فقد عاد الرئيس الأميركي إلى منصبه ببرنامج قويّ مناهضٍ للهجرة، في وقتٍ زاد الاستياء الشعبي بسبب تزايد عمليات عبور الحدود غير الشرعية في عهد الرئيس جو بايدن. وحملته الموعودة ضد الهجرة جارية حالياً. ويُوفر مشروع قانونه الضخم لوزارة الأمن الداخلي تمويلاً إضافياً بقيمة 165 مليار دولار، وهي أكبر زيادة في تمويل إدارة الهجرة والجمارك في تاريخ الولايات المتحدة. ومن المقرر إنفاق نحو 45 مليار دولار من هذا المبلغ، المخصص حتى أيلول/ سبتمبر 2029، على مراكز احتجاز جديدة. وفي هذا السياق، قالت مساعدة وزير الأمن الداخلي تريشيا ماكلولين لصحيفة "فايننشال تايمز": "نحن نضع الشعب الأميركي في المقام الأول من خلال التخلّص من الأجانب غير الشرعيين الذين يشكلون تهديداً لمجتمعاتنا".
كانت الولايات المتحدة تمتلك أكبر جهاز لاحتجاز المهاجرين في العالم حتى قبل أن يُعلن الرئيس عن خططه لترحيلهم بشكل جماعي. وقد شهد هذا الجهاز نمواً مطرداً منذ الثمانينيات في عهد الجمهوريين والديمقراطيين على حد سواء، وكلّف الحكومة 3.4 مليار دولار في عام 2024. ويُدار هذا الجهاز بشكل أساسي من قِبل القطاع الخاص. ووفقاً لمركز تبادل الوصول إلى السجلات المعاملاتية (TRAC) التابع لجامعة "سيراكيوز"، وهو أرشيف للبيانات والتقارير الحكومية، فإنّ نحو 85% من الأشخاص المحتجزين في مراكز الهجرة محتجزون في أماكن تُدار بهدف تحقيق الأرباح.
لكن التصعيد الاستثنائي لسياسات ترامب المتعلقة بالهجرة أعاد تسليط الضوء على هذا القطاع مع توسعه استجابةً لذلك، ما أدى إلى ارتفاع إيراداته. وقد أدت السياسات الحالية إلى رفع أعداد المعتقلين إلى مستويات قياسية، 18 ألف شخص أكثر من العدد الذي تم اعتقاله عندما تولى ترامب السلطة.
ويعتبر منتقدو نظام الاحتجاز، الذي يحتجز الأشخاص أثناء ترحيلهم ويقوم بالإجراءات القانونية المرتبطة بهم، أنّ المتعاقدين من القطاع الخاص قد وضعوا رغبتهم في تحقيق الربح فوق المعايير الأخلاقية، بدعم ضمني من المشرعين من كلا الجانبين في الكونغرس. وقالت نانسي هيمسترا، الأستاذة المساعدة والمؤلفة المشاركة لكتاب عن هذا القطاع بعنوان "احتجاز المهاجرين": "لا يملك الجمهوريون وحدهم الحق في أخذ أموال الضغط من الشركات الخاصة لتوسعة السجون وتوسيع نطاق الاحتجاز"، مشيرة إلى أن الإدارات الديمقراطية كانت متورطة في ذلك أيضاً. "لكن مجموعات الضغط والشركات متحمسة أكثر بكثير لأشخاص أمثال ترامب والجمهوريين لأنهم أكثر عدوانية بشكل علني ومستعدون للإعلان عن هذه الأهداف".
وتقول الشركات المتعاقدة في مراكز الاحتجاز إنها تقدم خدمات فعالة من حيث التكلفة لدعم إنفاذ القانون في الولايات المتحدة وهي قادرة على الاستجابة بسهولة أكبر للطلب المتقلب على القدرة الاستيعابية. كما تُشير إلى أنها لا تُشرف على قوانين الهجرة، وليس لها رأي في ترحيل أي فرد أو إطلاق سراحه. إلا أن تزايد معدلات الاحتجاز يُؤدي إلى تدهور الأوضاع، وفقاً للممثلين القانونيين والمحتجزين.
لقد أمضى ماوريليو أمبروسيو، البالغ من العمر 42 عاماً، وهو أب لـ5 أطفال من دون أوراق ثبوتية، ليلة نائماً على الأرض في منشأة بفلوريدا بعد احتجازه لدى إدارة الهجرة والجمارك في نيسان/ أبريل. وقال أمبروسيو إن بعض زملائه المعتقلين قضوا أسابيع بلا سرير، وكان بعضهم ينام في الحمامات وفي أماكن مخصصة للمحامين وحتى في حافلة بسبب الاكتظاظ. وأضاف أمبروسيو، وهو غواتيمالي الأصل ويعيش في الولايات المتحدة منذ 20 عاماً: "إنهم يضعون ما يصل إلى 30 أو 40 أو 50 شخصاً في غرفة صغيرة تتسع لـ5 أشخاص. كل شيء فوضوي".
مزيد من المهاجرين، مزيد من الأرباح
خلال اجتماع الأرباح ربع سنوية في أيار/ مايو، أوضح دايمون هايننغر، الرئيس التنفيذي لشركة "كورسيفيك" (CoreCivic)، للمساهمين أنّ انتخاب ترامب يُبشر بـ"مرحلة فارقة" لشركته، إحدى أكبر شركتين مُتعاقدتين في مجال السجون في الولايات المتحدة. وقال: "لم يسبق في تاريخ شركتنا الممتد لـ42 عاماً أن شهدنا هذا القدر من النشاط والطلب على خدماتنا كما نشهده الآن".
وقد أدّت حملة الترحيل القياسية التي يقودها ترامب إلى ارتفاع القيمة السوقية لشركتين من أكبر شركات احتجاز المهاجرين، وهما شركة "كورسيفيك" ومقرها تينيسي، ومنافستها الرئيسة، شركة "جيو غروب" (Geo Group) ومقرها فلوريدا. وتعتمد الشركتان على إدارة الهجرة والجمارك للحصول على جزء كبير من دخلهما. فقد حصلت "جيو غروب" على نحو مليار دولار من عقود احتجاز المهاجرين في عام 2024 – 42% من إيراداتها وأكثر من ضعف ما كانت عليه في عام 2015، في حين تعتمد شركة "كورسيفيك" على إدارة الهجرة والجمارك لتحقيق ما يقرب من ثلث إيراداتها.
وبحسب هيمسترا، فإن البيئة في ظل حكم ترامب تعني أن هناك استعداداً لمناقشة رأس المال المالي والسياسي الذي يمكن الحصول عليه من إجراءات الهجرة الصارمة. وهي تعتقد بأن "هناك تحوّلاً حقيقياً اليوم نحو المزيد من الصناعات والمجتمعات والسياسيين، الذين يعترفون علناً بأن احتجاز المهاجرين ليس مجرد وسيلة لتحقيق مكاسب سياسية، بل هو وسيلة لجلب الإيرادات إلى شركاتنا ومجتمعاتنا".
وتشهد المرافق التي تديرها شركتا "جيو غروب" و" كورسيفيك"، إلى جانب شركات المقاولة الأصغر حجماً مثل "Management and Training Corp" و"LaSalle Corrections" و"Akima Global Services"، طلباً متزايداً على خدماتها. وتتسابق الشركات لإعادة فتح المرافق غير المستخدمة وزيادة سعة المرافق القائمة للوصول إلى هدف حكومي يبلغ نحو 100 ألف سرير في جميع أنحاء الولايات المتحدة. وقد عدّلت إدارة ترامب عشرات العقود الحالية، وأبرمت اتفاقيات من دون مناقصة لتسريع وتيرة هذه العملية.
في المجمل، تقوم الشركات بإعادة تشغيل مرافقها المغلقة أو افتتاح مرافق جديدة في 5 ولايات على الأقل. وبحسب إعلانات أخبار المستثمرين التي حللتها صحيفة "فايننشال تايمز"، فإنّ إضافة 9 مراكز جديدة، تضم نحو 16 ألف سرير، يعني تحقيق إيرادات سنوية إضافية بقيمة 500 مليون دولار على الأقل لشركتي "جيو غروب" و"كورسيفيك".
ونتيجةً لذلك، عززت شركة "جيو" إنفاقها. وفي نتائجها للربع الأول من عام 2025، توقعت الشركة ارتفاع نفقاتها الرأسمالية لهذا العام من 79 مليون دولار أميركي في عام 2024 إلى ما بين 120 مليون و135 مليون دولار أميركي من أجل زيادة القدرة الاستيعابية في مراكز الاحتجاز وتقديم خدمات أخرى خاصة بإدارة الهجرة والجمارك. وفي أيار/ مايو، رفعت شركة "كورسيفيك" توقعات أرباحها لعام 2025 بنسبة 50% على الأقل، إلى ما بين 91 مليون دولار و101 مليون دولار، بسبب ارتفاع معدلات الإشغال وإعادة تنشيط المرافق المعطلة سابقاً.
وقد أعلنت "جيو غروب" عن خطط لإنشاء أكبر منشأة تابعة لإدارة الهجرة والجمارك في البلاد في جنوب جورجيا من خلال الجمع بين مركز "Folkston ICE Processing Center" الذي يضم 1118 سريراً وسجن "D Ray James" المجاور السابق الذي يضم 1868 سريراً، وهي خطوة تقول الشركة إنها ستُضيف 66 مليون دولار إلى الإيرادات السنوية وحدها. كذلك تتعاقد الحكومة مع السجون المحلية وتستخدم ما يسمى بالمرافق ليّنة الجوانب، بما في ذلك المنشأة التي تديرها ولاية فلوريدا في مهبط للطائرات في إيفر غلاديس، والتي أطلق عليها حلفاء الإدارة اسم "تمساح ألكاتراز" بسبب وجود الحياة البرية الخطيرة المحيطة بها
بالإضافة إلى ذلك، يُحتجز عدد من الأشخاص في قاعدة خليج "غوانتانامو" البحرية، وهي منشأة عسكرية أُنشئت في الأصل لاحتجاز المشتبه بهم الذين يتم القبض عليهم في عمليات مكافحة الإرهاب، وتتولى إدارتها حالياً شركة "أكيما" (Akima) التي تتخذ من ولاية فرجينيا مقراً لها.
في المجمل، يُحتجز حالياً 57,800 شخص في ما لا يقل عن 200 مركز احتجاز، بعد أن كان عددها نحو 144 مركزاً في الأيام الأخيرة من إدارة بايدن، وفقاً لإحصاءات إدارة الهجرة والجمارك. ويرتفع العدد إلى 500 موقع عند أخذ جميع المواقع، مثل غرف الاحتجاز والوحدات الأصغر حجماً، في الاعتبار. وفي منشأة "أديلانتو "التابعة لشركة "جيو غروب" في كاليفورنيا، ارتفعت الأعداد بشكل كبير من 3 إلى أكثر من 1200. وقال المحتجزون للمشرعين الديمقراطيين إنهم ناموا على الأرض، ولم يتلقّ بعضهم ملابس بديلة منذ عشرة أيام.
ومنذ تولّي ترامب ولايته الثانية، ارتفعت أعداد المعتقلين في مركز احتجاز "ستيوارت" في جورجيا، الذي تديره شركة "كورسيفيك"، من نحو 1500 إلى أكثر من 2200 في مطلع حزيران/ يونيو، وهو عدد يفوق القدرة الاستيعابية للمنشأة. وقد أدّى الاكتظاظ في مركز "كروم نورث"، المصمم لاستيعاب 580 شخصاً، إلى قيام إدارة الهجرة والجمارك الأميركية بإنشاء مبانٍ مؤقتة في ساحاته. وقد أطلق المعتقلون نداء استغاثة في ساحة المنشأة الشهر الفائت.
ونفت تريشيا ماكلولين، من وزارة الأمن الداخلي، مزاعم الاكتظاظ وسوء الأوضاع في المراكز، واصفةً إياها بأنها "باطلة". وقالت: "لقد عملت إدارة الهجرة والجمارك بجدّ لتوفير مساحة احتجاز أكبر ضرورية مع تجنب الاكتظاظ"، مضيفةً أن المحتجزين يحصلون على وجبات طعام مناسبة، ورعاية طبية، ويُتاح لهم التواصل مع عائلاتهم ومحاميهم. كما نفت شركة "كورسيفيك" وجود مرافق ذات ظروف غير مناسبة، وأكدت أنّ لكل محتجز سريراً وأنّ الجميع يحصل على الملابس ولوازم النظافة والبطانيات، بالإضافة إلى 3 وجبات يومياً ورعاية طبية عالية الجودة. من جهتها، أوضحت شركة "جيو" أنّ منشآتها لديها حدود صارمة في ما يخص القدرة الاستيعابية، وأنها "لا تعاني من الاكتظاظ أبداً"، كما أنّ المحتجزين لديهم القدرة على الوصول إلى الرعاية الطبية "على مدار الساعة".
يدعو ترامب إلى المزيد من الاعتقالات، وهي خطوة قد تزيد الضغط على القدرة الاستيعابية للسجون. وقد حدّد البيت الأبيض لإدارة الهجرة والجمارك حصة جديدة في نهاية أيار/ مايو تبلغ 3000 عملية اعتقال يومياً، وهو رقم اقترح توم هومان، المسؤول عن حرس الحدود، رفعه لاحقاً إلى 7000.
وفي عام 2024، نفّذ ضباط إدارة الهجرة والجمارك ما معدله 300 عملية اعتقال يومياً في إطار إنفاذ قوانين الهجرة. ومنذ تنصيب ترامب، اعتقلت إدارة الهجرة والجمارك أكثر من ضعف هذا العدد. وفي الأيام العشرة الأولى من حزيران/ يونيو، وهي الفترة الأخيرة التي غطتها الإدارة، ارتفع معدل الاعتقالات إلى 1100. ولكن، حتى بعد هذه الزيادة الحادة، فإنّ هذه الأعداد الإجمالية تُشكل نحو ثلث هدف الإدارة، ومن المرجح أن يؤدي أي ارتفاع إضافي إلى زيادة الضغوط على القدرة الاستيعابية لمراكز الاحتجاز.
نموذج العمل
مع انخفاض معدلات الجريمة في الولايات المتحدة بشكل عام، لجأت شركات السجون الخاصة بشكل مطرد إلى مراكز احتجاز المهاجرين للحصول على دخل. وبدأ عدد المهاجرين المحتجزين في الارتفاع بشكل حاد في تسعينيات القرن الماضي، حيث وصل إلى مستويات تاريخية مرتفعة خلال جائحة "كوفيد-19"، وهو يسجل حالياً مستوى قياسياً غير مسبوق.
ويمتلك قطاع الاحتجاز الخاص تاريخاً طويلاً في السعي للتأثير على سياسة الهجرة الأميركية من خلال الضغط وتمويل الحملات الانتخابية. وقد ساهمت الشركات بملايين الدولارات في الحملات الانتخابية للكونغرس ولجان الحزب. ويمكن رؤية هذه العلاقة الوثيقة بين الشركات الخاصة والحكومة داخل مرافق الاحتجاز، حيث تعمل الهيئات الفيدرالية إلى جانب الشركات المتعاقدة.
ويُطلب من مراكز الاحتجاز التعاقدية التي تستخدمها وزارة الأمن الداخلي اتباع مجموعة من المعايير، بما في ذلك معايير تخطيطها. وتستخدم وثائق الوزارة منشأة تتسع لنحو 2000 سرير كمثال. ويتألف المركز من مبنيين رئيسيين محاطين بطريق دوريات، مع مساحة لمواقف سيارات الزوار والموظفين. وتتولى الشركة المقاولة إدارة مساكن منفصلة للرجال والنساء في منطقة آمنة، والإشراف على خدمات متنوعة مثل المطبخ، وغرفة الغسيل، والمكتبة، والصيانة. في المقابل، تتولى إدارة الهجرة والجمارك الإشراف على الإجراءات الخاصة بالمحتجزين وإدارة العقود، في حين تتولى هيئات حكومية أخرى إدارة المرافق القانونية والطبية.
وتقول شركة "جيو غروب" إنها تفخر بالدور الذي لعبته على مدار 40 عاماً في دعم السياسات الحكومية. إلا أن المنتقدين يقولون إنّ سيطرة القطاع الخاص تعني أن الربح له الأولوية على الرعاية. ولا تقتصر أرباح الشركات على المرافق فحسب. إذ تمتلك كلّ من "جيو غروب "وكورسيفيك" أقساماً للنقل. وقد تعاقدت إدارة الهجرة والجمارك مع شركة تابعة لـ"جيو غروب" لتتبع الأشخاص الذين لديهم قضايا هجرة مُعلقة رقمياً باستخدام أجهزة مراقبة الكاحل وتطبيق الهاتف الذكي.
لطالما كانت مراكز الاحتجاز محاطة بتقارير عن الإساءة والإهمال، بما في ذلك عدم توفير الطعام الكافي ومشكلات الصرف الصحي والمساعدة الطبية. والرقابة التي كانت قائمةً في السابق اختفت اليوم. فقد تم إغلاق هيئتين رقابيتين تابعتين لوزارة الأمن الداخلي تتوليان مسؤولية التحقيق في الشكاوى في عهد ترامب. من جهتها، تقول الشركات الخاصة إنها قادرة على بناء المرافق وتشغيلها بتكلفة أقل من الحكومة، والحفاظ على المعايير من خلال عمليات التفتيش المنتظمة. ويشير الساسة على جميع المستويات إلى أن مراكز الاحتجاز يمكن أن تُشكّل مصدراً للوظائف والاستثمار الاقتصادي في المجتمعات المحلية، حيث يعتمد عدد كبير من البلدات على الأموال والوظائف التي تُولّدها.
الخسائر البشرية
لم تكن أشلي أمبروسيو، البالغة من العمر 19 عاماً، تعلم إلى أين اقتيد والدها، ماوريليو، عندما أُلقي القبض عليه في إحدى نقاط تفتيش الهجرة الاعتيادية بعد عقدين من إقامته في الولايات المتحدة. وتقول: "كنتُ أفكر: هل سيُرحّلونه؟ ما هو مصيره؟".
خلال الأسابيع الـ10 التي قضاها في 3 مراكز احتجاز، 2 منها خاضع لإدارة خاصة، وصف أمبروسيو حالة الاكتظاظ ونقص الطعام التي تسيطر على المراكز، فضلاً عن سوء معاملة الموظفين، الذين وصف بعضهم المحتجزين بالخنازير. وقال: "جميع مراكز الاحتجاز تعاملنا كالحيوانات". وأضاف أن زملاءه المعتقلين كانوا يدخلون ويخرجون بانتظام، وغالباً ما كانوا يجهلون مدة بقائهم. و"لا أحد يعلم ما سيحدث له".
إن التحدي المتمثل في توفير أماكن للنوم فضلاً عن الأمور اللوجستية الخاصة برحلات الترحيل يعني أن عشرات الآلاف من المحتجزين يتم نقلهم بين المواقع الخاصة والعامة. ويُظهِر التحليل الذي أجرته صحيفة "فايننشال تايمز" أن نحو نصف الأشخاص الذين دخلوا النظام بعد تنصيب ترامب تم نقلهم مرتين على الأقل، في حين نُقل عدد أكبر من الأشخاص 5 مرات أو أكثر منذ 21 كانون الثاني/ يناير مقارنة بعام 2024 بأكمله.
وتشير هايدي ألتمان، نائبة رئيس السياسات في المركز الوطني لقانون الهجرة، إلى أن عمليات النقل تستخدمها إدارة الهجرة والجمارك كشكل من أشكال العقاب أو كوسيلة لوضع المعتقلين بعيداً عن التمثيل القانوني. في حين يقول المحامي المتخصص بشؤون الهجرة مارتي روزنبلوث، الذي يمثل المحتجزين منذ عام 2008، إنّ هذا الأمر قد يكون متعمداً. "إذ يُبقيهم مشوشين ويُصعّب على محاميهم التواصل معهم ولا تستطيع عائلاتهم تتبعهم".
في المقابل، وصفت ماكلولين التلميحات التي تشير إلى استخدام عمليات النقل بشكل استراتيجي بأنها "كاذبة بشكل قاطع"، مضيفة أنّ إدارة الهجرة والجمارك تتخذ قرارات الاحتجاز بناءً على المساحة المتاحة للنوم، أو موقع جلسات المحكمة، أو رحلات الترحيل التي تغادر الولايات المتحدة.
نقلته إلى العربية: زينب منعم.