بترول النيجر والمشروع الوطني الاستقلالي النهضوي

شكل قرار وقف تصدير النفط عبر ميناء بنين ضربة للاقتصاد النيجري الذي توقع صندوق النقد الدولي أن يحقق نمواً هذا العام بنسبة 10.4% كأعلى نسبة نمو في العالم، وذلك بفضل إنتاج النفط وتصديره.

0:00
  • عن مكانة النيجر ودورها الجيواستراتيجي في محيطها الأقرب في غرب أفريقيا.
    عن مكانة النيجر ودورها الجيواستراتيجي في محيطها الأقرب في غرب أفريقيا.

فجّر التغيير الذي حدث في النيجر في 26 تموز/يوليو من العام الماضي علاقات دولة النيجر مع عدد من الدول المنتمية إلى المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، بعد أن فرضت عقوبات اقتصادية على النيجر. 

وبسبب التزام دولة بنين بقرار "إيكواس"، أغلقت النيجر حدودها مع بنين، وقفلت خط أنابيب كانت تستخدمه في تصدير نفطها إلى الصين عبر موانئ بنين، يمتد الخط بطول 1930 كلم من حقل أغاديم النفطي في النيجر إلى ساحل بنين الذي تصدّر عبره الخام إلى الصين.

بحسب مسؤولين نيجريين، جاء قرار النيجر هذا من أجل المحافظة على موارد البلاد، ولصون القرار الوطني من أي تدخل إقليمي أو دولي يؤثر سلباً في السيادة والاستقلال الوطني، في وقت تتبنى السلطات النيجرية خطاباً استقلالياً يناهض المشروع الكولونيالي الغربي بعنوانيه الأميركي والأوروبي. 

لقد شكل قرار وقف تصدير النفط عبر ميناء بنين ضربة للاقتصاد النيجري الذي توقع صندوق النقد الدولي أن يحقق نمواً هذا العام بنسبة 10.4% كأعلى نسبة نمو في العالم، وذلك بفضل إنتاج النفط وتصديره.

لم تفلح مساعي بنين في إعادة فتح خط الأنابيب الذي تم تدشينه في تشرين الثاني/نوفمبر 2023، والذي صمم ليصدر 110 ألف برميل يومياً، ولم يثن النيجر عن قرارها هذا استدانتها مبلغ 400 مليون دولار من الصين وعدت بسداده من عائدات تصدير النفط إلى بكين.

وفي مسعى لتجاوز سلبيات قرارها الذي قضى بمنع تصدير نفطها عبر بنين، قررت النيجر إحياء مشروع الربط بخط أنابيب تشاد-الكاميرون الممتد بطول 1070 كلم من الحقول التشادية إلى ميناء كريبي الكاميروني على المحيط الأطلسي، وقد كلفت السلطات النيجرية شركة النفط الوطنية بمهمة الربط بهذا الخط ومتابعة تصدير النفط عبره.

وقد رأى مهتمون بالشأن النيجري في هذا القرار توجّهاً نحو تنويع طرق تصدير النفط في سياق التعويل عليه كرافعة من روافع الاقتصاد النيجري، وبوصفه مرتكزاً رئيساً في المعادلة الوطنية الجديدة للنيجر، فتطوير قطاع النفط وتوظيفه في خدمة مشروع وطني استقلالي نهضوي أمر ممكن، لكنه يتطلب وعياً ورشداً وإحاطة بتجارب الدول التي نجحت في توظيف مواردها الاقتصادية.

يتوقف نجاح المشروع الوطني الاستقلالي النهضوي في النيجر على تحقيق مطلوبات أساسية، من بينها:

- تحقيق شراكة وطنية بين مواطني النيجر، وتمكينهم من المساهمة في بناء هذا المشروع في مراحله المختلفة، وحشد الطاقات الوطنية وتوظيفها في صالح هذا المشروع، لأن الشراكة الوطنية تمثل ضمانة لأي مشروع وطني.

- ضمان حسن توظيف عائدات النفط في إعادة هندسة الأوضاع الاقتصادية على نحو يخرجها من دائرة الأزمات الاقتصادية التي انعكست على المجتمع النيجري بالفقر والتأخر الحضاري، وذلك بتوجيه تلك الموارد لتأسيس بنية تحتية قوية تخاطب حاجات النيجر في الحاضر والمستقبل، وتوظيفها لصالح زيادة الإنتاج والإنتاجية، ولتعزيز فرص تنوّع الإنتاج حتى لا يعتمد الاقتصاد على الموارد القابلة للنضوب كالنفط والمعادن.

- تعزيز شراكات النيجر الاستراتيجية إقليمياً ودولياً مع القوى الصاعدة في إطار معادلة تحفظ للنيجر سيادتها واستقلال قرارها الوطني من جانب، وتمكنها من تطوير قدراتها، وتعضيد قدراتها ومكانتها في الفضاء الأفريقي، من جانب آخر.

إن توفر هذه العوامل الثلاثة يمكن القيادة النيجرية من فتح صفحة جديدة لبلادها في كتاب التاريخ، يُقرأ في هذه الصفحة فصل من فصول الشراكة الوطنية المفضية إلى الاستقرار السياسي والأمني، والنهوض الوطني بإرادة وطنية تضع البلاد في منصة تأسيس وانطلاق جديدة وراسخة.

ويُقرأ في الصفحة ذاتها عنوان يتصل بمكانة النيجر ودورها الجيواستراتيجي في محيطها الأقرب في غرب أفريقيا، ودورها المستقبلي في الفضاء الأفريقي الذي يمكن أن يفتح لها باباً للمساهمة في صناعة مستقبل أفريقي جديد، بيد أن كل ذلك رهين بالرشد والإبداع السياسي المنطلق من مصلحة وطنية خالصة، والمحكوم بتوجهات استقلالية صادقة.