هل يكون بمقدور نتنياهو استئناف الحرب على غزة بعد إنجاز المرحلة الأولى من خطة ترامب!

مَن سيوقف "إسرائيل" إذا اختلق نتنياهو ذريعةً لتجديد الحرب بعد إطلاق سراح الأسرى؟ وهل سينجح ترامب في الحفاظ على الضغط على الجانبين؟

0:00
  • قمة شرم الشيخ تأتي كاختبار حقيقي للاتجاهات المقبلة.
    قمة شرم الشيخ تأتي كاختبار حقيقي للاتجاهات المقبلة.

توقفت الحرب لكن نهايتها لم تُحسم بعد، وتسود المخاوف والشكوك من أن "إسرائيل" قد تعود إليها بشكل أكثر توحشاً بعد أن تستعيد أسراها وتتخلص من بعض قيود الميدان التي كانت تمنعها من استخدام القوة التدميرية العمياء المفرطة من دون ضوابط خشية على حياة أسراها. ويبدو كذلك أن الأمر مرجحٌ بنسبة كبيرة في مواجهة مطالب حماس وتطلعاتها من الخطة، حيث تتعامل مع صفقة التبادل باعتبارها المرحلة الأولى والأخيرة في آن واحد مقابل وقف الحرب، في حين ترى "إسرائيل" أن دور حماس ينحصر في تنفيذ المرحلة الأولى ثم عليها أن تُسلم سلاحها وتُسلم حكم القطاع وتختفي من المشهد، لذا فمن غير المرجح أن تتخلى حكومة نتنياهو- سموتريتش- بن غفير بعد عن فكرة الحرب الأبدية، وخاصة إن تعثر تحقيق مطالب "إسرائيل" "سلمياً" عبر الترتيبات التي تقترحها خطة ترامب.

تُشير المعطيات حتى اللحظة إلى أن المرحلة الأولى من الخطة تمضي بسلاسة رغم بعض الخروقات الإسرائيلية، فجميع الأطراف حماس، "إسرائيل" والوسطاء معنيون بإنجاز هذه المرحلة بسرعة، كلٌ لأسبابه الخاصة. لكن التحدي الذي يواجه الجميع يكمن في المراحل التالية التي تبدو أكثر غموضاً وتعقيداً، والتي تتناول قضايا نزع سلاح حماس ونقل السلطة وترتيبات ما بعد الحرب.

وفقاً لنتنياهو، الذي وافق على خطة ترامب على مضض، فإنها مليئة بالثغرات وغير قابلة للتنفيذ، ومن المشكوك فيه أن تنجح في إنهاء الحرب على غزة. أحد أسباب هذا التشكيك هو أمل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بأن يفقد ترامب اهتمامه بالخطة قريباً، خاصة بعد أن يخطف صورة الإفراج عن الأسرى كانتصار وتنتهي الاحتفالية التي يريدها لإشباع نرجسيته وتضخم الأنا لديه الذي يدفعه غالباً إلى السعي خلف الشهرة والتباهي. أما السبب الآخر، فهو رهان نتنياهو على أن حماس لن تلتزم ببنود المراحل اللاحقة من الاتفاق، خاصة فيما يتعلق بنزع السلاح وتسليم حكم القطاع.

والسؤال المشروع، مَن سيوقف "إسرائيل" إذا اختلق نتنياهو ذريعةً لتجديد الحرب بعد إطلاق سراح الأسرى؟ وهل سينجح ترامب في الحفاظ على الضغط على الجانبين؟ يبدو، من وحي التجربة الماضية المريرة، أنه من الصعب تصديق أن ترامب، المتقلب، سيبقى بعد المرحلة الأولى بذات الإصرار والشغف لمنع نتنياهو من تجديد الحرب، وعلى الأرجح سيفقد اهتمامه بخطته وهذا ما يُعوّل عليه نتنياهو تحديداً.

ويبدو كذلك، من ظاهر التصريحات الإسرائيلية الرسمية وتهديدات بن غفير وسموتريتش، أن هذا هو السناريو الأكثر ترجيحاً، ومع ذلك فإن بروز جملة من العوامل والمتغيرات الناشئة في جزء منها عن بدء تنفيذ بنود الخطة، وفي جزئها الآخر عن تبعات تراكمية متدحرجة ناتجة عن استمرار الحرب لسنتين متتاليتن، تجعل من سيناريو نهاية الحرب أمراً ممكناً بعد الاقتراب من إنجاز المرحلة الأولى من الخطة. 

في الظاهر يبدو الفارق الرئيسي بين الخطة المطروحة اليوم وما سبقها من مباردات هو المشاركة الشخصية للرئيس الأميركي، الذي مارس ضغوطًا ليس فقط على حماس، بل على "إسرائيل" وفق ما ذكرت مصادر أميركية وإسرائيلية. ولا شك في أن إلزام الأطراف بالموافقة على الخطة هو إنجاز دبلوماسي لشخصٍ يسعى لأن يُنظر إليه على أنه الرجل الذي أنهى الحرب. ويبدو، أنه هذه المرة بدا متعجلًا ومحبطًا من نتنياهو، فاستخدم القوة التي تمتلكها الولايات المتحدة وحدها للتأثير على "إسرائيل"، ولم يترك لرئيس الوزراء خياراً سوى الموافقة على الخطة.

بالنسبة إلى ترامب، يُعدّ النجاح في هذا المسعى الاختبار النهائي لهدفه الذي فرضه على نفسه كصانع صفقات وصانع سلام، فإذا ما تمكن من الحفاظ على هذه الاتفاقية، وسلّمت حماس الأسرى الإسرائيليين الأحياء لديها هذا الأسبوع، فربما تكون خطوة استثنائية نحو خطة السلام التي يحاول ترامب أن يفرضها على المنطقة. وبالتوازي يبدو أن الوسطاء الذين "وضعوا كل بيضهم في سلة واحدة"، فحضروا في أعلى تمثيل سياسي وأمني تشهده المفاوضات، يرسلون برسالة إلى حماس ونتنياهو على الأخص، أن هذه المرة مختلفة وبأنه لن يُسمح بالتملص حتى تُطبق الاتفاقية كاملة، وربما أن هذا ما أكدته كذلك الخطوات التنفيذية المتسارعة التي بدأتها الولايات المتحدة عبر إرسال 200 من العسكريين الأميركيين إلى "إسرائيل" حيث من المفترض أنهم سيكلفون بالإشراف على اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، وهو ما يشير إلى "أن الولايات المتحدة تتولى بنفسها رئاسة الآليات التنفيذية للاتفاق، وتوفد جنوداً وضباطاً لمتابعة تحركات الطرفين، إسرائيل وحماس وتنسيقها فيما بينهما".

ولو افترضنا، وهذا وارد، أن ضغط الرئيس ترامب لن يستمر وسيصرف اهتمامه عن الخطة بعد تنفيذ المرحلة الأولى منها، فإن استمرار البقاء العسكري الإسرائيلي في غزة من دون تسوية، إن لم تتحقق رؤية ترامب للتسوية، ينطوي على سلسلة من المخاطر الاقتصادية الجسيمة لإسرائيل. من بين أمور أخرى، ارتفاع هائل في العجز والديون. كما أنه من المتوقع أن تتضرر الخدمات المدنية بشكل كبير، وخاصةً الصحة والتعليم والاستثمارات في النقل. إضافة إلى ذلك، سيؤدي هذا السيناريو إلى تفاقم تدهور وضع "إسرائيل" على الساحة الدولية، مع إمكان فرض عقوبات اقتصادية ستضر بشركات التصدير، وخاصةً صادرات التكنولوجيا المتقدمة، والإنتاج المحلي بسبب صعوبة استيراد المواد الخام.

وسيؤدي معدل النمو المنخفض، إلى جانب الإنفاق الدفاعي، إلى عجز كبير وزيادة حادة ومستمرة في نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، حتى فوق 90% بحلول عام 2030. يمكن كذلك، أن يؤدي الجمع بين الضرر الذي يلحق بالخدمات المدنية والأمن وانخفاض النمو والعزلة الدولية إلى زيادة هجرة الشباب ذوي المهارة العالية "هجرة الأدمغة" وتفاقم التدهور الاقتصادي المتوقع. ومن المتوقع أن تكون هذه الهجرة حادة بشكل خاص في قطاع التكنولوجيا العالية، مع تراجع جاذبية "إسرائيل" كمركز للتنمية. في حين أنه من المرجح في حال تمت التسوية أن يعود الاقتصاد الإسرائيلي بسرعة إلى مساره الطبيعي حتى قبل نهاية ولاية حكومة نتنياهو.

والأهم أن نتنياهو سيجد بعد إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين، الذين كان يتخذهم ذريعة لشرعنة استمرار الحرب، صعوبة في تجنيد المجتمع الدولي، وربما حتى الأميركي، حول حربه التي ستفقد بريق ورقة التعاطف مع الأسرى، ما سيعاظم العزلة الدولية والضغط الدولي على "إسرائيل"، خاصة إذا ما عادت الحرب بوتيرة أكثر بطشاً وتدميراً ومن دون قيود، مع زوال الخشية من أن يؤدي فرط القوة التدميرية إلى إيذاء الأسرى الذين لم يعودوا موجودين في القطاع. فالمأساة الإنسانية والقتل الجماعي والدمار واسع النطاق سيكون سبباً رئيسياً لموقف "إسرائيل" الصعب في العالم الذي سيبدو أكثر سخطاً على "إسرائيل" بسبب عدم استجابتها للإرادة الدولية التي تجلت في الحضور الواسع لقيادات ورموز سياسية وازنة من مختلف دول العالم للمشاركة في التوقيع على الاتفاق وفي القمة التي سيعقدها الرئيس الأميركي حول غزة في شرم الشيخ. 

إضافة إلى ما ذُكر، وفي حال التزم الأطراف بتنفيذ الخطة، فهناك احتمال توسيع اتفاقيات أبراهام التطبيعية، التي يعتبرها ترامب، مشروعه الشخصي وإرثه الذي سيسعى للمحافظة عليه وتوسيعه، في السنوات الثلاث أو أكثر، المتبقية له في البيت الأبيض. فإذا ما حاول نتنياهو الخداع والتهرب، فعلى الأرجح سيواجه رئيساً متوتراً يسعى جاهداً للفوز بجائزة نوبل للسلام، إن لم يكن هذا العام، فربما العام المقبل. 

أخيراً، وفي ذات السياق، تأتي قمة شرم الشيخ كاختبار حقيقي للاتجاهات المقبلة، فهي قد تكشف إذا ما كان الطرفان برعاية الوسطاء يسيران نحو تسوية تدريجية مشروطة أم نحو استمرار الوضع القائم، أي ما يمكن وصفه بهدوء بلا حل جذري وهيمنة إسرائيلية مطلقة على المشهد في غزة، حيث يفضل نتنياهو مواصلة الضغط العسكري والإبقاء على حرية العمل الأمني الإسرائيلي مع التحكم بملفات الإعمار والمعابر وإبقاء غزة تحت إدارة شكلية أياً كان من يحكمها طالما أن السيطرة الإسرائيلية ستظلّ قائمة.