هند رجب تطارد المجرمين هل يسندها العربان؟
يعجز القانون الدولي تبعاً للمحكمة الجنائية ومعها محكمة العدل الدولية، عن إنصاف صرخة واحدة من تلك الآهات البريئة التي ظلت تخرق أزيز الرصاص الإسرائيلي.
-
سكت صوت هند الشاهدة على عار الإنسانية بعد أن بُحّ بفعل الدخان واشتعال النيران.
يتواصل صدى صرخات الشهيدة الطفلة هند رجب منذ سنة ونصف السنة، ليطال المجرمين الذين أعدموها مع أهلها والمسعفين، وليؤكّد أنّ الحرب الإسرائيلية الأميركية على غزة لم تحقّق أهدافها بعد، وأنّ الإبادة الجماعية المتواصلة هناك يومياً، تخرقها هذه الصرخات الإنسانية البريئة، وهي تتجسّد في مؤسسة حقوقية عالمية حملت اسم هذه الطفلة التي صرخت لساعات وسط هدير الدبابات وجثث أهلها، فيما العالم الظالم يتابع المذبحة بصمت، حتى سكنت صرخاتها بمزيد من الطلقات ذات العيار الثقيل، ولكنّ الصدى ظلّ يملأ الأفق العالمي من بروكسل حتى نيقوسيا، ليزعج الضمير الإنساني البائس وليؤرق عيش أكثر من ألف ضابط وجندي إسرائيلي شاركوا بدم هند وعائلتها.
سكت صوت هند الشاهدة على عار الإنسانية بعد أن بُحّ بفعل الدخان واشتعال النيران في السيارات وتفحّم الجثث الطرية لكومة من الأطفال الجائعين بعد أن أثخنتهم 335 طلقة خرجت من فوهات رتل من الدبابات خلال 6 ثوانٍ، سكت صوت هند بعد صوت قريبتها ليال، ثم سكنت سيارة الإسعاف المقبلة للإنقاذ بكامل طاقمها وبقي هدير الدبابات، بقي هديرها حتى يشبع المقدّم بني أهارون وكامل اللواء الإسرائيلي المدرّع 401.
جاء مشروع مؤسسة هند رجب، ليطلق في الفضاء القانوني العالمي سحابة برق وصيحة رعد، لن يكون بمقدورها تحقيق العدالة في عالم الحضارة الغربية المتوحّشة، ولكنه فيض من غيث السماء يتندّى كرمى الساعات الست، التي ظلت فيها هند رجب تصرخ عبر بقية شحن هاتف والدها النقّال، وشحنة غضب إنسانية يجدها كامل مجرمي اللواء المدرّع 401 حيثما ارتحل أحدهم أو حطّ في أيّ بلد عبر جواز سفره المزدوج، ليجد هناك صدى صرخات هند رجب تطارده وتدفعه للانتحار، وقد تحوّل إلى منبوذ أجرب ترصده النظرات باعتبار جريمته المتجدّدة هناك في تلّ الهوى، وقد أحالته وحشية لوائه المدرّع إلى تلّ لجثث الأطفال والمسعفين، وركام من أطلال المباني التي أقيمت عبر سنوات الحصار بين حربين كانت ثالثتها تأتي من دون طول انتظار.
يعجز القانون الدولي تبعاً للمحكمة الجنائية ومعها محكمة العدل الدولية، عن إنصاف صرخة واحدة من تلك الآهات البريئة التي ظلت تخرق أزيز الرصاص الإسرائيلي، فلا نتنياهو دخل سجون العدالة الأممية ولا هو معرّض بشكل جدّي للسجن بسبب جرائمه في غزة، وإن كان يحاكم أسبوعياً أمام القضاء الإسرائيلي على فساده الداخلي، ولكنّ دم هند وعشرات الآلاف من أطفال غزة ونسائها ورجالها مستباح في كلّ هذه القوانين عندما يجدّ الجدّ، فالسلاح يأتيه عبر كلّ بحار العالم وسمائه من دون أن يعترضه القانون الدولي، ولا حتى قوانين الدول العربية والإسلامية الشقيقة من القاهرة والدوحة حتى أنقرة وكلّ قطيع المطبّعين الساهرين على ليل المذبحة.
صرخات هند وصبر غزة مع عناد مقاومتها، يغيّر جوانب هامّة في هذا العالم، وهي في مجموعها يمكن البناء عليها لإجبار الغرب على تعديل نظرته للحقّ الفلسطيني المفترى عليه عبر ماكينة الإعلام الغربي الظالم، ثمّة جيل في جامعات النخبة الأميركية الأوروبية ينمو على مشاهد الذبح اليومي في غزة وكلّ فلسطين كما لبنان واليمن وسوريا حتى إيران، والفاعل واحد والسلاح واحد، وغزة تواصل صمودها، وتظاهرات مليونية تملأ الأفق في مدريد ولاهاي كأنها صنعاء وبيروت، وأخرى تشقّ صمت النخب المرتهنة في واشنطن ولندن وبرلين وباريس، ما يأخذ الفضاء الدولي نحو مساحات أكثر عدالة.
تأتي جهود مؤسسة هند رجب القانونية في سياق تعزيز فضاء العدالة الدولية، لهذا حشد الإسرائيلي كامل طاقاته ومختلف علاقاته ليعيقها، عجز في بروكسل أمام القضاء البلجيكي، وتحوّل جنوده الذين ما زالوا يطارِدون الجائعين في مصائد الطعام في غزة، إلى مطارَدِين وسط هدير صرخات هند رجب وقد انتظمت في دفوعات قانونية وعمل منظّم يتابع تحرّكات القتلة عبر مطارات العالم.
وسط التغيّرات العالمية التي تتراكم أمام صمود غزة في وجه الإجرام الإسرائيلي، ومع تضافر جهود مؤسسة هند رجب التي باتت تؤتي أُكلها، يأتي سؤال النظام العربي الرسمي في مدى دعمه لهكذا جهود وهكذا مؤسسة فاعلة، ومعه كامل السفارات الفلسطينية والعربية والإسلامية المنتشرة في كلّ أرجاء العالم، كما الجاليات العربية والإسلامية في أميركا وأوروبا وهي بالملايين، ماذا قدّمت في وقت يمكنها أن تقدّم فيه الكثير، وخاصة في المجالات الآتية:
أولاً: الدعم القانوني عبر الخبرات القانونية والكادر الفني والمؤسسات الحقيقية والوثائق وتقارير المخابرات.
ثانياً: الدعم المالي ما يكفل توسيع نشاط هكذا مؤسسات، ويجنّبها العوز والتقصير في اقتحام كلّ مستوى عالمي يمكن لقلّة المال أن تحول دونه.
ثالثاً: الدعم الإعلامي المكثّف خاصة عبر الفضاء الأوروبي والأميركي، وهو دعم يساعد في تعزيز الرأي العام العالمي ضدّ الإجرام الإسرائيلي، ويشجّع القضاة ورجال القانون في الدول التي تُرفع فيها القضايا ضدّ المجرمين الإسرائيليين لكي يقفوا بشجاعة أمام الضغوطات الرسمية.
رابعاً: تتبّع حركة الإسرائيليين المستهدفين ورحلاتهم السياحية وفضح هوياتهم الحقيقية عندما يتمّ إخفاؤها، وهذا دور قد تعجز عن تحقيقه مؤسسة واحدة، ولكنه ممكن من خلال شبكات المؤيّدين المدعومين من جهات رسمية في عالمنا العربي والإسلامي عبر الجاليات المنتشرة عبر العالم.
خامساً: الحشد الشعبي أمام المطارات والموانئ والمقاهي والفنادق التي يرتادها هؤلاء المجرمون، وهو حشد جماهيري يشجّع الدول الأجنبية على التعامل مع هؤلاء المجرمين كمنبوذين.
ليست جنوب أفريقيا دولة عربية ولا إسلامية، ولكنها حرّكت مياه العدالة الدولية الراكدة، وهو ما أملاه عليها شعورها بالواجب الإنساني ضد الغطرسة الإسرائيلية، لم تخسر جنوب أفريقيا شيئاً إلّا الرضا الأميركي ولكنها كسبت معركة دولية وحقوقية في العلاقات الدبلوماسية، ودشّنت عبر طواقمها القانونية محطة في وضع العالم أمام حقيقته البائسة، نجحت جنوب أفريقيا وهو ما تفعله مؤسسة هند رجب وكلّ المؤسسات الداعمة لمقاطعة "إسرائيل"، ما ينعكس في الداخل الإسرائيلي كعامل ضغط إضافي ليس فقط في وجه حكومة اليمين المتوحّش، ولكن أيضاً ما يراكم أزمة شرعيّة هذا الكيان ويعزّز تصدّعاته الداخلية وهو يجد ذاته تتحقّق كوحش يفترس الأطفال ويقتات على بقايا أجساد المجوّعين في غزة.