الحرية يصنعها نفق
صنع الأسرى الفلسطينيون حريتهم بعرق جبينهم، تسلّحوا بالإيمان والقضية عندما حفروا في سجن جلبوع، فكانت الحرية.
حياة الأسرى الفلسطينيين صعبة، ومعقّدة، سيما مع عدو لا يعرف الرحمة ولا حتى اتباع القوانين مع الأسير.
عندما تسعى البشرية إلى حريتها تنظر إلى السماء، ولا يمكن لها أن تنظر تحت أقدامها كي تبحث عن منقذ أو مخرج، بل يجب عليها أن تمد يدها إلى أي حبل ممدود من الأعلى، كي ينقذها ويعيد إليها رونقها ويمدها بأسباب النجاة.
أما الأسير الفلسطيني فمصيره مربوط تحت الأرض في المكان الذي تدفن فيه الجثامين وتنتهي معه الحياة، من هناك تحديداً يشعّ نور الحياة والحرية والأمل بانتهاء الألم، من هناك كان النفق الذي سار به المجاهدون لأسر الجندي جلعاد شاليط. فقد خرج المجاهدون من تحت الأرض ليأسروا الجندي ويصدروا شهادات ميلاد لمئات الأسرى طُبعت في نفق تحت الأرض، لتُعلّق المقاومة أفراح الانتصار بعد خمس سنوات.
لكن الهمّ الكبير لم ينتهِ وبقي الأسرى داخل السجون يبحثون عن حريتهم، حتى كان السادس من أيلول/سبتمبر لينطلق نور من تحت الأرض في سجن جلبوع بعد أن ضرب الأسرى منظومة العدد الأمنية، وفتحوا خزينة بمعلقة صغيرة وهِمّة كبيرة.
وأيضاً بنفق من تحت الأرض، وكأن قدر الأبطال في فلسطين أن يقدّموا أرواحهم شهداء من أجل تراب فلسطين، ويقضي الأسرى أعمارهم داخل السجن فداء من أجل أرضهم الطيبة التي لا تنساهم، فتردّ لهم الجميل وتبعث فيهم الحياة من جديد.
يومها كانوا ستة أقمار من أبناء فلسطين تنسّموا عبير الحرية، وذاقوا طعم الصبر اللذيذ، وشربوا ماء لا تعكّره صورة سجّان بغيض.
احتضنهم تراب فلسطين، خبّأتهم الأرض بين أشجارها، فأنبتت عليهم شجرة من يقطين، إلى أن نال العدو منهم مرة أخرى، ولا يزالون ومعهم آلاف الأسرى يحلمون بنفق تحت الأرض ينير لهم أرواحهم، ويفتح لهم طريق حريتهم على يد أبطال فلسطين، وهبوا أرواحهم فداء لأرواح الأسرى الأبطال كي لا يبقى محمود ومحمد ويعقوب ومناضل وأيهم وزكريا وآلاف الأسرى رهائن سجّان لئيم.