مستوطنات قاضمة للأرض طاردة للمستوطنين

تثبت الإحصائيات فشل تحقيق التوازن الديموغرافي مع الفلسطينيين في القدس والضفة، الذي سعت لتحقيقه مختلف الحكومات الصهيونية، وصرفت عليه مبالغ هائلة.

  • مستوطنات قاضمة للأرض طاردة للمستوطنين
    مستوطنات قاضمة للأرض طاردة للمستوطنين

تشهد الضفة الغربية تصاعداً غير مسبوق في الاستيطان، إذ أشارت هيئة مقاومة الجدار والاستيطان في إحصائية صدرت عام 2022 إلى أن عدد المستوطنات بلغ 176 مستوطنة، إضافة إلى 186 بؤرة استيطانية غير مرخصة، ناهيك بمواقع تستخدم مناطق عسكرية، وأكثر من 60 بؤرة استيطانية سيتم بناؤها بموجب اتفاق بين حزبي الليكود والقوة اليهودية، و2883 وحدة سيتم بناؤها داخل المستوطنات.

تسيطر هذه التجمعات الاستيطانية على مساحة 18% من مجمل الضفة الغربية. ورغم ما تقضمه من مساحات وأراضٍ ضمن مخططات الضم والتوسع، فإنَّها لم تنجح في تحقيق التوازن الديموغرافي في القدس والضفة؛ ففي السنوات الثلاث الأخيرة، أخذ معدل الزيادة السكانية يتناقص عاماً بعد عام، فقد بلغ عام 2020 ما يزيد على 5%. وفي نهاية العام 2021، بلغ 3.3%. وفي إحصائية 2022، بلغ 2.2%.

في الضفة، بلغ عدد المستوطنين عام 2021 نحو 719452، وازداد العدد إلى 726427 في نهاية العام 2022. نتحدث هنا عن زيادة تتجاوز 7 آلاف مستوطن بقليل. هذه الزيادة لم تكن بفعل القادمين للعيش في المستوطنات؛ فقد أثبتت الإحصائيات الصهيونية أن عدد المهاجرين من المستوطنات أكثر من عدد الداخلين إليها، وأنَّ الزيادة في عدد المستوطنين داخل المستوطنات كانت في نسبة المواليد العالية في مستوطنتي "موديعين" و"بيتار عيليت"، اللتين يسكنهما الحريديون والهاربون من الحرب الروسية الأكرانية الذين تم إسكان معظمهم في المستوطنات. ومن مدينة القدس، غادر عام 2022 أكثر من 28 ألف مستوطن، وبقي 12200 مستوطن فقط.

تثبت هذه الإحصائيات فشل تحقيق التوازن الديموغرافي مع الفلسطينيين في القدس والضفة، الذي سعت لتحقيقه مختلف الحكومات الصهيونية وصرفت عليه مبالغ هائلة. وقد انصرف الكتّاب الصهاينة، على مختلف انتماءاتهم السياسية والفكرية، لتحليل أسباب هذه الهجرة من القدس ومستوطنات الضفة إلى مناطق "المركز" أو داخل فلسطين المحتلة عام 1948، فتمحورت الأسباب لدى معظمهم عند النقاط التالية:

- السكن في المستوطنات ليس جذاباً، وهو بعيد من الخدمات.

- عدم توفر فرص العمل.

- الحريديون يريدون فرض أنماط دينية على الحياة في المستوطنات.

- السكن في المستوطنات مخالف لقرار مجلس الأمن رقم 2334، الذي ينص على مطالبة "إسرائيل" بوقف الاستيطان في الضفة الغربية، بما فيها شرق القدس، وعدم شرعية إنشائها المستوطنات في الأرض المحتلة منذ عام 1967.

لكن الحقيقة الطاردة للمستوطن، والتي تغاضى عنها الكتّاب الصهاينة، هي المقاومة وحالة الاشتباك المتصاعدة يوماً بعد يوم. تثير هذه الحالة مسألة مهمة لدى مجتمع العدو، وهي حساسيته للخسائر البشرية. تبين ذلك في العلاقة الطردية بين العمل المقاوم في القدس والضفة والهجرة العكسية، فكلما يزيد العمل المقاوم تزداد الهجرة العكسية.

وقد بينت تقارير "جيش" العدو أن عام 2020 شهد تزايداً في عدد العمليات عن العام الذي سبقه بنسبة 60%، وأن العمل المقاوم ازداد عام 2021 إلى أكثر من 50% عن العام 2020، وبلغت حصيلة أعمال المقاومة أكثر من 6 آلاف عمل. وقد قسمت على النحو التالي: 1022 إلقاء زجاجات حارقة، و61 عملية إطلاق نار، و18 عملية طعن، والباقي إلقاء حجارة.

وقد حافظ العمل المقاوم على وتيرته أقل قليلاً أو أكثر قليلاً في 2022 و2023. هذا هو السبب الرئيس الذي حوّل الحياة في المستوطنات إلى حياة مليئة بالأخطار، فلا يعرف المستوطن السكينة، ويتوقع أن يكون التالي الذي يُقتل برصاصة أو يحترق بزجاجة مولوتوف أو يموت طعناً أو يصيبه حجر.

وقد وصف مستوطن الحياة في المستوطنات على قناة "كان" الإسرائيلية بعد عملية "حومش" التي قتل فيها مستوطن قبل نحو أسبوعين، قائلاً: "الخروج من المنزل يشبه لعبة الروليت الروسية؛ إما أن تُقتل، وإما أن تعود إلى المنزل وتتكرر اللعبة".

وتعدّ الظروف الذاتية لدى العدو داخل المستوطنات فرصةً ينبغي لفصائل المقاومة اقتناصها لتصعيد المقاومة وتحويل المستوطنات إلى سجون تشكل عبئاً أمنياً واقتصادياً على "دولة" العدو، وخصوصاً أن الأحزاب العلمانية تتحدث عن العبء الاقتصادي الذي تشكله المستوطنات على "الدولة". وقد حققت المقاومة بمختلف أشكالها خلال 3 سنوات ما لم تحققه مفاوضات السلطة وتنسيقها الأمني خلال ما يقارب 30 عاماً.