تركيا وواشنطن هل من خلاف حول وحدة الصومال؟
تعمل تركيا على إعادة بناء سلاح بحري فعّال، ويقوم مستشارون بتدريب عناصر خفر السواحل الصوماليين، لحماية الاستثمارات التركية من تهديدات القرصنة النشطة في المنطقة.
-
تطورت العلاقة بين الصومال وتركيا عبر المساعدات الإنسانية منذ عام 2011.
علاقات تركيا بالصومال قديمة؛ منذ أن ساعدت أنقرة واشنطن في تدخلها العسكري في الصومال عام 1993، واليوم ترسخ تركيا نفسها بديلاً من فرنسا في البلدان الأفريقية التي يتم الانسحاب منها.
للصومال موقع محوري في استراتيجية أنقرة الأفريقية، بفضل موقعه على طول طرق تجارية حيوية، وامتلاكه موارد نفطية غير مستغلة.
تطورت العلاقة بين الصومال وتركيا عبر المساعدات الإنسانية منذ عام 2011 لتصبح أكثر استراتيجية،إذ أصبحت مقديشو تعدّ المركز الرئيسي للوجود التركي.
موّلت أنقرة مشاريع حيوية شملت إعادة تأهيل مطار آدم عدي الدولي في مقديشو، تحديث ميناء العاصمة ليصبح أكثر كفاءة وبناء بنية تحتية صحية متطورة. ضمنت أنقرة تدريجياً هيمنة مباشرة على قطاعات استراتيجية من الاقتصاد الصومالي، وحصلت شركات تركية مقربة من حكومة إردوغان على امتيازات طويلة الأجل من دون مناقصات لإدارة البنية التحتية الرئيسية.
وإلى جانب تشغيل الموانئ والمطارات، تمنح هذه السيطرة تركيا نفوذاً سياسياً واقتصادياً كبيراً، إذ إن من يتحكم في هذه البنى التحتية يمتلك تأثيراً واسعاً على حكومة مقديشو.
وكانت تركيا قد استثمرت في المجالين الديني والتعليمي في أفريقيا، وهي تعدّ قطاع التعليم أداة لاختراق ثقافي واقتصادي طويل الأمد.
أعطت منحاً تعليمية لشبان صوماليين في الجامعات التركية، وموّلت مدارس وبرامج تعليمية داخل الصومال، أسست خلالها شبكة علاقات من كوادر مهنية عليا تلقوا التعليم في تركيا منهم مسؤولون حكوميون ورجال أعمال صوماليون.
العلاقة الأمنية والعسكرية
افتتحت تركيا قاعدة عسكرية ضخمة في مقديشو في أيلول/ سبتمبر 2017، بالقرب من الميناء والمطار، ما يجعلها أكبر منشأة عسكرية تركية خارج البلاد.
تلقى معظم الجنود التدريب، وتم الاهتمام بالنخبة مثل "كوماندوز غورغور" التابع للجيش. الهدف المعلن لهذا الوجود العسكري المكثف هو مساعدة الصومال في محاربة الحركات الجهادية، ولا سيما تهديد حركة الشباب، المرتبطة بتنظيم القاعدة النشطة منذ عام 2006.
زوّدت تركيا حكومة مقديشو بأسلحة متطورة، وعلى رأسها الطائرات المسيّرة الهجومية "بيرقدار تي بي 2 "، وجرى تعزيز الوجود العسكري التركي في الصومال، وأبرمت معاهدة تعاون عام 2016 في مجالي الطاقة والتعدين بين البلدين، ركزت على احتياطات ضخمة من النفط والغاز الطبيعي، صادقت تركيا رسمياً على تلك الاتفاقية بعد سنوات، وعمل الصومال على قانون جديد للنفط، وأنشأ هيئة البترول الصومالية وتمّت دعوة شركة البترول التركية الحكومية رسمياً لإجراء عمليات استكشاف الهيدروكاربون في المياه الصومالية.
التوترات الجيواستراتيجية ودور الوساطة
تعمل تركيا على إعادة بناء سلاح بحري فعّال، ويقوم مستشارون بتدريب عناصر خفر السواحل الصوماليين، لحماية الاستثمارات التركية من تهديدات القرصنة النشطة في المنطقة، أو العمليات المرتبطة بالنزاعات الإقليمية.
حاولت تركيا العمل كوسيط لحل النزاعات بين الحكومة المركزية الصومالية والمناطق ذات النزعة الانفصالية مثل أرض الصومال. وهدفت إلى إعادة توحيد البلاد أو على الأقل إيجاد صيغة تفاهم مشتركة.
لكي توازن أيضاً بين مصالحها ومصالح قوى إقليمية أخرى، وعلى رأسها إثيوبيا التي تعدّ اليوم شريكاً لكل من مقديشو وأنقرة، حاولت العمل لضمان استقرار الصومال وكان البرلمان التركي قد وافق في يوليو\ تموز 2024 على مقترح وقّعه الرئيس رجب طيب إردوغان، ينص على نشر قوات تركية في مناطق في الصومال تحددها الدولتان بشكل مشترك بما يشمل مناطق نفوذ بحرية صومالية، لمدة عامين.
وقّعت تركيا اتفاقات دفاعية مع عدد من الدول في مختلف أنحاء القارة، بما في ذلك الصومال وليبيا وكينيا ورواندا وإثيوبيا ونيجيريا وغانا.
يوجد في بعضها، مجموعات كحركة "الشباب" في الصومال و"بوكو حرام" في نيجيريا و"جيش الرب للمقاومة" الذي نشأ في أوغندا.
إلا أن احتمال تعرُّض الوجود التركي في الصومال لهجمات إرهابية، أو حتى جرّ تركيا إلى معركة مع حركة الشباب وارد، خصوصاً مع إعلان الحركة، رفضها لهذه الاتفاقية واعتبارها باطلة، وأن الهدف منها هو توسيع الهيمنة التركية في المنطقة.
وقد تعرَّضت المصالح التركية سابقاً لهجمات عدة من قبل حركة "الشباب" طالت سفارتها، ومكتب الطيران التركي، وعدداً من رجال الأعمال الأتراك، وقاعدتها العسكرية.
غموض مستقبل التوتر الحاصل حالياً بين أنصار الله والقوات الأميركية والبريطانية في البحر الأحمر وباب المندب، واحتمال تعقُّد الأمور يبدو وارداً، إذ إن الموقع الجغرافي للصومال، على الساحل الشرقي لقارة أفريقيا، يشكل جزءاً من القرن الأفريقي، يحدّه من الشمال خليج عدن اليمني وجيبوتي، ومن الغرب إثيوبيا، والمحيط الهندي شرقاً، وكينيا جنوباً.
وبين الصومال واليمن ممرٌ مائي لطالما قطعه اللاجئون اليمنيون والصوماليون بزوارقهم خلال رحلات لجوئهم من اليمن إلى الصومال وبالعكس. للولايات المتحدة حالياً قاعدة في جيبوتي المجاورة، إلى جانب عمليات عسكرية صينية وأوروبية". أرض الصومال ستكون بالنسبة إلى الأميركيين خياراً أقل ازدحاماً لمراقبة الممر المائي، وشن ضربات محتملة ضد أهداف الحوثيين في اليمن".
وفق الصحف العالمية، فإن ممثلين عن الصومال وعن أرض الصومال أرسلوا رسائل إلى ترامب خلال الفترة الماضية، يعرضون عليه فرصاً للاستثمار العسكري والاستراتيجي مقابل تمتين علاقات الولايات المتحدة معهما.
تسعى أرض الصومال إلى إبرام صفقة مع ترامب يتم بموجبها استئجار الولايات المتحدة للميناء ومهبط الطائرات مقابل حصولها على الاعتراف باستقلالها الذي طال انتظاره".
وتتضمن الصفقة التي يفكر فيها المسؤولون في أرض الصومال، وفق ما تنقل صحيفة "نيويورك تايمز"، إنشاء قاعدة عسكرية أميركية على طول ساحل الإقليم الممتد لـ500 ميل، والمطل على خليج عدن، ومن شأن هذا "أن يمنح الولايات المتحدة حضوراً حيوياً على طريق ملاحي رئيسي، ونقطة مراقبة استراتيجية لمراقبة الصراعات في المنطقة، ومن المفيد القول إن أول عمل عسكري قام به ترامب بعد توليه منصبه كرئيس للولايات المتحدة في يناير/كانون الثاني الماضي، شن غارات جوية قال إنها تستهدف "إرهابيين" يتبعون لتنظيم الدولة الإسلامية في الصومال.
وكانت قد صدرت في صيف 2023، وثيقة ضخمة بعنوان "مشروع 2025: مشروع الانتقال الرئاسي"، أعدّها أكثر من 140 من كبار المحافظين الجمهوريين، وتشكل خريطة طريق لسياسات دونالد ترامب.
لم تذكر من القارة الأفريقية سوى بلدين فقط، هما جيبوتي وأرض الصومال، وهو ما يعكس عادة تقييم العلاقة مع جيبوتي؛ بسبب ما تعدّه "انحيازاً متزايداً لبكين"، وتُوصي صراحة بأن تدرس واشنطن الاعتراف بأرض الصومال كموقع بديل قادر على استضافة الوجود الأميركي، وتعزيز القدرات الاستخبارية والعسكرية في مواجهة الصين وإيران والحوثيين.
فيما صرّح نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي، كريستوفر لاند، بتاريخ 7 نيسان/ أبريل 2025، بأن بلاده تدرس إقامة علاقات دبلوماسية مباشرة مع أرض الصومال وهو تحوّل نوعي في لغة الخطاب الأميركي، التي كثيراً ما شددت على التمسك بوحدة الصومال.
وتعد مصر من أبرز الدول المتضررة من الاعتراف المحتمل، نظراً لاعتبارات متشابكة عدة؛ فالقاهرة ترى في أي تمدد إثيوبي في البحر الأحمر تهديداً للأمن القومي المصري، إلى جانب ذلك، يُهدد الاعتراف الأميركي بأرض الصومال بتقويض الوساطة التركية، التي نجحت في كانون الأول/ديسمبر 2024 في التوصل إلى تفاهم بين مقديشو وأديس أبابا، الذي يقضي بوقف التصعيد، وتأجيل تنفيذ الاتفاق البحري إذ إن واشنطن، في حال الاعتراف، ستُفرغ المبادرة التركية من مضمونها، وتفتح الباب لتصعيد سياسي، وربما عسكري جديد، في المنطقة.