"بوليتيكو": وعود "الناتو" الكاذبة تشجع الآمال الأوكرانية الخاطئة
لا شك أنه سيكون من الحماقة السماح لأوكرانيا الانضمام إلى حلف "الناتو" الآن أو في أي وقت آخر. وإن أي سيناريو محتمل لهذا الانضمام سوف يطرح معضلة غير قابلة للحل، فلا يمكن قبول أوكرانيا وهي في حالة حرب ضد روسيا.
تنشر مجلة "بوليتيكو" مقالاً للكاتبين كريستوفر ماكاليون وبنجامين فريدمان، يتناولان فيه موضوع الوعود التي لازالت دول حلف شمال الأطلسي، وعلى رأسها الولايات المتحدة، تقدمها لأوكرانيا بانضمامها إلى الحلف، ويعتبران أن الأجدى من هذه الوعود، التي ثبت أنها غير حقيقة ولا تؤدي إلا لمزيد من تسعير الحرب، هو الذهاب لمفاوضات سلام مع موسكو، أو اتفاق هدنة على أقل تقدير.
فيما يلي نص المقال منقولاً إلى العربية:
بعد الترويج الغامض لعضوية أوكرانيا في حلف "الناتو"، يستمر قادته بإطلاق الوعود والتأكيدات عن أن أوكرانيا تسير نحو الانضمام للحلف في "طريق لا رجعة فيه". وخلال قمتهم الأخيرة في واشنطن احتفالا بالذكرى الـ75 لتأسيس الحلف، أعلن عن جولة جديدة من الآمال الكاذبة لأوكرانيا في حربها ضد روسيا وهو أمر أسوأ من عدم فعل أي شيء.
وإن المزاعم بأن حلف شمال الأطلسي قادر حالياً على تحقيق النصر لأوكرانيا الآن أو في وقت لاحق، سواء من خلال الالتزام العسكري أو الدعم المكثف، يشجع كييف على تأجيل التعامل مع الظروف المروعة التي تعيشها البلاد، وتهدد بتعريض دول "الناتو" لمزيد من المخاطر دون الحصول على عائد أمني. وهذه المهزلة ليست جديدة، لكن الآن أسوأ الأوقات لتكرارها.
بعد فشل الهجوم المضاد الذي شنته أوكرانيا في العام الماضي، أدرك الجميع بأن جيش زيلينسكي لا يستطيع استعادة الأقاليم الناطقة باللغة الروسية. وعلى الرغم من تدفق المساعدات الغربية الضخمة، لم تستطع كييف ترجمتها على الجبهات، وهي الآن تكافح للاحتفاظ بما لديها ــ وهو ما سيفرض عليها أن تبدأ في استكشاف طريق المفاوضات مع موسكو لإنهاء الصراع أو حتى تجميده في اتفاق هدنة، قبل أن يتفاقم الوضع في ميادين المعارك وتتقلص مساحة المفاوضات.
للأسف وبدلاً من ذلك، تضاعف واشنطن والعواصم الأوروبية جهودها لتسعير الحرب بكل الوسائل، وتستمر في الادعاءات الخطابية بأن أوكرانيا سوف تنضم ذات يوم إلى حلف شمال الأطلسي.
وفي الأسابيع الأخيرة، وقعت الولايات المتحدة أيضاً اتفاقية أمنية مدتها 10 سنوات مع كييف، ووافقت على استخدام الأسلحة الأميركية من قبل القوات الأوكرانية ضد أهداف داخل الاتحاد الروسي. وفي الوقت نفسه، اقترح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بدعم من زعماء دول البلطيق إرسال قوات برية تابعة لحلف شمال الأطلسي إلى أوكرانيا، في حين أشار رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية إلى أن نشر مدربي الناتو في أوكرانيا أمر لا مفر منه.
لا شك أنه سيكون من الحماقة السماح لأوكرانيا الانضمام إلى حلف "الناتو" الآن أو في أي وقت آخر. وإن أي سيناريو محتمل لهذا الانضمام سوف يطرح معضلة غير قابلة للحل، فلا يمكن قبول أوكرانيا وهي في حالة حرب ضد روسيا. والأهم والأخطر من ذلك أن هذه الخطوة من شأنها أن تدفع الناتو وروسيا على الفور إلى مواجهة نووية. علاوة على ذلك، فإن أي التزام بالدفاع عن أوكرانيا في المستقبل لن يكون رادعاً موثوقاً به. لقد أظهرت الولايات المتحدة قائدة حلف "الناتو"، بوضوح أنها لن تقاتل وتخاطر بحرب نووية نيابة عن أوكرانيا، حتى عندما يكون بقاء الأخيرة على المحك، لأن واشنطن ليس لديها مصلحة حيوية في القيام بذلك، وهذا أمر أشار إليه بصراحة مطلقة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما في عام 2016.
ببساطة، وعود الغرب لأوكرانيا مجرد كلام فارغ، وعضويتها في حلف شمال الأطلسي أصبح خارج الحسبان في المدى المنظور. واقتراح ماكرون بإرسال جنود الحلف إلى أوكرانيا غير جاد إلى حد ما، والاتفاق العسكري والأمني بين كييف وواشنطن رمزي في الأساس، والوعود الكاذبة يمكن أن تجلب خطراً حقيقياً، وقد يظهر هذا الخطر في عدة أشكال.
أولها، أي احتمال لانضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي، مهما كان مشكوكاً فيه، يحافظ على أحد الأسباب الرئيسية لاستمرار الحرب، ويعطي روسيا الحافز لإطالة أمد الصراع من أجل منع انضمام أوكرانيا بإصرار، أوضحه الكرملين تماماً في "مفاوضات إسطنبول" مع أوكرانيا، وفي غيرها من المحطات في أن شرط تحقيق السلام في عدم انضمام أوكرانيا إلى "الناتو".
ثانيها، الوعود الواهية تشجع الآمال الكاذبة، وهذا لن يؤدي إلا إلى تحفيز أوكرانيا على مواصلة استراتيجيتها الفاشلة لاستعادة كل الأراضي التي فقدتها وتجنب المفاوضات مع موسكو. وفي الوقت الحالي، ربما يكون الخيار الأفضل لأوكرانيا هو التمسك باستراتيجية دفاعية، مع البدء في الوقت نفسه في محادثات السلام أو على الأقل لتحقيق هدنة.
قد تساعد المساعدات الغربية كييف في الحفاظ على خطوطها الأمامية ومضايقة الجيش الروسي بشكل محدود، لكنها لا يمكن أن تحل معضلة نقص القوى البشرية الأوكرانية في نهاية المطاف، في حين تتعرض القاعدة الصناعية الغربية لضغوط شديدة لتوفير القوة النارية الكافية لمضاهاة روسيا.
إن استمرار الحرب لا يعد إلا بمزيد من استنزاف القوات الأوكرانية واحتمال الانهيار في نهاية الأمر إما على خط المواجهة أو على المستوى السياسي. وبطبيعة الحال، قد ترفض روسيا قبول هدنة في الوضع الراهن، وقد تستغرق المحادثات الناجحة معها سنوات. ولكن خطاب حلف شمال الأطلسي أيضاً لا يساعد إلا في تأجيل السلام، ولا يخطو خطوة أولية نحوه.
وهذا يتطلب، على أقل تقدير، تحولاً سياسياً نحو القبول بأن الحرب لن تنتهي بالعدالة الكاملة لأوكرانيا وتسلم روسيا كل ما حصلت عليه. ولا شك أن عدداً متزايداً من الأوكرانيين يرغبون في تغيير المسار والتوقف عن إهدار الأرواح في سبيل تحقيق أهداف أصبحت بعيدة المنال على نحو متزايد. والواقع أن الوعود الغربية الزائفة، لتحقيق هذا الهدف المستحيل، يصطدم أقله بالأوكرانيين الذين ليسوا كتلة واحدة تدعم استعادة كل الأراضي بأي ثمن.
كذلك، رغم أن تكلفة الأمل الزائف تقع في الأغلب على عاتق أوكرانيا، فإنها تزيد أيضاً من المخاطر التي تهدد الأميركيين وأعضاء آخرين في حلف شمال الأطلسي. وكلما طال أمد الحرب، كلما تزايد خطر التصعيد. وهذا واضح بالفعل في نهج التدرج الذي تبنته الولايات المتحدة، بإرسال أسلحة بعيدة المدى على نحو متزايد إلى أوكرانيا والموافقة على استخدامها ضد أهداف داخل روسيا.
في الأسابيع الأخيرة، جهدت أوكرانيا لضرب محطات الرادار الروسية المصممة لتوفير الإنذار المبكر في حال وقوع هجوم نووي أميركي. وفي الشهر الماضي، سقطت ذخائر عنقودية من صاروخ أميركي أطلقته القوات الأوكرانية على مرتادي الشاطئ المدنيين في سيفاستوبول، عاصمة شبه جزيرة القرم، على الأرجح بعد اعتراضها من قبل الدفاع الجوي الروسي.
ولا ريب أن هذه الأحداث تثير مخاوف متعاظمة، لأن مهاجمة أنظمة الإنذار المبكر تؤدي إلى مخاوف روسية على قدراتها في الاستجابة على ضربة نووية أولى من جانب الولايات المتحدة، وبالتالي زيادة خطر استخدام موسكو للأسلحة النووية. والأكثر ترجيحاً في هكذا حالة أن تقوم روسيا بالرد على الهجمات على أراضيها التي تستخدم أسلحة تقدمها الولايات المتحدة من خلال إيجاد طرق لاستهداف الولايات المتحدة أو الأطراف المساعدة لها بشكل مباشر. إضافة إلى أن هذا السلوك يطرح تساؤلات حول ما إذا كانت الولايات المتحدة قادرة على منع كييف من جرها إلى صراع مباشر مع روسيا في ظل تفاقم الأوضاع.
يعتبر المحللون الذين يدعمون حرب أوكرانيا بعناد في كثير من الأحيان أن الغرب لا ينبغي له أن يستسلم "للابتزاز النووي" لأن التصعيد إلى حرب نووية غير مرجح. مع أن المصطلح الدقيق للابتزاز النووي هو "الردع النووي"، ولا يتطلب ضمان وقوع الكارثة، بل الخوف فقط من وقوعها. ويبدو أن هؤلاء يعتقدون أن قدرة الغرب على ردع روسيا تخفف عنهم عبء الردع الذي قد يفرضه عليهم الروس ــ مثل اللعب بالكرة من دون إدراك أن خطر الاصطدام متبادل للفريقين.
إن هذا المنطق مختل في كل الأحوال والظروف، وبشكل خاص في حالة أوكرانيا حيث يميل ميزان القوى بين الولايات المتحدة وروسيا بشكل ساحق لصالح الأخيرة. قد يكون خطر الحرب النووية منخفضا الآن، ولكن عواقب حدوثها المروعة تلزمنا بالعمل الجاد لكبحها عند هذا المستوى.
مع ذلك، يواصل حلف شمال الأطلسي سياساته غير المسؤولة تجاه أوكرانيا، في تقديم الأمل الكاذب مما يجعل السلام أقل احتمالاً والحرب أكثر خطورة. ولو عقدت قمة أخرى جديدة لحلف "الناتو" وتحلى بالحد الأدنى من الواقعية، لاعترفت بأن أوكرانيا لا تستطيع الفوز بالمعنى الكبير الذي حددته للنصر، وأن حلف شمال الأطلسي لن يدافع عنها.
ولكان من الأفضل بناء جسر لتسير أوكرانيا عليه نحو آفاق أفضل لتحقيق سلام معقول، لا الهرولة خلف سراب عضوية حلف شمال الأطلسي والآمال الزائفة.
نقله إلى العربية: حسين قطايا.