ليوبولد سنغور.. لسان آلام أفريقيا وآمالها

نشأت حركة الزنوجة في فرنسا على يد أحد أهم أعمدة الأدب الأفريقي، وهو الشاعر ليوبولد سنغور، الذي مزج بين الشعر والسياسة.

إذا ألقينا نظرة على الأدب الأفريقي بشكل عام، محاولين البحث في سمات هذا الأدب، لا بد من التوقّف عند مسألة اللغة، حيث كُتب هذا الأدب بلغات عديدة، منها لغة السكان الأصليين كالسواحلية والحوصة والبانتو والنيلو وغيرها من اللغات المحلية، فضلاً عن لغة الاستعمار الأوروبي الذي فرض على أنحاء القارة السمراء، كالبرتغالية والفرنسية والإنكليزية والهولندية.

وبرز هذا الأدب بشكل لافت بعد الحرب العالمية الثانية من خلال وعي سياسي يدل على الانتماء الحضاري للأفارقة  باستثناء القسم الشمالي للقارة، الذي يحسب على الثقافة العربية، والسبب في ذلك انتشار الإسلام في تلك المنطقة وتطبّعها بالحضارة العربية، الأمر الذي أدى إلى انفصالها عن محيطها الأفريقي.

ويعتبر الأدب الأفريقي من أهم الآداب العالمية في العصر الحديث، لأنه ولد من رحم معاناة الأفارقة الذين يتطلعون إلى القضاء على الفصل العنصري (الأبارتهايد).

من هنا جاءت حركة الزنوجة التي نشأت في فرنسا على يد أحد أهم أعمدة الأدب الأفريقي، وهو الشاعر ليوبولد سيدار سنغور، الذي مزج بين الشعر والسياسة. إذ يعرّف الزنوجة بأنها مجموعة القيم الاقتصادية والفكرية والمعنوية والفنية والاجتماعية لدى شعوب أفريقيا، وكذلك الأقليات السوداء. فما هي أبرز المحطات في مسيرة هذا الشاعر الذي استطاع أن يمزج بين السياسة والأدب؟

تعرّفت إلى أدب سنغور (1906 - 2001) من خلال اطلاعي على أشعاره المترجمة للعربية. إذ كان يحظى بحفاوة كبيرة في مكتبات المغرب، وهو الذي اعتاد التردّد على "موسم أصيلة الثقافي" الذي يقيمه كل عام، وزير الخارجية والثقافة الأسبق في المغرب، محمد بن عيسى، حيث ربطتهما علاقة وثيقة.

فقد أقام بن عيسى عدة ندوات حول أدب سنغور وفكره، وبعد وفاته شاركت في الاحتفال الذي جرى في الحديقة التي افتتحت باسمه في مدينة أصيلة تخليداً لذكراه.

ولد سنغور في 9 تشرين الأول/أكتوبر عام 1906 في قرية ساحلية جنوب دكار، حيث تلقّى تعليمه في المدارس الكنسية الفرنسية، قبل أن يسافر إلى باريس ويدخل جامعة السوربون، لتتفتح مداركه الأدبية هناك ويبدأ بكتابة الشعر، وتحديداً نصوصه المسماة "مقتطفات من الشعر الزنجي" التي استجاب لها كبار مثقّفي تلك المرحلة، بينهم أبو الوجودية، جان بول ساتر. من دون أن ننسى أنه وإضافة إلى نتاجه الشعري، كتب سنغور كتباً فكرية عديدة أشهرها كتاب "الخصوصية الزنجية والحضارة الكونية".

استطاع سنغور أن يجمع في نصوصه الشعرية كل آلام أفريقيا وآمالها، كما جاء في مجموعته الشعرية "القرابين السود"، التي تحدّث فيها عن الذبيحة والقيامة معاً. وقصد بالذبيحة أجساد السود الذين زجّت بهم فرنسا ضمن جيشها في الحربين العالميتين، معتبراً أن هؤلاء الجنود ضحّي بهم كالذبائح، فأعطى في شعره بعداً إنسانياً لموت هؤلاء الجنود حيث يقول:

لا لم يكن موتكم بلا جدوى
أنتم شهود أفريقيا الخالدة
أنتم شهود على العالم الجديد 
الذي سوف يأتي

أما في مجموعته الشعرية الأولى "أناشيد الظل" التي صدرت عام 1945، وبعد سنوات من كتابتها، فقد مجّد سنغور عالم الإنسان الأسود، مستحضراً قصة مملكة سين السنغالية القديمة، محتفياً بالحكمة والفن السنغاليين. كما مجّد المرأة السوداء، مشيراً إلى أهمية الدور الذي أدّته المرأة الأفريقية في بناء حضارة هذه القارة.

ورغم أنه عاش حياة الرفاهية، إلا أنه كان متمرداً على حياة البذخ، وكان من خلال تسكّعه في شوارع دكار يحتك بالفقراء والمشردين ويكتب عنهم.

ومن يقرأ ديوان سنغور "إثيوبيات"، سيدرك مدى تعلّق الشاعر بهذه الطبقة. إذ كثيراً ما كان يقصد الحيّ اللاتيني في باريس أثناء إقامته للدراسة، حيث تعرّف هناك إلى التيارات الإشتراكية التي بدأ يسطع نجمها.

ونستطيع القول إن سنغور أثّر في جيل كامل من شعراء أفريقيا والعالم، ولا سيما الشاعر إدوارد مونيك الذي ارتبط معه بعلاقة مميّزة، والذي قال عنه بعد رحيله "نحن لا نحتاج أن نعود إلى سنغور فهو هنا دوماً".

حصد سنغور طوال مسيرته السياسية كرئيس للسنغال، ثم الأدبية بعد تقديمه استقالته من حكم البلاد، حصد جوائز عديدة منها: الجائزة الذهبية في الأدب الفرنسي، والجائزة الدولية الكبرى للشعر في فرنسا، قبل أن يصبح في العام 1984 عضواً في الأكاديمية الفرنسية. كما أنشئت عام 2007 جائزة باسمه هي "جائزة ابن خلدون سنغور للترجمة".

سنغور الذي رأى أن الأدب أعلى وأسمى من السياسة، استقال من منصبه كرئيس للسنغال متفرّغاً للحياة الأدبية، إلى أن وافته المنية في منزله بمنطقة النورماندي شمال فرنسا.

***

من نصوص ليوبولد سنغور نقرأ: "زنجيتي" 

ليست مطلقاً نوم السلالة، إنما شمس الروح
زنجيتي،
رؤية وحياة،
زنجيتي، مجرفة في اليد ورمح في القبضة
انتعش.
ليس الأمر في الشراب،
في اللحظة التي
تمر ...
إذا ما انتظرت
فوق أزهار الرأس الأخضر
مهمتي، إيقاظ شعبي
 نحو مستقبل مشرق
فرحي
أن أخلق صوراً لأطعمة،
آه أيتها الأنوار الموزونة للكلام.

 

 

* نوال الحوار - شاعرة وإعلامية