معركة "ثأر الأحرار".. قراءة متأنية (1)

بدأت المقاومة العسكرية تعزز قدراتها منذ معركة "سيف القدس" والجولات المتتالية، وهي تتمتع بالإنجاز العسكري في قدرتها على التصنيع والتطور العسكري وصلابة المقاتل الفلسطيني.

  • معركة
     معركة "ثأر الأحرار".. قراءة متأنية (1)

في الثاني من أيار/مايو الماضي، ارتكب السجان عملية اغتيال مع سبق الإصرار والترصد بحق الأسير القيادي خضر عدنان، مفجر معركة الأمعاء الخاوية النخبوية، بعد إضراب مفتوح وصف بالحديدي رفضاً لاعتقاله التعسفي.

ظل الأسير 86 يوماً في زنزانته حتى انتصار روحه، ما استدعى رداً بادرت به سرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، مستهدفة مستوطنات الجنوب الفلسطيني بعشرات الصواريخ.

جاء هذا الرد ضمن قاعدة الاشتباك الجديدة المتمثلة بوحدة الساحات، التي فرضتها الجهاد الإسلامي منذ عمليات البهاء في التاسعة مساء قبل 6 سنوات. انتقدت "إسرائيل" هذا الرد، وخصوصاً في ظل وجود اتصالات تقودها مصر لضبط التهدئة. وبعد مرور عدة أيام، عقب تمرير ضمانات كطعم للجهاد، نفذت غدرها المسموم، مستهدفة عدداً من الشقق السكنية، مرتكبة جريمة اغتيال 3 قيادات من المجلس العسكري للسرايا هم: جهاد غانم، خليل البهتيني، وطارق عز الدين، الذي كان يتولى ملف دعم الضفة.

هذا العدوان الذي أعلنته "إسرائيل" باسم "السهم الواقي"، أشارت إلى أن التحضيرات له بدأت منذ منتصف شهر رمضان الماضي، أي أن "إسرائيل" كانت مدركة أن قتلها البطيء لعدنان يستدعي رداً من الجهاد، فاتخذت ذلك ذريعة لهذا العدوان، غير أن متابعة المستوى السياسي والأمني في "إسرائيل" عبر شاشات غرفة العمليات في "الكرياه" تريد أن تضفي عليها حالة الأسرى، وأن مسؤوليها لم يناموا قبل ردع الجهاد الإسلامي وقتل القادة المسؤولين عن إطلاق الصواريخ، إضافة إلى قطع الخطوط العسكرية التي كان يقف خلفها طارق عز الدين.

هذا الاغتيال كان الشرارة لعملية "ثأر الأحرار" التي أعلنتها الجهاد، واستمرت 5 أيام، وأسفرت عن ارتقاء 33 شهيداً، غالبيتهم من النساء والأطفال.

البيئة الاستراتيجية للمعركة

جاء هذا العدوان على قطاع غزة في سياق الحملة الأمنية والعسكرية المكثفة ضد المقاومة في الضفة الغربية، وخصوصاً طولكرم وجنين ونابلس ومخيم عقبة جبر في أريحا، وفي سياق الاستراتيجية الإسرائيلية الشاملة ضد القطاع، وقمع البنية التحتية للجهاد الإسلامي التي تصدرت مؤخراً جبهة المقاومة في كلّ الساحات.

حددت "إسرائيل" عدداً من الأهداف في هذه الحملة:

1- إحباط قوة الجهاد الإسلامي قبل ترميمها بعد معركة "وحدة الساحات" قبل 10 أشهر.

2- فصل ما جسّدته الجهاد في "وحدة الساحات"، وفصل الحملات الأمنية في الضفة والقدس عن القطاع.

3 - إخراج حماس من أي مواجهة مع حركة الجهاد الإسلامي لتعزيز فصل قطاع غزة السياسية من خلال تعزيز الحكم القائم فيها، عبر التسهيلات الاقتصادية الممهدة لهدنة طويلة الأمد تجبر الجهاد على الموافقة عليها، إضافةً إلى اعتبار هذه العدوان رسالة إلى جهات إقليمية قد يراودها مواجهة "إسرائيل"، كحزب الله، واستهداف المقاومة من أجل تأكل حاضنتها الشعبية، وصولاً إلى استهداف السلاح.

 إسرائيلياً، تأتي هذه الحملة في خضم تظاهرات تنفذها المعارضة الإسرائيلية بقيادة لبيد - غانتس في مواجهة التعديلات القضائية، فقد حاول نتنياهو من خلال هذا العدوان إسكات المعارضة تحت قيادة إيليت شاكيد؛ فما دام هناك خطر على أمن "إسرائيل"، على الجميع أن يسكت، إضافة إلى استرضاء الصهيونية الدينية بن غفير – سموريتش، كي لا ينسحبوا من الحكومة بعد تهديد بن غفير بذلك.

بالنّسبة إلى البيئة الاستراتيجية للمقاومة ومحورها، فقد بدأت المقاومة العسكرية تعزز قدراتها منذ معركة "سيف القدس" والجولات المتتالية، وهي تتمتع بالإنجاز العسكري في قدرتها على التصنيع والتطور العسكري وصلابة المقاتل الفلسطيني.

أما الإنجاز السياسي، فتجسد في وحدة الساحات والجماعات، ولكن الثمرة السياسية الحقيقية لم تقطفها حتى الآن؛ هذه الثمرة التي كانت من حق الحاضنة الشعبية للمقاومة، فجاءت معركة "ثأر الأحرار" في ظل هذه البيئة. وقد حاولت الجهاد تحطيم قواعد الاشتباك المفروضة، ومنع تغول الاحتلال في أي ساحة كانت، وأعلنت أنها لن تسمح باستنزاف الضفة وكيّ وعي سكانها التي يسعى الاحتلال لها.

حقَّقت الجهاد في معركة "ثأر الأحرار" هدنة كشف عنها أمينها العام زياد نخالة في كلمته في مهرجان تأبين الشهداء عقب المعركة، بأن الاحتلال اعترف فيها نداً مفاوضاً على وقف إطلاق النار، وقال إن الطرف الذي وقع على وقف إطلاق النار بعد استجداء "إسرائيل" لذلك في مصر والجهاد.

وبهذا التصريح، يقول النخالة إن وقف إطلاق النار في المعارك والجولات الماضية كان يتم عبر مصر وحماس بعد التوافق. أما في هذه المعركة، فقد كان التفاوض عبر مصر مع الجهاد مباشرة، وهذا اعتراف من "إسرائيل" بندّية الحركة.

ولعبت "إسرائيل" منذ اللحظة الأولى على وتر تحييد حماس، واستمرت في ذلك سياسياً، وهذا وجه آخر للحرب ضد المقاومة عبر تقسيمها مكانياً وزمانياً، إلا أن الجهاد لم تدخل في هذه اللعبة، فأعلنت أنّها على تنسيق دائم في غرفة العمليات المشتركة.