نزار الدبّاس.. مسحراتي يجوب بالبهجة شوارع غزَّة

حمل معه اللّكنة السورية إلى غزَّة، وصار ينشر البهجة خلال تجوّله في حارات المدينة القديمة.. تعالوا نتعرف إلى المسحراتي نزار الدباس.

  • نزار الدبّاس
    نزار الدبّاس

"اصحا يا نايم وحّد الدايم... رمضان كريم"، يردّد نزار الدبّاس (50 عاماً) هذه العبارة وهو يجوب شوارع مدينة خانيونس في قطاع غزَّة، فعمله كمسحراتي خلال أيام شهر رمضان يفرض عليه أن يجد الكثير من العبارات والابتهالات الدينية، ليكمل صوته الرنّان مهمة إيقاظ السكان في 15 حارة اعتاد سكانها أن يلتقطوا الإشارة منه ليشرعوا بتحضير السحور.

في تمام الساعة الثانية فجراً يبدأ نزار بتجهيز نفسه، ويقول في حديث مع "الميادين الثقافية" إنه يرتدي العباءة وفوقها كسريته"أي السترة" والكوفية والطربوش الأحمر، حاملاً معه طبلة وعصا صغيرة لينطلق في مهمّته التي بدأها منذ أن كان في الــ 15 من عمره، وما زال على هذه الحال منذ نحو 35 عاماً وبجهد شخصي منه من دون أن يكون مكلّفاً من قِبَل جهة رسمية تدفع له أجراً لقاء عمله، الذي يقوم به بشكل يومي طيلة أيام الشهر.

يقول نزار إن المال لا يهمّه كثيراً فهو يعتبر تلك المهمة عبادة ينتظر أجرها من الله، لكن ما يعنيه بالفعل هو نشر البهجة خلال تجوّله في حارات مدينة غزَّة القديمة التي تشبه الحارات السورية من حيث تلاصق البيوت وعمارة المساجد، مضيفاً أنه يصادف العديد من الأشخاص الذين يقومون بتصويره من نوافذ البيوت ليشاركوا تلك المقاطع مع أصدقائهم، وهو بدروه يداعبهم بالعبارات مثل "صلّوا على رسول الله" ليلقى الرد على الفور.

ويرجع  نزار سبب محبّة الناس وقبولهم له للّكنة السورية التي حملها معه إلى قطاع غزَّة، قبل أن يغادر مخيّم اليرموك في سوريا مع عائلته منذ 20 عاماً، لافتاً إلى أنه بالرغم من استقراره مع زوجته وأولاده في المدينة المحاصرة، إلا أن الغزّيين ما زلوا ينادوه بالسوري لأنهم يتذكّرون فور بدئه بالحديث تفاصيل الشام وياسمينها وبهجة تلك المدينة التي أنهكتها الحرب.

يبتسم نزار ثم يواصل حديثه بأن من المواقف الطريفة التي يصادفها اصطفاف عشرات الأطفال أمام بيته برفقة فوانيسهم ليطلبوا منه بعد أن تغلّبوا في معركتهم على النعاس أن يرافقوه ويجوبوا معه الأزقّة. هكذا يردّدون بعده ما يقوله ويتعلّمون منه بعض المدائح والأهازيج الخاصة بالشهر الفضيل، مشيراً إلى أنه يجد صعوبة في تفريقهم خلال الساعة الأخيرة  قبل حلول موعد آذان الفجر لتناول وجبة السحور في مشهد لا يتكرّر سوى في رمضان.

فخلال رحلة مدّتها ما يقارب الساعتين يقوم نزار بإحياء عادة تراثية قديمة يرجع تاريخها إلى بداية الإسلام ثم توالت عبر العصور حتى وصلت إلى أجدادنا وهي إيقاظ الناس من النوم لتناول وجبة السحور. والمعروف عن المسحراتي هو حمله للطبل أو المزمار ودقّها أو العزف عليها بهدف إيقاظ الناس قبل حلول صلاة الفجر، وعادة ما يكون النداء مصحوباً ببعض التهليلات أو الأناشيد الدينية.

"اصحا يا نايم، وحّد الدايم، وقول نويت، بكره إن حييت، الشهر صايم، والفجر قايم، اصحا يا نايم، وحّد الرزّاق، رمضان كريم"، "اصحا يانايم وحّد الدايم، السعي للصوم خير من النوم"، "أفلح مَن قال لا إله إلا الله وصلّى على رسول الله"، تلك العبارات وأكثر اعتاد نزار سماعها من المسحراتي منذ كان طفلاً، وبقيت محفورة في ذاكرته حتى اليوم ليرويها للكبار والصغار.

ويذكر نزار أن عمله كمسحراتي هو حلم الطفولة، فكان يستفيق على صوت  الطبلة التي تعطي شهر رمضان بهجة خاصة ويجوب المنزل برفقة أخيه وهما يقلّدان ما شاهداه وسمعاه عبر النافذة من خلال أدوات المنزل البسيطة، ليترك أخاه اليوم يؤدّي تلك المهمة في سوريا بالوقت الذي يواصل هو فيه العمل ذاته في قطاع غزَّة.

ويرى نزار أن الحاجة للمسحراتي تزداد في عصرنا الحالي في ظلّ سيطرة مواقع التواصل واندثار أكثر عادات شهر رمضان بهجة فمن حق الأطفال أن يعيشوا ما عاشه هو وأباؤهم، مضيفاً أنه سعيد بالدور الذي يقوم به خاصة عندما يشاهد صوَره والتعليقات المبهجة التي ترافقها من حب واحترام خاصة بعد انتقال تلك العادة من قطاع غزَّة إلى عدد من الدول العربية وتقليد الكثيرين له في إحياء تلك الشعائر التي تضفي على الشهر رونقاً خاصاً.