"واشنطن بوست": كيف أصبح بايدن متورطاً في الحرب على غزة دون نهاية في الأفق؟

يشرح تقرير الصحيفة الأميركية كيف وجد الرئيس الأميركي جو بايدن نفسه، بعد أكثر من 5 أشهر من الحرب على غزة، متورطاً بشدة في حربٍ لا يريدها، والتي تهدد بأن تصبح عنصراً محدداً في فترة ولايته.

  • الرئيس الأميركي جو بايدن (أرشيفية)

نشرت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية مقالاً لياسمين أبو طالب وجون هادسون، يستند إلى مقابلات مع 20 مسؤولاً في الإدارة الأميركية ومستشارين خارجيين، يشرح كيف وجد الرئيس الأميركي جو بايدن نفسه، بعد أكثر من خمسة أشهر من الحرب على غزة، متورطاً بشدة في حربٍ لا يريدها، والتي تهدد بأن تصبح عنصراً محدداً في فترة ولايته.

وفي ما يلي النص منقولاً إلى العربية:

في 27 تشرين الأول/ أكتوبر، أي بعد ثلاثة أسابيع من الحرب على غزة، أخبر كبار مسؤولي بايدن سراً مجموعة صغيرة متجمعة في البيت الأبيض بما لن يقولوه علناً: كانت "إسرائيل" تقصف المباني بانتظام دون معلومات استخباراتية قوية تفيد بأنها أهداف عسكرية مشروعة.

وناقشت المجموعة – كبار مسؤولي السياسة الخارجية من إدارة بايدن والإدارة السابقة – أيضاً الافتقار الواضح لخطة إسرائيلية لهزيمة حماس على الرغم من الحث الأميركي المتكرر، وفقاً لثلاثة أشخاص مطلعين على الاجتماع، تحدثوا بشرط عدم الكشف عن هويتهم للمناقشة.

وقال أحد المطلعين على الاجتماع: "لم يكن لدينا أبداً إحساس واضح بأن لدى الإسرائيليين هدفاً عسكرياً محدداً وقابلاً للتحقيق". "منذ البداية، كان هناك شعور بأننا لا نعرف كيف سيفعل الإسرائيليون ما قالوا إنهم سيفعلونه".

ومع ذلك، علناً، كانت إدارة بايدن تقدّم لـ"إسرائيل" دعماً غير مقيد... وفي نفس يوم الاجتماع الخاص، قال المتحدث باسم البيت الأبيض جون كيربي للصحافيين إنّ الولايات المتحدة لا تفرض أي "خطوط حمراء" على الحملة العسكرية الإسرائيلية.

يُظهر الاجتماع الذي لم يتم الإبلاغ عنه سابقاً أنّ التناقضات ظهرت في وقت أبكر بكثير مما هو معروف علناً بين الشكوك الداخلية لفريق بايدن حول سلوك "إسرائيل" والدعم الخارجي القوي لها.

ارتكزت استراتيجية بايدن منذ البداية على مقايضة مركزية: أنه إذا أظهر لـ"إسرائيل" دعماً لا لبس فيه في وقت مبكر، فيمكنه في النهاية التأثير على سلوكها في الحرب. ويعترف بعض مسؤولي الإدارة الآن بأن الاستراتيجية تتجه نحو الفشل، وفي محادثات خاصة، أعربوا عن إحباطهم الشديد وعدم اليقين بشأن الكيفية التي ستنتهي بها الحرب.

ويواجه بايدن، الذي انتقد "إسرائيل" بشكلٍ أكثر حدة في الأسابيع الأخيرة، الآن لحظة حاسمة محتملة. وأعلن نتنياهو نيته غزو مدينة رفح بجنوب قطاع غزة.

قال السيناتور كريس فان هولين (ديمقراطي من ولاية ماريلاند)، إنه يتفق مع قرار بايدن بالسفر إلى "إسرائيل" مباشرة بعد هجمات 7 أكتوبر لإظهار الدعم الأميركي، لكن قدرة نتنياهو في هذه المرحلة على صدّ الولايات المتحدة مع الإفلات من العقاب جعلت أميركا تبدو ضعيفة.

"لقد أيدت قرار الرئيس بالذهاب إلى إسرائيل، في تلك اللحظة المؤلمة، لكي يعلم الشعب الإسرائيلي أن الولايات المتحدة تقف إلى جانبهم. لكن الاستراتيجية وراء ذلك، والتي تمثلت في الضغط الشخصي المستمر على نتنياهو، لم تسفر عن سوى نتائج قليلة ذات معنى"، قال فان هولين في مقابلة.

وقال فان هولين إنه إذا تحرك نتنياهو نحو رفح دون عواقب، فإنّ الولايات المتحدة ستبدو "عاجزة". وأضاف: "من الجيد أن نرى تعليقات الرئيس الأكثر صرامة. لكن السؤال سيكون ما إذا كان الرئيس سيستخدم نفوذه للمطالبة بالمحاسبة وتنفيذ طلباته".

ويقول مسؤولون في البيت الأبيض إنهم كانوا يحثون "إسرائيل" مراراً وتكراراً سراً على كبح جماح هجومها. ولكن عندما لم تسفر تلك المحادثات عن نتائج تذكر، لم يقدم المسؤولون الأميركيون إلا القليل من التوبيخ العلني ولم يقدموا أي عواقب واضحة.

ومع مرور الأسابيع، بدا أنّ حسابات "إسرائيل" والولايات المتحدة تتباعد. وفي أوائل تشرين الثاني/نوفمبر، قصفت "إسرائيل" مخيم جباليا للاجئين المكتظ بالسكان عدة مرات.... وقال أحد حلفاء البيت الأبيض، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته لوصف المداولات الداخلية: "كانت هذه هي المرة الأولى التي يركز فيها الجميع على حجم القنابل التي تسقطها إسرائيل ومدى ضآلة اهتمامهم بها".

كانت تصرفات "إسرائيل" في حملتها العسكرية تثير الشكوك على نحوٍ متزايد في الولايات المتحدة. في أوائل تشرين الثاني/نوفمبر، بدأت "إسرائيل" تحذر من أن مستشفى الشفاء، وهو أكبر مستشفى في غزة، والذي يحتمي به آلاف المدنيين، يستخدم من قبل حماس كمركز قيادة رئيسي.

وأدى ذلك إلى نقاش حاد بين مسؤولي بايدن حول ما إذا كان ينبغي دعم ادعاء "إسرائيل" علناً، وفقًا لثلاثة مسؤولين كبار في الإدارة تحدثوا بشرط عدم الكشف عن هويتهم للكشف عن المناقشات الداخلية.

أعرب البعض عن قلقهم من أن ترى "إسرائيل" مثل هذا البيان بمثابة ضوء أخضر لمداهمة المستشفى، في حين أراد آخرون استخدام المعلومات ليظهروا للجمهور كيف زرعت حماس نفسها بين المدنيين للتأكيد على التعقيدات التي تواجهها "إسرائيل".

وفي 14 تشرين الثاني/نوفمبر، قرر البيت الأبيض دعم "إسرائيل" علناً في هذا الشأن... وبعد ساعات، بدأ "الجيش" الإسرائيلي غارته على الشفاء.

وقال فان هولين، الذي تلقى إحاطة سرية بشأن الشفاء، إن هناك "اختلافات مهمة ودقيقة" بين ما كان يقوله مسؤولو بايدن علناً وما أظهرته المخابرات بالفعل. وقال السيناتور: "لقد وجدت أن هناك بعض الانفصال بين البيانات العامة للإدارة والنتائج السرية".

وفي نهاية تشرين الثاني/نوفمبر، اعتقد مسؤولو البيت الأبيض أنهم رأوا فرصة لتغيير مسار الحرب بشكل كبير. وساعدت الولايات المتحدة في التوسط في وقف القتال بين "إسرائيل" وحماس لمدة أسبوع.

ولكن عندما انتهت الهدنة في الأول من كانون الأول/ديسمبر، بدأت "إسرائيل" في مهاجمة مدينة خان يونس بجنوب غزة، مع عدم وجود أدلة تذكر على اتباع نهج أكثر استهدافاً.

ومع بداية العام الجديد، بدأ صبر الإدارة الأميركية تجاه نتنياهو ينفد، حيث خلص المسؤولون بشكلٍ متزايد إلى أنه يعطي الأولوية لبقائه السياسي. ويعتقدون أن ذلك يشمل الوقوف بصوت عالٍ في وجه بايدن لاسترضاء أعضاء اليمين المتطرف في حكومته.

وبحلول أوائل شهر شباط/فبراير، كان من الواضح أن دعم بايدن للهجوم الإسرائيلي كان له عواقب سياسية. وقد رفضت مجموعة من المسؤولين العرب الأميركيين المنتخبين في ميشيغان الاجتماع مع مدير حملة الرئيس، وكانت هناك جهود ناشئة جارية لتنظيم احتجاج خلال الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي في ميشيغان.

أرسل بايدن مجموعة من المساعدين للقاء القادة العرب الأميركيين والمسلمين في ميشيغان. كانت الاجتماعات في ديربورن، التي تسكنها أغلبية عربية أميركية، حيث أخبر قادة المجتمع المساعدين أنهم شعروا بالخيانة والتجريد من إنسانيتهم بسبب رد الرئيس، وفقاً لشخصين مطلعين على الاجتماعات.

وقال مسؤولان كبيران في البيت الأبيض إنهم أدركوا بعد الاجتماعات أنهم بحاجة إلى التحدث بقوة أكبر عن معاناة الفلسطينيين. وسرعان ما بدأ بايدن في استخدام أرقام الضحايا من وزارة الصحة في غزة، والتي كان قد رفضها في وقتٍ سابق باعتبارها غير جديرة بالثقة، وتحدث عن المجاعة والوفيات بين المدنيين في القطاع.

وقال مارتن إنديك، الذي مثّل الولايات المتحدة في محادثات "السلام الإسرائيلية - الفلسطينية" في عهد الرئيس باراك أوباما: "يبدو أنهم حسبوا أن الحرب ستنتهي بسرعة وأن أي معارضة من التقدميين والشباب والأميركيين العرب سوف تنفجر دون أي تأثير دائم".

ولكن مع اقتراب الانتخابات التمهيدية في ميشيغان، كما قال، "أدركوا أنّ لديهم مشكلة في ميشيغان، وإذا لم يتعاملوا معها، فقد يخسرون الولاية وبالتالي الانتخابات الرئاسية". 

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.