تيار الإخوان الخليجي لم يندّد بالأسد.. لماذا؟
ثمّة موجة عالية من الانتقادات اجتاحت وسائل التواصل الاجتماعي من قبل تيار الإخوان المسلمين بسبب عودة الدول العربية لسوريا حين قبلت الأخيرة فتح بابها لمن أساء إليها ودعم الإرهابيين في تقويضها.
ثمّة موجة عالية من الانتقادات اجتاحت وسائل التواصل الاجتماعي من قبل تيار الإخوان المسلمين بسبب عودة الدول العربية لسوريا حين قبلت الأخيرة فتح بابها لمن أساء إليها ودعم الإرهابيين في تقويضها، وقبل أن نتطرّق إلى تفاصيل قصة التنديد الإخواني لمشاركة الرئيس بشار الأسد في قمة الجامعة العربية بجدة، فإنه لا بدّ من التذكير بأن قبول الجمهورية العربية السورية للدعوة بالمشاركة أتى من حنكة اعتادتها الدبلوماسية السورية لعقود.
ومن جهة أخرى لدخول هذا النوع من ترطيب العلاقات -مع أعداء الأمس- في تفاصيل المعركة نفسها التي لا تزال قائمة، والتي تتفرّع على عدة ساحات منها السياسي والأمني والاقتصادي والاجتماعي والعسكري، وهذا الترطيب سيسهم في اختصار الوقت على التحرير الكامل للأراضي السورية، سواء من العناصر الإرهابية أو من القوات الأجنبية.
وبالعودة إلى مسألة التنديد الإخواني الذي اجتاح الفضاء الإلكتروني وشاشات العديد من القنوات، فإنّ الوقوف على بعض جوانبه مهم، ولا سيما أنّ الصوت المندّد المذكور لم يُسمع له حسيس في دول الخليج، أو بدا خافتاً جداً كأنه همس، والسؤال ما سبب ذلك؟
أولاً: يبدو أن شريحة كبيرة من تيار الإخوان المسلمين في حالة ذهول من المتغيّرات التي تصبّ في صالح الحكومة السورية، وأن منظر الترحاب الذي لقيه الرئيس السوري بشار الأسد من رؤساء الدول العربية بدا وكأنه تبديد للآمال التي عقدوها في 2011 من تقسيم سوريا، وتفتيت مكوّناتها وجعل شطر من الأراضي السورية في أيادي التنظيمات الإرهابية.
ثانياً: التيار الإخواني في العالم يتسم بسمة لافتة، وهي أنه يتشكّل وفق البيئة التي تحيط به، ولا يخرج عن المحدّدات التي ترسمها له الديكتاتوريات العربية، وهذا ما أعزوه من صمت واضح لتيار الإخوان في الخليج بشأن المشاركة السورية.
ثالثاً: يبدو أن تيار الإخوان دخل في الحالة السائلة، ومعنى ذلك في المصطلح الفكري، هو أن خطوطه ومبادئه باتت تتشكّل من جديد وفقاً للمتغيّر العالمي والإقليمي، وبفضل الإكراهات التي رسمت معادلة الأمر الواقع، بما يفوق من قدرة التيار على ضبط إعداداته.
رابعاً: رأينا بشكل جلي أنّ شطراً من هذا التيار الممتد على الرقعة العربية والإسلامية اتخذ مساراً جديداً أصلاً، وباتت قناعات رموز وازنة فيه أن النجاحات على المديّين المتوسط والبعيد حليف محور المقاومة، والإنسان مجبول على التعلّق بالناجح لا عقد الآمال على المشاريع السياسية التي فشلت وذهب ريحها واضحمل ذكرها.
وهنا لا بد من ذكر شواهد، فقد عاد مئات الأعضاء في جماعة الإخوان المسلمين السورية من المنفى إلى وطنهم يحدوهم الأمل عام 2015 بحسب وكالة "رويترز"، وعلّقت الوكالة أن ذلك هو نوع من إعادة تأسيس الحركة.
ولم يقتصر الأمر على الإخوان السوريين وحسب، بل شمل جنسيات أخرى، خصوصاً بعد معارك حاسمة كان التيار يعوّل عليها في الشأن السوري وما يلحقه من تطلّعات سياسية.
قراءة هذه المشهدية مهمة لماذا؟ خصوصاً في جنبة الفرع الإخواني في الخليج؟ لأنّ ذلك يمثّل ركيزة أساسية لمقبل الأحداث التي تواجه سوريا، فإذا اتفقنا أن جزءاً كبيراً من الإخوان المسلمين بمثابة الحاضنة الأوسع للمشروع المناهض للدولة السورية، فإن تضرّر تلك الحاضنة بل وتبدّل بعض مكوّناتها الرئيسيين يُعدّ ضموراً جذرياً في الرافعة الشعبية -نسبة للشعوب العربية والإسلامية إن صح التعبير- وفي الجنبة الخليجية ثمة تخصيص، بسبب أن هذه الحاضنة كانت داعماً مالياً وفيراً، والأمثلة كثيرة لكن ليس من المحبّذ ذكرها كونها تستدعي أسماءً قد تراجعت عن هذه الموجة المتحمّسة للسراب.
فإذا تعرّض تيار عريض كالإخوان لهذه العواصف والسيولة، فإن ذلك يحيلنا إلى التأكد من أنّ الدرس العربي السوري قد دُرّس جيداً، وكانت مادته الدم، وهي أبلغ مادة وأعمق تجربة، بما لا يدع مجالاً للشك أننا أمام تشكّل هوية سياسية أخرى أو ربما هويات متجاورة تفتح نوافذها على الانتماء العربي الذي أشار إليه الرئيس السوري بشار الأسد في كلمته أثناء القمة، فالعرب يحتاجون إلى درس الانتماء الفعلي لا الأحضان العاطفية التي لا تبني مشروعاً قومياً ذا قيمة.
الأحزاب الخليجية عموماً غير قادرة على الجهر بمخالفة النظم الحاكمة، وإن فعلت هُجّرت أو سجنت، وهذا ما لا يتقبّله تيار الإخوان في الخليج، فالبحبوحة المالية تجعلهم يركنون للسلم وإن خالف مبادئهم الفكرية.
وما يعزّز فرضية المقال أن محاولة تركيا في حلحلة الملف السوري من جهتها سيعمل العمل ذاته على الجبهة الحاضنة التركية للمشروع السابق التي تبنّته الخارجية التركية، وهذا التوازي في تفكّك بنى الضغط على الجمهورية العربية السورية سيوفّر لها مساحة من الراحة، ممّا سيعطيها هامشاً أوسع في إتمام عملية التحرير وإعادة تأهيل الحياة في المناطق المنكوبة، مما يعبّد الطريق إلى المشروع السياسي الجامع الذي يضمن للشرائح مشاركة سياسية في البلاد.
وما دامت الأسباب تتشابك مع ما يتوازى منها من ظروف فإن ما يصبّر السوريين هو أن عامل الوقت يجري في صالحهم طالما جرت الأسباب للمضي في صالح سوريا قيادة وشعباً.