بسام جعيتاني: ما يخفق في عمق الفوضى
انفجار مرفأ بيروت يتجسّد في قلب المعرض من خلال تجهيز جداري ملفت، يتمثل في هيكل معدني أخضر، يتضمن كتابة تعكس مدى الدمار الذي تعرضت له بيروت نتيجة هذا الانفجار المأساوي.
"ما يخفق في عمق الفوضى" هو عنوان المعرض الجاري حالياً في غاليري "ربيز" في الروشة ببيروت، للفنان اللبناني بسام جعيتاني (1962).
مجموعة من الأعمال المتراوحة بين الجداريات، واللوحات العادية، يغلب عليها اللون الأبيض، تخرق مساحات جدارياته الواسعة منمنمات غارقة في الباستيل الذي يغطي قماشات اللوحات، لا تحمل عناوين وتسميات خاصة.
بعض الجداريات المتناوبة تنطق بما يختلج في ذاكرة الفنان، وبما يقلقها من وطأة انفجار مرفأ بيروت الذي لن تطويه الذاكرة لهوله المريع.
على يمين مدخل الصالة جدارية متطاولة تنطق بهاجس المعرض: "وكان انفجار ضخم قد هزّ قلب مدينة بيروت وأطرافها". وكأن الفنان أراد أن يوافي متلقف المعرض وزائره، ما يكمن في العنوان، ويصف المعرض بأنه "رحلة آسرة تستكشف الذاكرة الجماعية وتحديد مسؤولياتنا تجاه المآسي”، بحسب نصٍّ لجعيتاني يرافق قيام المعرض.
في إحدى اللوحات الجدارية، أشبه ما يمكن بالعصف أو الزوبعة، ولا غرو بذلك، فالانفجار كان أكبر من عاصفة، واقسى من زوبعة بكثير. كان إحداث فوضى عارمة، عميقة، استهدفت الذاكرة الجماعية لشعب ثمة من قرّر تدميره، عبر تدمير ذاكرته، وكل ما تحمله من طاقات إبداع وخلق.
ويضيف جعيتاني في نصه: "سعيت من خلال أعمالي الى أن أوقظ الوعي العميق لدى المشاهد للقضايا المصيرية التي تميز عصرنا”.
لماذا قضايا العصر هي تدميرية؟ الفنان يتناوله بتشكيليته، بما هو ظاهر جليّاً منه، ولا يجيب عنه. عمله تظهير ما يشاهد، وتجسيد هول الحدث، تاركاً للمشاهد، أو للآخر، تحديد المسؤولية.
الانفجار الذي هز قلب بيروت، يتجسّد في قلب هذا المعرض، بحسب جعيتاني، وذلك من خلال تجهيز جداري ملفت، يتمثل في هيكل معدني اخضر، يتضمن كتابة تعكس مدى الدمار الذي تعرضت له بيروت نتيجة هذا الانفجار المأساوي.
تتداخل الشظايا المعدنية من حواجز الشرفات وأنقاض الخرسانة مع قطع من الثياب، ما يخلق تكوينا مادياً، وعاطفياً في آن.
تداخل الشظايا، وبقايا أقمشة الأثاث، وزجاج النوافذ، وركام الأبواب في قلب اللوحات، يعطي العمل بعداً واقعياً، ينفي التجريد عن الغموض الذي يلف الأعمال، ويترك فسحة واسعة للتأمّل، والتعمّق في مكنونات المشهد، وما يضمره من إشارات ومعانٍ.
جعيتاني يقول إن هذ الأعمال: "تذكرنا بعواقب هذه المأساة الدامية، للتأكيد على أهمية الاحتفاظ بالذكرى، بهدف تفادي وقوع أحداث مماثلة في المستقبل”.
جزء آخر هام في المعرض، هو سلسلة من لوحات بيضاء، تمثّل لقطات مربكة شهدتها تلك الكارثة، تعكس التأثيرات النفسية والعاطفية العميقة التي تنتج عنها.
وتتشكّل هذه اللوحات البيضاء النقيّة بالخدوش والجروح، وكأنها صفحة بيضاء تحمل ندوب تاريخ يحمل ألم الحداثة، وتطوراتها المعولمة، وتَشَكّلُ اللوحات بهذه الطريقة "يدعو المشاهد إلى التفكير في الهوية الثقافية المتلاشية للمدينة، وضرورة إعادة البناء، والحفاظ عليها لتمكين الشفاء الكامل داخل المجتمع المتأثر"، على ما يرغب جعيتاني رؤيته.
ويصف المعرض بأنه "رمز بصري للفوضى والدمار اللذين ضربا بيروت"، ويرى أن الانفجار "يذكرنا بأنه ترك آثاراً لا يمكن محوها في حياة المتضررين، وفي نفس الوقت يترك أثراً مماثلاً في فهمنا الجماعي للحدث، من خلال استخدام عناصر الانفجار المأساوي في بيروت، وخلق هذه اللوحات البيضاء التي تجسد مفاهيم النقاء والبراءة، ولكنها تعني أيضًا غياب الوضوح والحقيقة".
ويحدد أستاذ الفن التشكيلي في الجامعة اللبنانية-الاميركية في بيروت هدف أعماله بأنه: "إيقاظ تفكير مُكَثَّف حول العواقب المدمرة للمأساة، وضرورة بناء مستقبل يتّسم بالسلام والصمود وتجاوز الفوضى."