من الوعد الصادق الأول إلى الثاني.. فمتى الثالث؟
ماذا كان سيفعل الكيان الصهيوني في مواجهة العمليات العسكرية الإيرانية، ومعها السورية واللبنانية واليمنية والفلسطينية، في حال المواجهة الشاملة والتاريخية لإغلاق ملف ما يسمى القضية الفلسطينية إلى الأبد؟
في الوعد الصادق الأول، خلال حرب تموز/يوليو 2006، راهن كثير من المتواطئين والعملاء والخونة في المنطقة وخارجها على هزيمة حزب الله والمقاومة في لبنان، إلى أن جاءهم الوعد الصادق الثاني، السبت الماضي، ليبشّرهم بالنهاية القريبة للكيان الصهيوني.
ولم تمنع هذه الحقيقة هؤلاء من التشكيك في أهمية الوعد الصادق الثاني، كما هم شككوا في الوعد الصادق الأول، وبينهما الكثير من الأحداث التي أثبتت سقوط كل رهاناتهم في مقابل الصمود والنضال لقوى المقاومة، دولاً وأحزاباً وتنظيمات، كما هي الحال فيما يسمى "الربيع العربي"، الذي لم يشهد التاريخ الحديث له مثيلاً، من حيث الغدر والخيانة والقتل والدمار، بحيث تحالفت وتكالبت العشرات من الدول والقوى الإمبريالية، ومعها عدد من الدول الاقليمية المتواطئة ضد سوريا ومن معها في جبهة الدفاع عن الوطن وما تبقّى من الشرف والكرامة العربيين والإسلاميين.
وجاء طوفان الأقصى وما نتج منه من معادلات إقليمية ودولية جديدة أراد المجرم نتنياهو أن يستغلها لتجر المنطقة إلى دوامة جديدة من الصراعات الخطيرة، بعد أن فشل الكيان الصهيوني في تصفية حساباته مع حماس في غزة، وكل الشبان الفلسطينيين في الضفة الغربية، على الرغم من كل الدعم الذي حصل عليه هذا الكيان، دولياً وإقليمياً.
وهذا ما يفسر مساعي بعض الأوساط في الدول العربية والإسلامية للتشكيك في جدوى الرد الإيراني على إرهاب الكيان الصهيوني، بحجة أن طهران أبلغت واشنطن مسبّقاً ردَّها، كما أنها تحدثت إلى عواصم إقليمية بشأن هذا الموضوع.
ومن دون أن تتذكر هذه الأوساط أن لواشنطن عشرات القواعد الجوية والبحرية في جميع دول المنطقة المحيطة بإيران، يضاف إليها عدد من الأقمار الاصطناعية التي تراقب الأجواء الإيرانية على مدار الساعة من أجل رصد أي صاروخ قد تطلقه طهران في اتجاه الكيان الصهيوني، وهو ما تقوم به قاعدة كوراجيك الأميركية في تركيا والقريبة من إيران.
وتنسق هذه القاعدة مع رادارات الأسطول الخامس في البحرين، والسادس في الأبيض المتوسط، وكلها معاً تحمي الكيان الصهيوني. ولولا هذه الحماية الإقليمية والدولية لكان الوعد الصادق الثاني بداية للوعد الصادق الثالث، الذي سيكون بداية النهاية لهذا الكيان، الذي لم يُخفِ عدد من ساسته، ومنهم رئيسا الوزراء السابقان إيهود باراك وإيهود أولمرت، قلقهم من احتمالات دماره قبل أن يحتفل بمئويته الأولى.
وهو ليس مستبعداً في حالة واحدة، وهي إغلاق القواعد الأميركية والبريطانية والفرنسية في الدول العربية والإسلامية المجاورة لإيران، والقريبة منها، والتي انطلقت منها طائرات الدول المذكورة للتصدي للمسيرات والصواريخ الإيرانية التي أطلقتها طهران يوم السبت الماضي.
وذكّرت "إسرائيل" ومن فيها بأن السبت لم يعد يوماً دينيا بالنسبة إليهم، بعد أن دهمهم مقاتلو حماس في سبت مماثل في الـ 7 من أكتوبر الماضي، في الوقت الذي اختارت سوريا ومصر السبت أيضاً لتدمرا فيه خطوط الدفاع الإسرائيلية الأولى في حرب الـ 6 اكتوبر 1973.
والسؤال الأهم في هذه الحالة هو ماذا كان سيفعل الكيان الصهيوني في مواجهة العمليات العسكرية الإيرانية، ومعها السورية واللبنانية واليمنية والفلسطينية، في حال المواجهة الشاملة والتاريخية لإغلاق ملف ما يسمى القضية الفلسطينية إلى الأبد، وسببها في الأساس تواطؤ الأنظمة العربية والإسلامية قبل "قيام الدولة العبرية" في أرض فلسطين وبعده.
في هذا الوقت، يعرف الجميع أن حزب الله ومن معه في المقاومة الوطنية والمقاومة الإسلامية في لبنان فقط يستطيع أن يغلق هذا الملف في وعده الصادق الثاني، بعد أن لقّن الكيان الصهيوني درس الهزيمة الأول في حرب تموز/يوليو، وكرّر هذا الدرس لأعوانه في أعوام الربيع العربي، والآن في دعمه الحقيقي والعملي لانتفاضة الشعب الفلسطيني في طوفان الأقصى في غزة والضفة الغربية.
ويعرف الجميع أن حزب الله اليوم، بعد وصول الصواريخ الإيرانية إلى فلسطين المحتلة، ليس حزب الله في القصير، كما هو ليس حزب الله في تموز/يوليو 2006. فعشرات الآلاف من صواريخ حزب الله، وعدد مماثل من مسيراتها الانتحارية، تستطيع أن تخترق المجال الجوي الإسرائيلي بسهولة في نقطة الصفر عند الحدود المشتركة لتدمر العدد الأكبر من الأهداف، العسكرية منها وغير العسكرية، الأمر الذي سيعني نهاية الكيان، وخصوصاً في هذه المرحلة التي يعيش "الجيش" الإسرائيلي أحطّ معنوياته القتالية، بعد أن فشل في القضاء على حماس، فكيف له أن يواجه مقاتلي حزب الله، وسيتضامن معهم عشرات الآلاف، إن لم نقل مئات الآلاف، من الأبناء والبنات والرجال والنساء من الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية أيضاً.
لكل ذلك شرط واحد، هو أن تبقى كل الأنظمة العربية والإسلامية في المنطقة على الحياد، وألّا تسمح لأميركا وحليفاتها باستخدام قواعدها في دول هذه الأنظمة، التي لم تتمادَ في عدائها لإيران خلال عملية الوعد الصادق الثاني.
فعلى سبيل المثال، لم نرَ أحداً من هذه الأنظمة (باستثناء الأردن) يعلن موقفاً معارضاً، بصورة علنية ورسمية، للرد الإيراني المشروع، وفق المواثيق والمعاهدات والقوانين الدولية.
والأغرب في الموضوع أن عدداً كبيراً من الدول الغربية أيضاً لم يندد أو يستنكر العملية الإيرانية، على الرغم من هجوم الإعلام الصهيوني والمتصهين في هذه الدول والدول العربية والإسلامية، التي توجد فيها القواعد العسكرية الإمبريالية على إيران. ولكل لها أسبابها المعروفة لذلك.
ربما السبب في كل ذلك هو الخوف من الانتقام الأكبر من إيران وحلفائها على أي غطرسة إسرائيلية جديدة ضد إيران أو سوريا أو لبنان، بعد أن تجاهل الجميع كل ما قام به الكيان الصهيوني من جرائم وحشية ضد الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية.
وربما، لأول مرة، بعد عدد من الانتكاسات وخيبات الأمل، آمن هذا الشعب، بعد وصول الصواريخ الإيرانية إلى العمق الإسرائيلي، بأنه لم يعد بمفرده في ساحات القتال والصمود والتصدي، وأن تضحياته لم تذهب سدىً، ما دام أكثر من وعد صادق بات وشيكاً، ليس فقط من إيران، بل من لبنان وسوريا والعراق واليمن وكل بلد ما زال فيه نَفَس ونبض قومي وإسلامي حي، سيجبر أنظمة المنطقة على التفكير ألف مرة قبل أي موقف قد يكون لمصلحة الكيان الصهيوني، بصورة مباشرة أو غير مباشرة.
هذا بالطبع إن لم يدفعها إلى التفكير في أسلوب جديد، قد يساهم في خلق معادلات إقليمية جديدة تحقّق الأمن والاستقرار والسلام للجميع، بعيداً عن حسابات الدول والقوى الخارجية، والتي بات البعض منها مقتنعاً بأن الكيان الصهيوني تجاوز كل الحدود، وحان الأوان لإيقافه عند حده، عبر الإقناع أو الإكراه. ولا سبيل إلى ذلك إلا بالوعد الصادق الثالث، وإن لم يكفِ فالرابع، وهو الذي سيحسم كل شيء!