شباب يرون القتل مجدداً
من الطبيعي جداً أن يقاوم الشعب الرازح تحت الاحتلال لنيل حريته، ومن الواجب أن يقاوم الشعب المحتل. هذا حق مقدسي محفوظ في مختلف الأعراف والمواثيق الدولية.
ميلاد جديد يتشكل للحركة الوطنية الفلسطينية في الذكرى الـ36 للانطلاقة الجهادية لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين؛ ميلاد يعيد توجيه البوصلة إلى اتجاهها الصحيح الذي قامت عليه بالأساس الحركة الوطنية الفلسطينية بعد خروجها من صدمة النكسة وما رافقها من هدم وقتل وتشريد وتطهير عرقي.
هذا الاتجاه وهذا الميلاد يتمثل بالمقاومة الفلسطينية المسلحة طريقاً للحرية والتحرير. طوال عقود، استمر الفعل الفلسطيني المقاوم متذبذباً بين المد والجزر بفعل ظروف وعوامل ذاتية وخارجية أحياناً. ورغم ذلك، لم يتوقف على الإطلاق. وفي كل مرحلة من المراحل، كانت له ميزات ودوافع للاشتعال مختلفة عن سابقاتها.
من الطبيعي جداً أن يقاوم الشعب الرازح تحت الاحتلال لنيل حريته، ومن الواجب أن يقاوم الشعب المحتل. هذا حق مقدسي محفوظ في مختلف الأعراف والمواثيق الدولية، وهو قبل ذلك واجب وطني وديني لا خلاف عليه أو على الأقل هكذا يجب أن يكون.
المشكلة أننا في الحالة الفلسطينية، منذ اللحظة التي قبل فيها البعض بأنصاف الحلول التي قادت بالضرورة إلى أنصاف الأوطان أو حتى الثلث أو الربع أو الخمس أو أقل من ذلك، فإنه احتكر تفسير مفهوم الوطنية، واختزل الوطن بأسره من الجزء اليسير من الربع أو الخمس، وليس أكثر من ذلك، وأصبحت المطالبة بالوطن ضرباً من الجنون والعبثية ومغامرة غير محسوبة بمصير شعب تحت الاحتلال.
ووقعت الطامة الكبرى عندما اختلف الفلسطيني وتقاتل مع ذاته على وهم السيادة على تلك الكسور من الأخماس والأرباع، وسال الدم الفلسطيني في الشوارع طمعاً في سلطة على سيادة مزعومة تحت حراب الاحتلال.
وازداد الانقسام الفلسطيني الداخلي حدةً وتجذراً. وفي الوقت نفسه، ازداد تغوّل الاحتلال الصهيوني، وازداد إجرامه قتلاً وتشريداً واعتقالاً وهدماً، وحتى الأخماس والأرباع بدأت تتلاشى على الأرض.
في هذه الصّورة المشهدية للحالة الفلسطينية، نهضت من تحت الركام من الأزمة الضيقة ومن البيوت المهدمة مرات ومرات مجموعة من الشباب الثائر، عرفوا المطلوب، وصوبوا البوصلة تجاه المحتل، وعلموا أنَّه يجب أن يُقاوَم بعيداً من أي حسابات أخرى، فهذا حق وطني مقدس.
فهموا أن الأوطان لا تقبل الكسور. لا الأخماس ولا الأرباع. الوطن هو الوطن ذاته: فلسطين من رأس الناقورة في الشمال إلى أم الرشراش في الجنوب الفلسطيني المحتل، وعلموا أن الوطنية الحقيقية البعيدة من كل المزايا الرخيصة هي وطنية الأرض والدفاع عنها، وهي الوطنية نفسها التي يجب أن تحضر لدى كل فلسطيني بينه وبين ذاته وهو يسمع آهات وليد دقة على فراش المرض في سجنه بعد أكثر من 35 عاماً في الاعتقال، فالوطنية الأصيلة لا تنسى أولادها في السجون ولا تتركهم يموتون فيها.
نهض هؤلاء الشباب الثائرون والمقاومون والمجاهدون من هناك، من مخيم جنين المبارك بالعطاء والتضحية، ومن أزقة البلدة القديمة في نابلس، ومن حارات القدس الشريف، وعلى امتداد مدن الوطن وساحاته. نهضوا وهم في مقتبل العمر. عرفوا المطلوب، وساروا نحوه، ودفعوا أرواحهم في سبيل الحرية والتحرير قرابين للوطن والوطنية الأصيلة.
نقول لهم: لن نسميكم بأسمائكم في هذا اليوم المبارك؛ وأنتم لفلسطين في كل فلسطين، ولستم للجهاد الإسلامي وحده. أنتم الورثة الحقيقيون للشهيد الدكتور فتحي الشقاقي ولخليل الوزير أبو جهاد وأحمد ياسين وأبو علي مصطفى. بورك غرسكم، وبورك جهادكم.
نقسم أن دماءكم ستزهر نصراً قريباً إن شاء الله تعالى، وإلى العلياء نرسل إليكم القبل والسلام، ونردد في رثائكم بعض ما قاله محمود درويش في قصيدة "عاشق من فلسطين":
خيول الروم أعرفها
وأعرف قبلها أني
أنا زين الشباب وفارس الفرسان
وأنتم وحدكم فرسان هذه الأرض المقدسة