سوريا الجديدة .. حلبة مصارعة أم تصفية حسابات؟

سوريا تحوّلت إلى حلبة مفتوحة تتصارع فيها العديد من الدول والقوى التي وضعت لنفسها الكثير من الحسابات التكتيكية والاستراتيجية ومعظمها خطيرة ودموية.

0:00
  • كيف تحوّلت سوريا إلى حلبة صراع مفتوحة؟
    كيف تحوّلت سوريا إلى حلبة صراع مفتوحة؟

لا يمر يوم إلا ونرى جميعاً أو نقرأ في شبكات التواصل الاجتماعي العشرات، إن لم نقل المئات، من الفيديوهات والأخبار عن تفاصيل التطورات السورية الداخلية، ومعظمها يأتي في إطار نظريات المؤامرة، إن لم نقل المؤمرات على الصعيدين الداخلي والخارجي، أي الإقليمي والدولي.

وتعكس معظمها، وبكل وضوح، الخلافات والصراعات السياسية والعسكرية بين أجنحة النظام الحاكم في دمشق، كما تثبت لنا جميعاً الكمّ والكيف في تشابك علاقة الأطراف المتصارعة مع عواصم إقليمية بأجهزتها المختلفة، وفي مقدّمتها أنقرة والدوحة والرياض وأبو ظبي.

ومعروف ارتباطاتها جميعاً بواشنطن ولندن وباريس وبرلين، والجميع في خدمة "تل أبيب"، بعلم أو من دونه، وبشكل مباشر أو غير مباشر، كما كانت الحال عليه منذ بدايات "الربيع العربي" الدموي.

وهو ما تثبته المعلومات السرية منها والعلنية التي باتت تتحدث بشكل جدي عن حوار مباشر بين حكام دمشق الجدد مع "تل أبيب" التي فرضت، عبر واشنطن، على النظام الجديد في سوريا الرضوخ لمطالبها، واعتبار ذلك الشرط الرئيسي، إن لم يكن الوحيد، للاعتراف الأميركي بنظام أحمد الشرع، وبالتالي لرفع العقوبات الأميركية والأوروبية عن سوريا.

ويبدو واضحاً أن سوريا قد تحوّلت إلى حلبة مفتوحة تتصارع فيها العديد من الدول، والقوى التي وضعت لنفسها الكثير من الحسابات التكتيكية والاستراتيجية  خطيرة ودموية بمعظمها.

ومن دون أن يبالي أحد بأحاديث التقسيم التي باتت تهدد مستقبل هذا البلد، ويعرف الجميع أنه قفل ومفتاح كل السيناريوهات المستقبلية، على الأقل للأعوام الخمسين القادمة، قد تقل أو تزيد، وفق التغييرات المحتملة خلال الفترة القصيرة القادمة.

وسيحدّد التدخل الإسرائيلي ووجوده العسكري في الجنوب السوري قصر أو طول هذه الفترة الزمنية، ما دامت ستؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على مستقبل الشرق السوري، واحتمالات اعتراف دمشق مضطرة بالحكم الذاتي أو الفدرالي للكرد هناك وبحماية أميركية مباشرة.

وسيعيد ذلك إلى أذهان الجميع ذكريات سايكس - بيكو وسيفر وبينهما بلفور، إذ إن الورقة الكردية تؤثر وتتأثر بحسابات كل الأطراف الإقليمية والدولية، وفي مقدمتها تركيا التي يعيش فيها معظم كرد المنطقة (١٥ مليون على الأقل) ومعها حكام قطر الذين يتنافسون، تقليدياً وعشائرياً وتاريخياً، مع حكام الإمارات والسعودية، وكل يستعد لإعلاء ولائه المطلق للرئيس ترامب خلال زيارته القادمة للفترة 13-16 الشهر القادم، وبعدها سيستقبل الرئيس إردوغان في البيت الأبيض.

ويعرف الجميع أن الولاء بالنسبة إلى الرئيس ترامب يعني في الوقت نفسه الولاء للكيان الصهيونى في إطار الاتفاقيات الإبراهيمية أو خارجها، وأياً كانت الصيغة والمضمون.

وسيتسابق حكام المنطقة في ما بينهم لإثبات ولائهم لترامب، عبر دورهم المباشر وغير المباشر والسري والعلني في التأثير أولاً على حكام دمشق الجدد للتطبيع مع "تل أبيب"، وثانياً عبر الضغط على الثنائي اللبناني عون- سلام لحسم موضوع نزع سلاح حزب الله، وقبل أو بعد ذلك، إغلاق ملف حماس وقد أحيل موضوعه إلى الرئيس محمود عباس الذي زار دمشق فجأة 18 الشهر الجاري.

فطلب من أحمد الشرع التنسيق والتعاون معه ضد حماس وكل الفصائل الفلسطينية التي كانت موجودة في دمشق خلال السنوات الماضية، على أن يكون ذلك ثمناً للاعتراف الأميركي ومعه الإسرائيلي بشرعية نظامه الجديد في دمشق.

وتريد لها أنقرة أن تكون بوابتها الواسعة للحوار المباشر وغير المباشر عبر الوسيط الأذربيجاني والقطري مع "تل أبيب"، التي يعرف الجميع أطماعها في الشرق السوري بموقعه الاستراتيجي المجاور لتركيا والعراق، وسيطرته على نهري دجلة والفرات، حلم بني إسرائيل، دينياً و أسطورياً.

ويفسر كل ذلك المنافسة، وليس المواجهة، بين "تل أبيب" وأنقرة في سوريا التي ترى فيها بعض الأوساط القومية التركية امتداداً جغرافياً وتاريخياً لأحلامها العثمانية، التي لم تتناقض أبداً مع الحسابات اليهودية والصهيونية في فلسطين، وعبرها في المنطقة عموماً.

وبات واضحاً، وباعتراف العديد من المسؤولين الأميركيين وغيرهم، أنها تعرضت لما تعرضت له في سنوات "الربيع العربي" الذي انتهى بإسقاط الرئيس الأسد فقط، خدمةً للمشروع الصهيو- أميركي الذي لعبت فيه، وما زالت، كل أنظمة الخليج ومعها تركيا دوراً أساسياً بات أكثر وضوحاً بتنافس وصراع كل الأطراف للحصول على حصة الأسد في الكعكة السورية بمجمل سيناريوهاتها المحتملة.

وأهمها استمرار الحديث عن احتمالات المواجهة الدموية بين الفصائل والمجموعات المسلّحة بعناصرها الأجنبية، واختراقها ليس صعباً من قبل أجهزة المخابرات الإقليمية والدولية مع المعلومات التي بدأت تتحدث عن عودة محتملة وقوية لـ"داعش"، وهو الاحتمال الذي إن تحقق فأبواب جهنم ستفتح على مصراعيها أمام كل السيناريوهات التي لن تتردد "تل أبيب" في استغلالها والاستفادة منها، مع استمرار غباء إن لم نقل تواطؤ أنظمة المنطقة التي تعتقد أن سيطرتها على وزارة أو وزارتين أو فصيل وفصيلين في دمشق سيحقق لها كل أطماعها وحساباتها في سوريا وعبرها في المنطقة، التي لم يستخلص حكامها أي درس من تجاربها لأنهم هم أساساً السبب فيها.

وفي نهاية المطاف، يبقى الرهان على الحد الأدنى من العقلانية والحنكة السياسية ومن دونها لا ولن يحالف الحظ  أحداً من أطراف المنافسة لتحقيق أي من أهدافها في سوريا، ومن دون "لملمة وضبضبة" أمورها في أسرع ما يمكن، فالحظ لا ولن يحالف هذا البلد وشعبه العظيم بكل أطيافه كي يفتح صفحة جديدة في حياته، و بدعم أشقائه العرب والمسلمين.

وإن استمروا في عدائهم التقليدي لبعضهم البعض فالتاريخ سيعود بنا جميعاً إلى سنوات الاقتتال العربي - العربي و الإسلامي - الإسلامي وما بينهما الإسلامي -الصليبي.

وقطف اليهود والصهاينة دائماً ثمار كل ذلك كما الحال عليه الآن، إن كان في غزة ولبنان أو سوريا، التي قتل في سفوح قاسيونها قابيل أخاه هابيل من الغيرة والحسد، وهي مستمرة بأشكال مختلفة، بعلم أو جهل، كان سببه وما زال حكام المنطقة الذين سيأتي اليوم الذي سيعلمون فيه "أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ" بعد أن ظلموا شعوبهم، وكانوا دائماً في خدمة أعداء الله والإسلام!