يقال إن الأدب أكبر من التصنيفات الضيّقة.. لكن ماذا عن الأدب النسويّ؟

بين من يعتبر إنكاره تجنٍّ على المرأة وبين من يرى الأدب أكبر من تصنيفات ضيّقة. هل هناك وجود لأدب نسويّ؟ وماذا يقدّم لنا هذا النوع من الأدب؟

هل هناك وجود لأدب نسويّ؟ طرحت "الميادين الثقافية" هذا السؤال الجدلي على أربع مبدعات عربيّات. وذلك في محاولة لاستجلاء حقيقة وجود هذا النوع من الأدب وما يقترحه، ماهيّته، ومعالجته لقضايا المرأة العربية. ماذا يضيف إلى الأدب العربيّ؟ وما هي رسالته الجوهرية في القرن الـ21، وتحدّيات التعبير الإبداعي المعاصر. كيف كانت إجابات كلٍّ من علوية صبح، لينا كريدية، نضال الأميوني دكاش، وميمونة عامر؟

علوية صبح: أنا كاتبة نسوية ولستُ نسوية أصولية

تقول الروائية والأديبة اللبنانية، علوية صبح، إنّ المرأة حين بدأت تكتب سُمِّي أدبها بالأدب النسائي، كأنه ملحق بالأدب أو ثانوي وليس من ضمن الأدب والفن، أو كأنّ الرجل وحده يمكنه أن يكتب الرواية أو القصة أو الشعر.

وحين بدأت المرأة تكتب، لا شكّ في أنها نظرت إلى نفسها بالصورة التي يراها بها الرجل، لأنّ كتابة الرجل سبقت كتابة المرأة، وهي قلّدتْهُ في النظر إلى نفسها. لم تكتب عن مشاعرها أو عن تعبيراتها الأدبية من منطلق نفسها، فتماهتْ مع صورتها التي رسمها الرجل لها واستعارتْ خطابه.

الأدب في الحقيقة هو أدب، وليس هناك أدب امرأة أو أدب رجل. قد تكتب المرأة أدباً ذكورياً أكثر من الرجل، وقد يكتب رجلٌ بطريقة أكثر فهماً للمرأة إلى حدٍّ ما في الأدب العالمي. لكن بالنسبة للأدب العربي، فلم نسمع أو نقرأ صوت المرأة، ليس في النظر إلى جسدها فحسب، وإنما قولها قولاً وخطاباً متعلّقَين بكل الأمور الخاصة بالمجتمع وبقضايا المرأة، وحتى بقضايا الرجل والإنسان العادي أو الحرب. 

وأردفت صبح: "لو نظرنا إلى ما كتبته المرأة عن الحرب الأهلية في لبنان، لرأينا تعبيرات مختلفة عمّا كتبه الرجل. بالنسبة لي مثلاً، دخلتُ في حيوات النساء؛ كيف تغيّرتْ في الحرب وكيف تخلخل المجتمع، وكان التعبير حسّياً وحقيقياً وليس على مستوى الأيديولوجيا فحسب. الأدب أدبٌ لكن ما يحمله هذا الأدب يمكن أن نصفه بأنه أدبٌ نسوي إذا صح التعبير، بالنسبة لي وأنا أعتبر نفسي كاتبة نسوية حتى وَلَوْ كتبتُ عن موضوع لا يتعلّق بالمرأة، مع أنّ معظم رواياتي هي قضايا المرأة، ليس بمعنى "الكْلِيشيه" وإنما حيوات النساء الحقيقية وتعبيراتهنّ، يعني أن نكشف النقاب، أن نكتب عن كل القضايا المسكوت عنها والتي لم يقاربها الأدب الذكوري. أي كيف تنظر وكيف تعبّر عن جسدها وعن المجتمع، وعن أيّ شيء آخر. يعتبر الذكور دائماً أنّ المرأة لا تكتب إلا عن نفسها، وهذا غير صحيح. بدأت عموماً كتابة المرأة (وأنا أسمّيها "كتابة المرأة" وليس "الكتابة النسائية") تكسر الخطاب الذكوري السائد في الأدب العربي. لا يمكننا أن نسأل ماذا أضافت المرأة، فكأننا بالسؤال نعتبر أنّ أدب الذكور هو الأساس وتأتي المرأة لتضيف أو لا تضيف. بالنسبة لي، كان هاجسي كسر الخطاب الذكوري وخلخلته والتعبير حقّاً بقلم المرأة، بماذا تضيء؟ وماذا تكشف؟ والذي فعلتْهُ في الأدب هو صدقها وحاجتها لأن تعبّر هي عن نظرتها إلى كل الأمور".

ترى صاحبة "مريم الحكايا" أن: "الأدب من دون المرأة ناقص المعرفة. المرأة والرجل يكملان الخطاب الإنساني في الأدب، من دون تمييز عنصري أو غير عنصري. المعرفة تتمّ على مساحاتٍ تشارك فيها المرأة والرجل من دون إقصاء أيّ أحد. بالنسبة لي، لا يضيرني أن أصف نفسي بكاتبة نسوية لكنني لستُ نسوية أصولية، فأنا ضدّ كل الأصوليات في السياسة أو الأدب أو الفكر... الأدب الحيّ لا يمكن أن يكون أصولياً أو عنصرياً فهو النابض بالحياة، سواء كتبتْه المرأة أم كَتَبَهُ الرجل".  

دكّاش: إنكار الأدب النسوي تجنٍّ على المرأة

الأستاذة الجامعية نضال الأميوني دكاش، المتخصصة في دراسات الأدب العربي في العصر العباسي، والمتخصصة كذلك في الشعر المعاصر، قالت في تصريحٍ لـ"الميادين الثقافية" إنّها ليست مع التفرقة، فالأدب أدب.

وأضافت: "هل كان هناك فرقٌ في الجاهلية بين شعر الخنساء وشعر الرجال الذين عاصروها؟ لقد كانت ندّاً لهم، حتى أنّ النابغة الذبياني كان حكماً بينها وبين حسان بن ثابت في سوق عكاظ، فحكم للخنساء أنّها أشعر من حسان، فغضب حسان وقال له أنا أشعر منك ومن أبيك وأبيها". 

وأردفت دكاش: "لكن لا نستطيع القول إنه لا يوجد أدب نسوي، نعم يوجد، ومن ينكر هذا يتجنّى على المرأة، لا أحد أقدر منها على التعبير عن مشاعرها، وأغلب ما كتبتْهُ غادة السمّان أدبٌ نسوي، وما كتبته إيزابيل الليندي أيضاً، وكذلك أحلام مستغانمي والمئات من الكاتبات العربيات والعالميات في الرواية. وفي الشعر يظهر هذا أكثر طبعاً. الكُتّاب الذكور قادرون على التعبير عن المرأة أيضاً، لكن تبقى هناك خصوصية لدى المرأة، ليست الأمومة إلا واحدة من هذه الخصوصية، ناهيك عن مشاعر الحب والجنس وأمور كثيرة. لكن يبقى الأدب إنسانياً وليس من المفترض تجزئته، وفقاً لنوع الكاتب أو جنسه. نعم هناك مواقف وقصص حيث تكون الكاتبة أقدر على التعبير عن المرأة، كما يكون المبدع الرجل أكثر قدرةً على التعبير عن عالم الرجال، غير أنّ الكاتب يوسف إدريس برع في وصف عوالم النساء، كما برعت مي زيادة في إثبات قدرتها في تحدّي هيمنة كتابات الرجال، لكن القضايا الإنسانية واحدة يتفاعل بها الجنسان".

لينا كريدية: الأدب أرحب بكثير من تصنيفات ضيّقة

الكاتبة والناشرة اللبنانية لينا كريدية قالت إنّ القارئ تجاوز مصطلح الأدب النسوي خلال قرن من الزمن، فتغيّرت المفاهيم والمجتمعات وتقنيات التواصل، وأصبحت النظرة إلى الإبداع الأدبي مختلفة عمّا سبق، بحكم التطوّر الذي يفرضه الإيقاع الزمني السريع.

على سبيل المثال لا الحصر، في القرن الماضي، كانت روايات الأدب الروسي تضمّ مئات الصفحات، كرواية الإخوة كارامازوف لدوستويفسكي. أما الروائية الفرنسية أني إرنو، فتُعدُّ من أكثر المبدعات اللواتي اختصرن وكثّفن كتاباتهن. ينطبق الأمر على اللغة التي أصبحت أكثر انسياباً وسهولةً وبساطةً في الإجمال. 

وأردفت كريدية: "في التصنيفات الأدبية، أجدني قد تجاوزتُ بصمة النسوية في ما خصّ أعمال مبدعات، لأقول إنّها تدخل في نطاق الإنسانية فقط. لقد أصبح الأدب أرحب بكثير من تصنيفات ضيّقة كالتي تعتمد على الجندرة، بل أصبح يلحظ تفرّعات أكثر تفصيلاً ودقةً من خلال تعدّد مذاهبه، كالخيال العلمي والخيال السيكولوجي".

مهمّة الأدب عامةً، والرواية والشعر خاصةً، مختلفة جداً عن مهمّة التأريخ أو معالجة قضايا تتعلق بموضوع من الموضوعات. الإبداع جماليّة قائمة على إمتاع القارئ، وليست له مهمّات محددة كطرح تظلّم أو اقتراح حلول لأي نوع من المشكلات. كما أنّ الشاعر والروائي حرٌّ دائماً في مزج الخيال بالحقيقة ولا نهاية لما يكتبه، فتكون قصيدته مفتوحة أو روايته تامّة بلا خلاص. ومن النساء مَن كتبن عن أحاسيس الرجال بعمقٍ أكثر، وفي المقابل، ثمة رجال وصفوا مشاعر المرأة برهافة مفرطة ليلتبس الأمر. الإبداع والتميّز والجمال سماتٌ أساسية، أما المشكلات والحلول المتعلّقة بالمرأة أو الإنسانية فلها أمكنة أخرى وأطر مختلفة". 

واختتمت كريدية حديثها بالقول: "في الآونة الأخيرة، طرح العديد من الشباب على وسائل التواصل الاجتماعي اقتراحَ إلغاء جمع نون النسوة، ليكون الجمع موحَّداً للجنسين بلا اختصاص بالنساء. أظنّ أنّ طرح مجرّد اقتراحٍ مماثل ينبئنا بالمستقبل القادم بسرعةٍ خاطفة". 

ميمونة عامر: الأدب النسوي يضيف للمرأة أكثر مما يضيفه للأدب

أما الشاعرة اليمنية الصومالية ميمونة عامر، مؤسِّسة ورئيسة تحرير مجلة "إيلدا العربية" للأدب والإبداع النسوي، فترى في حديث مع "الميادين الثقافية" أنّه "لا يجب جَنْدَرَة الأدب". لكن في رأيها ظهر هذا المسمَّى عندما بدأ الرجل يحتكر مجال النشر والكتابة، وصار ظهور الأديبات ضئيلاً، وربما اضطر بعضهن لتقديم تنازلاتٍ من أجل مشاركة كتاباتهن وأفكارهن.

وبيّنت أنّ "أهمية الأدب النسوي تكمن في إعطائه مساحةً للنساء من أجل التعبير عن أنفسهن، وإعطاء الأخريات الأمل في البدء بالحياة أو الكتابة وعدم القلق والتردّد في الطرح. أما بخصوص ما يطرحه، فكانت المرأة وما زالت تجد متنفساً في التعبير عمّا لا تستطيع التحدث عنه، وإيجاد حلول له إلا عبر الكتابة". 

وعمّا إذا كان الأدب النسوي يعالج كل قضايا المرأة العربية، تقول عامر: "نعم، وإلا كيف كانت ستصل المرأة العربية إلى ما وصلت إليه لو لم تكتب السابقات وحاربن كل الانتقادات والتعليقات المسيئة؟ نحن بحاجةٍ ماسة إلى الاستمرار بالكتابة، ودعم بعضنا البعض لإنقاذ نساء أخريات يجهلن حقوقهن ليس كنساء فحسب، بل يجهلن كذلك أنّ المرأة كإنسان لديه كيان مستقل وحرية الاختيار مثل الآخر". 

وعن إضافات الأدب النسوي وتحدّيات التعبير الإبداعي، قالت: " أنا واحدة من النساء اللواتي غيّرتْهُن كتابات النساء، أصبحتُ أكثر وعياً لحقوقي الإنسانية، وأكثر حرية في ألا أكون تابعة لأفكار وقيود الرجل والمجتمع. يضيف الأدب النسوي إلى الأدب العربي بشكلٍ عام صورةً مختلفة عن صورة المرأة التقليدية التي اعتاد عليها المجتمع الذكوري، بما هي عليه كامرأة جميلة لا صوت لها غير ما يقوله الرجل، أو صوت النساء المبرمَجات وفقاً لما يريده الرجل. الأدب النسوي يضيف إلى المرأة أكثر ممّا يضيف إلى الأدب، فنحتفي اليوم بامرأةٍ قوية ومستقلّة تدرك قيمتها الحقيقية". 

أما بالنسبة لتحدّيات التعبير الإبداعي، فتعتقد ميمونة عامر أنّه التحدي الأصعب الذي يواجه الكتّاب بشكلٍ عام للتعبير عن عواطفهم ومشاعرهم، وما يرغب الكاتب أو الكاتبة في معالجته، وهذا يحتاج إلى الكثير من القراءة والممارسة الكتابية للوصول إلى الطريقة الفُضلى في التعبير.