من يعيد لحازم مهنا كنزه الثمين؟

خلال العدوان الأخير على غزة، حوّل الاحتلال متحف حازم مهنا إلى ركام.. ما قصة المتحف؟ وكيف يواجه صاحبه تبخر حلمه؟

كعادته أنهى الستينيّ حازم مهنا جلسته مساءً في متحفه الخاص الذي يضم أنواعاً مختلفة من المقتنيات التراثية والتحف، منتقلاً للجلوس مع عائلته غير مدرك أنها ستكون آخر مرة يقضيها برفقة ممتلكاته الثمينة التي قضى ما يقارب 40 عاماً في تجميعها من أماكن مختلفة من غزة ليقوم الاحتلال الإسرائيلي بسحقها خلال ثوانٍ.

القصة بدأت خلال العدوان الأخير على قطاع غزة، عندما اتصل ضابط مخابرات الاحتلال بحازم وأخبره أن كل ما يملكه من الوقت هو 5 دقائق لإخلاء المنزل المكوّن من 4 طوابق الذي يتجمّع فيه أولاده وبناته وأحفاده، ليقفل الهاتف ويبدأ الصراخ بعلو صوته كي يخرج الجميع ويبتعدوا عن العمارة السكنية عدة أمتار تفادياً للشظايا المتطايرة.

كان حازم، يعلم جيداً أن توسّلات الأرض مجتمعة لن تجدي نفعاً في منحه مزيداً من الوقت كي يخرج ما يمكن حمله من مقتنياته التراثية، فقضى ما يقارب الدقيقة وهو يحاول أن يلتقط صورة الوداع بعينيه لحلمه الذي أوشك على الانهيار، إلى أن سحبه ابنه من يده كطفل مرغمٍ على ترك والدته.

“يا ليتني كنت تراباً"، هكذا عبّر حازم عند رؤيته لمشهد الدمار، متسائلاً "من يعيد لي الروح مرة أخرى ويصلح تلك التحف المحطّمة والأباريق المكسورة واللوحات الممزقة؟ أين حجر الزمرد الذي احتفظت به لسنوات عديدة في درج خاص؟ كيف يمكن للنيران أن تأكل هذا الجمال بلا رحمة؟". ضرب كفاً بكف محاولاً اجتياز نوبة الغضب التي تسيطر عليه كلما تذكّر وجود قطة عزيزة وبحث عنها بين الركام ولم يجدها.

يكمل حازم في حديث مع "الميادين الثقافية"، "لا أحزن على المبنى. فالباطون يمكنني إعادته كالسابق وأفضل، لكن من يعيد لي كنزي الثمين الذي جبت أسواق غزة للحصول عليه، طارقاً أبواب المنازل للتأكّد أن ما تحتويه هو بالفعل تراث البلاد وليس مجرد خردة؟".

يبتسم ابن غزة متذكّراً جولاته في أحد الأسواق الشعبية بقطاع غزة، عندما كان هناك شخص ينادي "خردة للبيع" فساقه حسّه الاستكشافي كي يتفقّد ما يملك، ليصاب بالذهول. حيث عثر على قطعة يبلغ ثمنها آلاف الشواكل كانت معروضة للبيع بعشرة شواكل فقطـ، لافتاً أن الجهل الذي يسعى الاحتلال لترسيخه هو ما يحوّل القطع النفيسة في يد من لا يعلم إلى أكوام حديد تباع بالكيلو.

لا يخفي حازم شعوره بأن استهداف الاحتلال كان للمتحف وليس للمنزل، متعمّداً تجريعه مرارة التشرّد والنكبة مرتين. مرة عندما هجّره من بلدته الأصلية المسمية وهدم منزله فيها أمام عينيه، ومرة أخرى عندما حوّل تعب سنوات العمر إلى ركام وهدم بيت العائلة وإرثها الثقافي. 

وعند سؤاله عن الفائدة التي يجنيها من جمعه للمقتنيات التراثية أجاب: "أعتبر نفسي حارساً للتراث، فأينما حلّ وجود تلك المقتنيات تجدني أجوب المكان كمغناطيس"، ولعل تلك الهواية هي ما ورثه عن والده الذي حدّثه عن غزة التي احتضنت 4 حضارات وحلّت عليها جيوش الأرض من بقاع العالم كافة، لتضم في جوفها مقتنيات ترجع لملايين السنين.

مع الوقت، حوّل حازم شغفه إلى ما يشبه الوظيفة بعدما أحيل إلى التقاعد، واضعاً كل المال الذي حصّله في شراء تلك المقتنيات، وعندما نفدت نقوده لجأ لبيع مركبته الخاصة وذهب زوجته للحصول عليها. لكن الغريب أن العائلة لم تبدِ أيّ امتعاض.

يقضي حازم اليوم ساعات النهار في حزيران/يونيو وهو ينبش في الركام باحثاً عما تبقّى من مقتنياته كالأحجار الكريمة والساعات والعملات الفضية، وأخرى ورقية مصرية قديمة، واللوحات الفنية، متسائلاً بينه وبين نفسه "ما الذنب الذي اقترفته ليصيبني هذا؟ ومتى سينتهي حقد الاحتلال تجاه كل ما يثبت أحقية الفلسطيني بأرضه؟".

ويضيف وهو ينبش في الركام: "كان لدي هنا عكاز لا مثيل له في العالم. أين سجادات الصلاة والأباريق المعدنية؟ وتلك الأوراق الثبوتية لأوطان متعددة، هل أحرقت النيران الأثواب المطرزة وأذابت تلك التحف النحاسية فغدت سراباً؟"، طالباً ممن حوله البحث هنا وهناك عله يجد ضالته.

يحاول المحيطون به من الأهل والأصدقاء تهدئة حازم ليجتاز صدمته، خاصة أن الجميع كانت لهم ذكريات مع المتحف الذي صار أثراً بعد عين، في ظل مطالبة حازم المستمرة لأصحاب القرار بأن يتم الإسراع في إزالة أكوام الركام، لينفض الحجارة عمّا بقي سليماً من مقتنياته وترميم ما يمكن ترميمه.

كما خاطب حازم الجهات المسؤولة خاصة وزارة السياحة والآثار لتعويضه مادياً ومعنوياً لاستكمال عمله، لافتاً إلى أن ما حدث لن يحبط عزيمته في البحث عن مقتنيات جديدة والاحتفاظ بها لإكمال مسيرته في تأسيس متحفه الخاص.