من أعلى جبل في أوروبا: تحية للجنوب اللبناني الصامد

"كلما بلغنا قمّة تراءت لنا قمم أخرى"، مقولة عظيمة.. ربما تنطبق هنا بالمعني الملموس بعيداً عن المجازية على متسلّقي الجبال من المغامرين الذين لا يعرفون الكلل في السعي الشاق لبلوغ قمّة تلو قمّة! فكيف إذا كان الفريق لبنانياً قال من أعلى جبل أوروبي: "يا جنوب"!

0:00
  • من أعلى جبل في أوروبا: تحية للجنوب اللبناني
    وجّه الفريق اللبناني تحية من أعلى قمة جبل ألبروس (غرافيك: ندين بدر الدين)

بلغ المتسلّق اللبناني حمادة ملاعب قمة جبل "ألبروس" في روسيا وهي القمة الأعلى في أوروبا، ويبلغ ارتفاعها 5642 متراً عن سطح البحر، وهي إحدى قمم سلسلة جبال القوقاز، وتتميّز بمسارها الصعب والوعر.

وكان ملاعب وهو من بلدة بيصور اللبنانية في جبل لبنان قد تمكّن سابقاً من تسلّق قمة جبل كليمنجارو أعلى جبل في قارة أفريقيا ويبلغ ارتفاع قمته 5895 متراً فوق سطح البحر، ونشر الميادين نت تقريراً حوله في حينه.

وفي خطوة وطنية تضامنية مع صمود أهل الجنوب في وجه الاعتداءات الإسرائيلية، وجّه الفريق اللبناني لهم تحية من أعلى قمة جبل ألبروس إلى جانب رفعهم للعلم اللبناني.

جبل ألبروس.. بركان خامد

وجبل ألبروس هو بركان خامد يقع في سلسلة جبال القوقاز الغربية، في قبردينو- بلغاريا - روسيا، بالقرب من الحدود مع جورجيا. وهو أعلى جبل في القوقاز، في روسيا وعموم أوروبا.

تصل درجة الحرارة فيه خلال فصل الصيف إلى 20 تحت الصفر، وفي فصل الشتاء الى ما دون 40 تحت الصفر مع انخفاض في كمية الأوكسجين ووعورة التضاريس، ما يشكّل عائقاً يزيد من الصعوبات أمام المتسلّقين.

يقول ملاعب لـ الميادين نت "كانت رحلتنا إلى قمة جبل إلبروس على ارتفاع 5642 متراً، موجّهة بخبرة من شركة Summit Souls، وهي شركة لبنانية لرحلات المغامرات أسسها ويقودها متسلّق الجبال ذو الخبرة أفيديس قالباقلبان. 
وهو  ليس غريباً على تحديات الارتفاعات العالية، حيث يضمّ حزامه أكثر من 80 قمة يزيد ارتفاعها عن 4000 متر، بما في ذلك جبل "إيفرست" الهائل وجبل "ماناسلو".

انطلقت مجموعتنا المكوّنة من 8  أشخاص: أفيديس كالبكيان، حمادة ملاعب، حسن مراد، كريستينا مهدي، جورج خوري، جورج شامي، ديانا شاكرزيانوفا، لورين بن. 

الاستعداد المرهق للمغامرة

وفي سرد لتفاصيل المغامرة  يسهب شارحاً:  "بدأنا الرحلة التي تستغرق 3 ساعات إلى مدينة "تيرسكول"، ومع بزوغ الفجر،  شهد اليوم التالي بداية رحلة التأقلم لدينا. صعدنا إلى جبل "تشيجيت"، الذي يصل ارتفاعه إلى 3600 متر، واستمتعنا بالمناظر الواسعة التي تشير إلى التحديات المقبلة.

أخذنا يوم التأقلم الثاني في رحلة طولها 20 كيلومتراً إلى مرصد تيرسكول، مروراً بشلال ديفيتشي كوسي المذهل - وهو مشهد تركنا في رهبة من جمال الطبيعة".

وفي اليوم الرابع، صعدنا بالتلفريك إلى منطقة جبل كروغوزور وتجاوزنا محطة مير على ارتفاع 3500 متر. في تلك الليلة، في كوخ جبلي مريح، تبادلنا القصص والضحك، رغم الهواء البارد في الخارج".

السفر عبر الأنهار الجليدية!

وأضاف "في اليوم نفسه، اندفعنا نحو الجبل، ووصلنا إلى ارتفاع 4800 متر كجزء من عملية التأقلم الرئيسية لدينا.
في اليوم التالي في Leaprus، انخرطنا في تدريب حاسم على السفر عبر الأنهار الجليدية وتقنيات السلامة المختلفة، وإتقان استخدام فأس الجليد للتوازن الذاتي وأيضاً حبل الرجل". 

 اقرأ أيضاً: رغم ما يتعرّض له بلده: لبناني على قمة جبل كليمنجارو الشاهق

أنهينا تدريبنا في منتصف النهار تقريباً واستمتعنا بوجبة غداء دسمة، مدركين أنه لا تفصلنا سوى ساعات قليلة عن بداية محاولتنا للقمة، المقرّر أن تبدأ في الساعة الثانية فجراً.

كانت الإثارة عالية، ولم نتمكّن من النوم إلا بصعوبة، واستيقظنا  للتحقّق مرة أخرى من معداتنا والاستعداد ذهنياً للتسلّق للأمام.

انخفاض الرؤية إلى ما يقرب الصفر!

وشرح ملاعب مصاعب الرحلة "بدأت الرحلة بسلاسة، ولكن مع ارتفاعنا، واجهنا ظروفاً صعبة بشكل متزايد - رياحاً قوية وعواصف ثلجية وثلوجاً وضباباً كثيفاً وانخفاضاً في درجات الحرارة إلى -18 درجة مئوية، حيث انخفضت الرؤية إلى ما يقرب من الصفر في بعض أجزاء المسار . وأصبحت الحبال الثابتة بمثابة شريان الحياة بالنسبة لنا أثناء عبورنا المنحدرات المكشوفة، حيث كانت كل خطوة تقرّبنا من القمة في ظل أصعب الظروف.

قرابة الساعة الرابعة صباحاً، بدأ ضوء الصباح الأول في الظهور، ما سمح لنا بإطفاء المصابيح الأمامية مع انقشاع الضباب تدريجياً. لقد تمكّنا أخيراً من رؤية السحب الموجودة أسفلنا، وهو مشهد يحبس الأنفاس كان بمثابة أول استراحة حقيقية لنا.

مزيج من المشاعر!

وهنا، قمنا بإعادة تجميع صفوفنا، وهي فترة توقّف أساسية لجمع القوة اللازمة للدفعة النهائية للقمة. أصبح الهواء أقل كثافة مع كل خطوة، ما يجعل كل نفس أكثر صعوبة، لكننا واصلنا المضي قدماً بقلوب يحدوها الأمل والشغف.

وبحلول الساعة 6:30 صباحاً، ظهرت قمة جبل إلبروس. كان الشعور لا يوصف، لقد كنا على وشك الوصول! مع بضع خطوات أخرى، وقفنا على قمة قمة أوروبا في تمام الساعة 7:07. لقد فعلنا ذلك، عندما وقفنا على القمة، كان كل واحد منا غارقاً في مزيج من المشاعر"!

 كالباكليان: الصعود رقم 4 لي

وعبّر أعضاء من الفريق عن انطباعاتهم:

-أفيديس كالباكلبان: بالنسبة لي كان الصعود رقم 4 وربما لا ينبغي لنا أن نذكر الأرقام على الرغم من أنه من الضروري الحصول عليها كقائمة تسجيلات.

لذلك، وكما أقول دائماً، لا يهم عدد المرات التي أعود فيها إلى الجبل نفسه لأنه مع كل تسلّق هناك العائلة التي تخرج من الفريق وهذا ما يجعلني سعيداً.

  • كالبكيان
    كالبكيان: مع كل تسلّق هناك عائلة تخرج من الفريق

في هذا التسلّق على وجه الخصوص على الرغم من أن الظروف كانت جيدة. كان الأمر صعباً كما هو الحال دائماً في "البروس"، كل شيء سار بسلاسة حيث كان الفريق مجهّزاً جيداً ومعظهم يتمتعون بالخبرة فهم تسلّقوا (جبال) "أرارات" و"كليمنجارو" سابقاً". 

-كريستينا مهدي: هذه كانت تجربة رائعة للغاية! لم أكن أصدق أبداً كم ستكون رحلتنا سهلة وممتعة ومريحة! لقد حرص مرشدونا على ضمان أن نصل القمة بسلاسة وسعادة قدر الإمكان، وأنا  أقول إن هذه القمة هي الأفضل والأكثر كفاءة حتى الآن - على الرغم من أنها كانت الأكثر تحدياً من الناحية الفنية! 

ويختم حمادة ملاعب بقوله: "هي واحدة من أكثر التجارب تحدياً في حياتي، لكنها أيضاً الأكثر روعة. لقد اختبر هذا الجبل حدودي ولكنه أيضاً عمّق عزيمتي. ومع كل خطوة، شعرت بأنني أكثر ارتباطاً بالعالم، ومن هنا فأنا أجد الشجاعة لقهر القمم التالية"!

وفي وقت لاحق، نظّمت جمعية حماية الطبيعة في لبنان SPNL حفل استقبال لعضو الجمعية حمادة ملاعب في مقرها في بلدة كيفون (جبل لبنان) بحضور رئيس الاتحاد اللبناني لرياضات التسلّق والجبال خضر الغضبان، رئيس الجمعية أسعد سرحال، وعدد من رؤساء بلديات منطقة غرب عاليه ومخاتيرها، إلى حشد من الفعّاليات والمهتمين.