طريق "عربات النار" مليء بالمطبات
هل تستطيع مناورة "عربات النار" التي يشارك فيها 20 ألف جندي إسرائيلي تعزيز قوة الردع الإسرائيلية؟
أطلق "الجيش" الإسرائيلي أكبر مناورة عسكرية تدريبية تحت اسم "عربات النار" تحاكي الحرب على كل الجبهات، في آن واحد، لمدة شهر كامل، تشترك فيها أذرعها العسكرية البرية والبحرية والجوية كافة، بالإضافة إلى الذراع السيبرانية. ويحاكي التدريب عمليات دفاعية على الجبهة الداخلية الإسرائيلية، والاستعداد للقيام بعمليات عسكرية هجومية بمختلف أشكالها، على ضوء التهديدات المتعاظمة على الأمن القومي الإسرائيلي من مختلف الجبهات. تجدر الإشارة إلى أن المستوى السياسي والأمني الإسرائيلي ركز على موضوع تأهيل القدرات العملياتية الإسرائيلية على توجيه ضربة عسكرية للمشروع النووي الإيراني بشكل كبير، من خلال خطة عملية متكاملة، الأمر الذي تفاجأت الحكومة الإسرائيلية الحالية بأنه غير موجود عند أخذها زمام الحكم في "إسرائيل" قبل عام.
تهدف مناورة "عربات النار" من الناحية العسكرية إلى رفع جاهزية "الجيش" الإسرائيلي، وزيادة حصانة الجبهة الداخلية الإسرائيلية في وقت الحروب، وتقليل خسائرها المتوقعة، بالإضافة إلى معالجة الأخطاء السابقة التي برزت في معركة "سيف القدس"، ولكن يبقى الأهم من وراء تلك المناورة أهدافها السياسية، والتي ترتكز على توفير رسالة ردع فعلية، تحاول "إسرائيل" إرسالها إلى الجبهات المهددة لها، وفي مقدمتها إيران. يبقى التساؤل المركزي: هل تستطيع مناورة "عربات النار" التي يشارك فيها 20 ألف جندي إسرائيلي تعزيز قوة الردع الإسرائيلية؟ أم أن هناك مطبات حقيقية أمامها من الممكن أن تعرقل تحقيق ذلك؟
يعتبر من أهم شروط تعزيز قوة الردع لأي جهة، امتلاكها القدرة العسكرية القادرة على تنفيذ تهديداتها في ساحة المعركة، بالإضافة إلى القدرة السياسية على اتخاذ قرار تفعيل تلك القدرات العسكرية في أي وقت، وبالتالي تتشكل قناعة راسخة لدى الخصم بمصداقية التهديد، الأمر الذي يجعله يغير من سلوكه بناء على فحوى رسالة التهديد. بالنسبة إلى "إسرائيل" قد تستطيع مناورة "عربات النار" تعزيز القدرة العسكرية إلى حد ما، ولكن تبقى إمكانية "إسرائيل" السياسية في تنفيذ تهديداتها العسكرية محل شك كبير، لعدة أسباب أهمها:
أولاً، الولايات المتحدة الأميركية غير مقتنعة ولا مستعدة للذهاب إلى الخيار العسكري في مواجهة المشروع النووي الإيراني حتى الآن، فرغم أن مناورة "عربات النار" تأتي في وقت توقف التفاوض بين إيران وأميركا حول بنود الاتفاق النووي الجديد، الأمر الذي يمكن أن يجعل من تلك المناورة رسالة تهديد لإيران، فإن البديل من الاتفاق هو الخيار العسكري، لكن إيران تدرك أن "إسرائيل" حتى ولو امتلكت القدرة العسكرية لمهاجمة منشآتها النووية، إلا أنها تحتاج لإقناع الأميركي بهذا الخيار، والأهم أنها لن تذهب إلى الخيار العسكري من دون أن تكون ضمن تحالف عسكري بقيادة الولايات المتحدة الأميركية. بمعنى آخر، لا تستطيع "إسرائيل" مهاجمة إيران بمفردها، ما لم توجد أميركا فعلياً في المعركة، خاصة أن "إسرائيل" مقتنعة بأن الأمر الوحيد الذي يجبر إيران على العودة إلى التفاوض والقبول بالشروط الإسرائيلية هو المزاوجة بين التهديد الأميركي الفعلي والتهديد الإسرائيلي بالذهاب إلى الخيار العسكري.
تجدرالإشارة إلى أن مناورة "عربات النار" واكبها سفر وزير الأمن الإسرائيلي بيني غانتس إلى الولايات المتحدة الأميركية، من أجل تقديم آخر المعلومات الاستخبارية عن المشروع النووي الإيراني، ومحاولة إقناع الأميركيين بخطورة استثمار إيران حالة الفراغ الناتج عن اللا اتفاق واللا زيادة في العقوبات، الأمر الذي يساهم في تسريع وصول إيران إلى مراحل متقدمة في مشروعها النووي، لذلك صرح بيني غانتس أن" الثمن الناتج من مواجهة التحدي الإيراني اليوم أعلى بكثير مما كان قبل عام، وأقل بكثير مما سيكون بعد عام".
لكن الولايات المتحدة الأميركية، وخاصة بعد تولي جو بايدن سدة الرئاسة، تعزز لديها خيار الانسحاب الآمن من قضايا الشرق الأوسط باتجاه قضايا أكثر استراتيجية بالنسبة لها، في ظل تهديد متنام لمكانتها كقطب واحد متحكم بالحلبة الدولية، أضف إلى ذلك أنه من دون الوصول إلى حل للأزمة الأوكرانية الروسية التي تأخذ جل اهتمام ساسة البيت الأبيض في الوقت الحالي، خاصة مع تأثيراتها الجيدة في رضى الشارع الأميركي عن إدارة جو بايدن لتلك الأزمة، والتي بالتأكيد تفكر في استحقاقات الانتخابات النصفية كأولوية، لن يكون هناك تهديدات جادة بعقوبات أميركية جديدة تجاه ايران، ناهيك بأن أي حرب جديدة في الشرق الأوسط مع إيران وصفة مؤكدة لارتفاع أسعار النفط العالمي، آخر ما يسعى إليه الأميركي الباحث عن توفير بدائل عن النفط والغاز الروسيين بأقل الأثمان من الشرق الأوسط، بل إن حرباً ضد إيران ومحورها من المحتمل أن تخلط أوراق الأزمة الأوكرانية الروسية في اتجاه تدحرجها إلى حرب عالمية ثالثة.
ثانياً، ضعف الحكومة الإسرائيلية يؤثر في قدرة اتخاذ قرارات الحرب والسلم، خاصة أن حالة الاستقطاب والخصومة في المشهد السياسي الإسرائيلي الداخلي وصل إلى مستويات غير مسبوقة، دفعت الكثير من الساسة الإسرائيليين إلى التحذير من انهيار المجتمع والكيان الإسرائيليين، أضف إلى ذلك أن الحكومة الإسرائيلية باتت عاجزة بل إن استمرار قيامها أقرب إلى الخيال منه للواقع، في ظل الاستقالات المتكررة من الائتلاف الحكومي، الذي جعل:
- الحكومة تمثل الأقلية داخل الكنيست، وبالتالي زاد من شللها التشريعي، وباتت في حاجة إلى البحث عن داعمين لتشريعاتها من خارج الائتلاف الحكومي وهذا مرتبط بتعقيدات الابتزازات السياسية والشخصية إن حدث أصلاً.
- بات الطريق ممهداً لتقديم المعارضة مقترح حل الكنيست، إذ في حال تصويت القائمة المشتركة بالإضافة إلى غيداء الزعبي وعيديت سليمان المستقيلتين يتم حل الكنيست، وتبقى حكومة تسيير أعمال حتى الانتخابات المقبلة، التي يجب اجراؤها خلال 90 يوماً من حل الكنيست، وبالتالي تفقد الحكومة الكثير من شرعيتها لاتخاذ قرارات مصيرية لها علاقة بالأمن القومي، والأهم أن ذلك يعيد "إسرائيل" إلى دوامة الانتخابات المتكررة من دون القدرة على تشكيل حكومة مستقرة وقوية.
- الذهاب إلى أي معركة عسكرية سينظر له الشارع الإسرائيلي في إطار المصالح الحزبية لنفتالي بينت وشركائه في الحكومة، وحالة من توريط "إسرائيل" بحرب من أجل مكاسب حزبية وشخصية، وبالتالي تفقد هذه المعركة شرعيتها أمام الجمهور الإسرائيلي، الأمر الذي سيدفع بـ"الجيش" والمؤسسة العسكرية ألا توافق على معركة في مثل هذه الظروف ، حتى ولو كان "الجيش" يخطط لمعركة مفاجئة. أنه في مثل هذه الظروف والتعقيدات السياسية سيكون الانتظار سيد الموقف ما لم تفرض المعركة عليهم.