"غرناطة تُحكم بهذا الخاتم".. أيّ دور للخواتم عبر التاريخ؟

استخدمه النبي محمد وقبله وبعده فلاسفة وحكّام وسلاطين لأغراض متنوّعة. ما قصّة الخواتم عبر التاريخ؟ وأين بدأت صناعتها؟

كان الخليفة العباسي "المعتضد" ينهي تلاوة رسالة مختزلة موجهةً إلى أحد ولاة الأقاليم، وفور انتهاء كاتب ديوانه من تدوينها على ورقٍ رقيقٍ جداً، أحضر الحاجب قارورة من رقيق الذهب، ثم ختمها الخليفة بخاتمه الذي نقشَ عليه العبارة التي اختارها لبلاطه "الاضطرار يزيل الاختيار".

مشهد سيتكرّر بمراسلات وأسباب مختلفة تبعاً لدمغة الخاتم الذي يعتمده هذا الخليفة أو ذاك الملك. يذكر ابن خلدون في مقدمته أن الخاتم من الخطوط السلطانية والوظائف الملكية، وقد ثبت أن النبي محمد، أراد كتابة رسالة لكسرى عظيم الروم، فقيل له إن القوم لا يقبلون كتاباً إلا أن يكون مختوماً فاتخذ خاتماً من فضة، ونقش عليه عبارة "محمد رسول الله".

لكن تاريخ اختراع الخاتم يعود إلى قرون أقدم، فهو من أقدم الحلي لدى الشعوب. إذ يرجع اكتشافه إلى عصر "الحجر المصقول" إلى أن تطورت صناعته مع اكتشاف المعادن.

وتشير الاكتشافات الأثرية إلى أن الخواتم تعود في أصولها إلى الشرق. إذ ظهرت لأول مرّة في مصر وبلاد ما بين النهرين قبل أن تنتقل إلى الغرب بوصفها تعبيراً عن معتقدات وطقوس شعبية من خلال الرسوم والرموز التي كانت تُنقش عليها.

ولعل أول خاتم في التاريخ كان عبارة عن قطعة من الحجر أو العظام أو الصدف المثقوب، وضعه أحدهم في إصبعه فأعجبه منظره فقام بصقل القطعة وتهذيبها قدر الإمكان، أو أنه كان نوعاً من التعويذة ضد الأرواح الشريرة. ولم تصبح الخواتم قطعاً فنية إلا بعد اكتشاف الإنسان للمعادن ونجاحه في معالجتها.

ويرى علماء الآثار أن شعوب منطقة الشرق الأوسط كانت أول من عرف فن معالجة المعادن وذلك في أواخر الألف الرابعة قبل الميلاد، وقد استطاعت هذه الشعوب تطوير الخاتم بسرعة مذهلة. فمع حلول عام 2500 قبل الميلاد كان حرفيو مصر وبلاد ما بين النهرين قد تعلّموا مختلف أساليب معالجة المعادن، ولم تبق إلا استثناءات قليلة للعصر الحديث، كان بعضها نتيجة لغياب المعرفة في العصور المظلمة. فلم ينجح صاغة الذهب في أوروبا مثلاً في صنع حلي مماثلة للحلي القديمة المصنوعة في الشرق، منتصف الألف الثالثة قبل الميلاد، إلا في عام 1133 ميلادية.  

ولا تقتصر أهمية الخاتم حتى في بداية عهده على كونه حلية للزينة فقط، بل كانت له فوائد متعددة أقدمها كونه ختماً يستعمله أصحابه بدل التوقيع سواء بكتابة عبارة أم بنقش رسم ما على هيئة حيوان أو شجرة أو طائر. في هذا السياق سنقرأ على خاتم أفلاطون "تحريك الساكن أسهل من تسكين المتحرّك".

أما الفيلسوف اليوناني جالينوس فقد نقش على خاتمه هذه العبارة الموحية "من كتم داءه أعياه شفاؤه"، وكان أحد ملوك الهند قد طلب من حكيم أن ينقش له عبارة على خاتمه تجعله إذا قرأها وهو حزين يُسعد، وإذا قرأها وهو سعيد يحزن، فنقش له عبارة "هذا الوقت سيمضي".

ويُحدّد أفول مملكة الأندلس بلحظة تسليم أبي عبد الله الصغير آخر ملوك غرناطة خاتمه للكونت الإسباني أنييغو لوبيث ميندوثا قائلاً إن: "غرناطة تُحكم بهذا الخاتم منذ أن غزاها المسلمون. خذه لتحكمها به فيجعلك الله أسعد مني".

تماشى فن معالجة المعادن مع تطوّر الكتابة التي ظهرت في الفترة نفسها، كالكتابة المسمارية والهيروغليفية، وذلك في أواسط الألف الثالثة قبل الميلاد، وقد تفوّق السومريون بالتقنية المتطورة في صناعة الخاتم لجهة التخريم وتزيين الذهب بالأحجار الكريمة، في حين أهمل الفراعنة الحجر لصالح الزجاج الملوّن في تزيين خواتمهم.

أما الرومان فقد اختطوا قانوناً يقضي باستخدام خواتم من الحديد، ولم يسمح باستعمال خواتم الذهب إلا للسفراء أثناء تأدية واجباتهم الرسمية، إلى أن ألغي هذا القانون بتوسّع رقعة الإمبراطورية الرومانية، فكانت قلة من المواطنين تحظى بشرف وضع صورة الإمبراطور الروماني على الخاتم.

وفي العصور الوسطى شاع نوع جديد من الخواتم التي تحمل اسم صاحبها على شكل أحجية مصوّرة، كما انتشرت عادة تبادل الخواتم في الخطبة والزواج مع عبارات منقوشة تدلل على شدّة الوله بين المتحابين مثل "مع حبي"، و"ملكت قلبي"، و"إلى الأبد"، أو نقش يدين متشابكتين، أو تعويذة للحماية من الأرواح الشريرة أو للشفاء من الصداع وآلام المعدة والأسنان.

وورد في الكتاب المقدس "اجعلني كخاتم على قلبك، كخاتم على ذراعك"، وشهدت الحقب اللاحقة خواتم بأحجام كبيرة تليق بمكانة الأثرياء والنبلاء الذين كانوا يضعونها فوق القفازات.

ثم مع بزوغ القرن السابع عشر ظهرت الخواتم المخصّصة للاحتفالات والمراسم كخاتم التتويج الذي لبسه نابليون وهو من الذهب المرصّع بالزمرد، على عكس خاتم تتويج الملكة البريطانية فيكتوريا الذي كان بسيطاً ومزيناً بالعقيق الملوّن بألوان العلم الإنجليزي.

وهناك خواتم الذكرى والخواتم المسمومة وتلك التي تحتوي على بطارية للإضاءة أو كاميرا للتجسس، كما أدى تطوّر فن صقل الحجارة الكريمة في عصر النهضة والعصر الحديث إلى ظهور خاتم "السوليتير" المكوّن من محبس ذهبي تتوسطه حبة ألماس مصقولة بتواقيع صاغة مشهورين أمثال كارتييه، وبوشيرون، وتيفاني. على المقلب الآخر، ساهمت الثورة الصناعية وتطوّر التكنولوجيا بانتشار الخواتم رخيصة الثمن فأصبحت بمتناول الجميع. ولكن ماذا بخصوص خواتم الفضة؟

تؤكد الدراسات العلمية إلى أن الفضة معدن نفيس يساعد على الاسترخاء وتنظيم الدورة الدموية وطرد الطاقة السلبية والحماية من العين والحسد نظراً لامتلاك هذا المعدن شعاعاً براقاً، ويفضّل أن يوضع خاتم الفضة بخنصر اليد اليسرى بالنسبة للرجال تيمناً بأعراف دينية موروثة.

ففي حكايات "ألف ليلة وليلة" سيحضر الخاتم بوصفه أحد أركان الحكايات كما في حكاية "علاء الدين والمصباح السحري "، وفي "الليلة الواحدة بعد الألف" تسعى زوجة الملك المهجورة إلى الانتقام منه بسرقة خاتمه فيُقطع رأسها. أما خاتم سليمان الحكيم فقد كان يتمتع بمواصفات سحرية، فما إن يتفحّصه حتى يرى كل شيء و"إذا لمسه ازداد حكمة فوق حكمة وقوة فوق قوة، وقيل إنه دخل يستحم مرّة فترك خاتمه وكان أحد خدمه سرقه وطرحه في البحر فاغتم سليمان وبلغ منه اليأس، غير أنه وجد الخاتم في جوف سمكة قدمت له مع طعامه فعادت له حكمته".

إنه الخاتم الذي يحقّق الرغبات المستحيلة، فكم من صيّاد فقير وجد في بطن سمكة خاتماً سحرياً فأصبح من أصحاب القصور؟