كأن روحه

غزة، ما زلنا نبحث في تاريخ اللغة عن معنى يطابق إحساسنا الفعلي، ويحدث الصمت كفعل تجاوز لما تحتويه اللغة من تأويل وغموض. زمن التباس وعجز أمام مشهد واحد يختصر أبجدية كاملة.

  • كأن روحه
    كأن روحه

إلى فؤاد المقاومة 

إلى غزة تذهب الروح، تبحث عن ماهيتها، تغرف معنى التضحية، تسأل الشهادة وتتعلّم حياكة العزة من أمهات ونسوة. هناك تعود الروح إلى فطرتها لتنبثق مع شمس الحرية، وتنسكب في شرايين المقاومة. 

إلى هناك تذهب بعيداً تناجي إلفتها، تتماهى مع الزند والزناد، تخرج من صرخة أمّ، من أعماق الجرح، تمضي في عتمة الشوارع، في تآلف الحارات، في هال القهوة، تتعمّق في تاريخ الصبر، تسكن الأجساد، تسكن الأسماء، تسكن الشهداء، تتوضأ بالدموع، وتتطهّر بالدماء.

تمضي الى أبعد وتتعمّق في أنفاق الضوء، في شرايين الأرض، تتراقص في فضاء الأفق، تتحرّر من أغلالها. هناك الروح تدفن هزائمها مع أحذية أطفالها، وتركض خلف الحلم، تمتشق بندقية مقاوم، هناك تنزف الروح خجلها لتمحي عاراً يلفّ المعمورة، تقف أمام بحر غزة لترمي أكذوبة الإنسانية، هل يكفي هذا البحر ؟ هشاشة العالم المتحضّر؟ خساسة النظام الدولي؟ فالأرض ما عادت تتسع لقرابين الطفولة. تقف الروح أمام الركام وتلملم فاجعتها. تصفع وجه البشرية لعلّه يصحو من وحشيته.

غزة، ما زلنا نبحث في تاريخ اللغة عن معنى يطابق إحساسنا الفعلي، ويحدث الصمت كفعل تجاوز لما تحتويه اللغة من تأويل وغموض. زمن التباس وعجز أمام مشهد واحد يختصر أبجدية كاملة. فالمسافة ما بين القلب وبينك على بعد إيمان، والمسافة ما بين العقل وبينك على بعد يقين.

غزة، أنت الأقوى، سلاحك دمك، أطفالك رجال صغار، ونساؤك قديسات، أسراك أحرار، ونضالك أمعاء خاوية، وفتات خبز وحجر، سنبقى نكتب مقدّمات جرحك الثائر، ففي معراج الشهادة سماؤك محاطة بأجمل الشهداء. معك سنتحرّر من كل الهزائم، بتطويع الزمن نردّد أبجدية النصر بتحرير كلّ فلسطين. لعلنا نستعيد مركزية الإنسان من براثن البربرية التي تدمّر البشرية. هذه الدماء تروي ألف عام مقبلة من الأرض الحرّة وتدفن مخلّفات الاستعمار وأيديولوجية الاستعلاء والهيمنة ومحور الإبادة.

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.