التعاون بدلاً من الانقسام.. الحكمة الشرقيّة للتعايش السلميّ

عند التعامل مع الشؤون الدولية، تدعو الصين إلى حلّ النزاعات من خلال الحوار والتفاوض، وتدعو إلى إنشاء نموذج جديد للعلاقات الدولية يتجاوز اللعبة الصفرية ويكون أكثر إنصافًا وعدلاً.

0:00
  •  الصين تؤدي دوراً بنّاءً في العالم العربي، ولم تسعَ أبداً إلى تحقيق المصالح الجيوسياسية.
    الصين تؤدي دوراً بنّاءً في العالم العربي، ولم تسعَ أبداً إلى تحقيق المصالح الجيوسياسية.

يصادف هذا العام الذكرى الـ 70 لنشر المبادئ الخمسة للتعايش السلمي التي تمّ طرحها من قبل الحكومة الصينية وتمّت الدعوة إليها مع الهند وميانمار، لتكون المبادئ الأساسية التي ينبغي اتباعها في إقامة العلاقات وإجراء التبادل والتعاون بين دول العالم، وهي الاحترام المتبادل للسيادة ووحدة الأراضي، وعدم الاعتداء المتبادل، وعدم التدخّل في الشؤون الداخلية للآخر، والمساواة والمنفعة المتبادلة، والتعايش السلمي. 

على مدى العقود الـ70 الماضية، ظلت المبادئ الخمسة للتعايش السلمي هي المبادئ التوجيهية للصين في التعامل مع العلاقات الدولية العامة، والأساس للسياسة الخارجية المستقلة السلمية للصين، كما أصبحت المبادئ الأساسية للعلاقات الدولية والقانون الدولي، الأمر الذي يساهم بالحكمة الشرقية في التعامل مع علاقات دول العالم.

على أساس سعي دول العالم إلى تحقيق الاستقلال الوطني والأمن والمساواة، تؤكد المبادئ الخمسة للتعايش السلمي مفهوم المنفعة المتبادلة والكسب المشترك والتنمية المشتركة، وهذا يعكس تماماً الثقافة الصينية التقليدية المتمثّلة في تقدير الوئام وحسن التعامل مع الجيران، وحسن التعاون مع جميع الدول. 

إن جوهر المبادئ الخمسة للتعايش السلمي هو أن جميع الدول تتمتع بسيادة متساوية. فهي نبذت قانون الغابة المتمثّلة في تنمّر القوي على الضعيف، وفتحت طريقاً جديداً للتسوية السلمية للقضايا العالقة بين الدول في التاريخ والنزاعات الدولية، وخلقت بيئة جيدة للتعاون المتبادل المنفعة بين الدول والتنمية المشتركة، ودفعت تطوّر النظام الدولي على نحو اتجاه أكثر عدلاً وإنصافاً.

ظلت الصين تدعو بنشاط إلى المبادئ الخمسة للتعايش السلمي وتمارسها بثبات. على مدى أكثر من 70 عاماً ومنذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية، ظلت الصين تتمسّك بطريق التنمية السلمية ولم تقم بشنّ حرب أبداً ولم تحتلّ أبداً أيّ شبر من الأرض لدول أخرى. والصين هي الدولة الوحيدة في العالم التي أدرجت التمسّك بطريق التنمية السلمية في دستورها، كما هي القوة النووية الوحيدة التي تعهّدت بعدم استخدام الأسلحة النووية أولاً.

وعلى أساس المبادئ الخمسة للتعايش السلمي، أقامت الصين تعاوناً وصداقة مع دول العالم، وحافظت الصين على علاقات الصداقة مع جميع الدول العربية الـ 22. حتى الآن، أقامت 14 دولة عربية بما في ذلك مصر والجزائر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر والسودان والأردن والعراق علاقات الشراكات الاستراتيجية الشاملة مع الصين. 

ويرجع ذلك إلى تمسّك الصين دائماً بالمبادئ الخمسة للتعايش السلمي، ولطالما أدّت الصين دوراً بنّاءً في العالم العربي، ولم تسعَ أبداً إلى تحقيق المصالح الجيوسياسية، وليست لديها نية لملء ما يسمّى بفراغ السلطة في الشرق الأوسط. بل إنها تدعم دول الشرق الأوسط بما فيها الدول العربية لحلّ المشكلات الأمنية الإقليمية عبر التضامن والتعاون، وكذلك تدعم شعوب دول المنطقة لاستكشاف الطريق التنموي الخاص بها بشكل مستقل.

في عام 2023، اتفقت السعودية وإيران على إعادة العلاقات الدبلوماسية بعد قطعها لسبع سنوات بوساطة الصين. خلال العام الماضي، تحسّنت العلاقات بين إيران وعدة دول في الشرق الأوسط. أعادت إيران والسودان العلاقات الدبلوماسية، والتقى الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ونظيره المصري عبد الفتاح السيسي للمرة الأولى في السعودية، كما أقامت إيران مفاوضات التعاون مع السعودية والإمارات حول منطقة اقتصادية حرة.

وقد شهد الوضع السياسي في الشرق الأوسط تغيّرات، إذ إنّ المصالحة بين الدول العربية في الشرق الأوسط حقّقت تقدّماً إيجابياً: تمّت عودة سوريا إلى أسرة جامعة الدول العربية، وتمّت إعادة العلاقات الدبلوماسية بين قطر والبحرين والإمارات وبين سوريا وتونس والسعودية وبين تركيا ومصر.

وبعد الحرب الإسرائيلية على غزة، أكدت الصين دائماً ضرورة الوقف الفوري لإطلاق النار وتعزيز إيجاد الحلّ الشامل والعادل والدائم للقضية الفلسطينية في أقرب وقت ممكن. وأكدت أن السبب الجذري للصراع الإسرائيلي الفلسطيني يكمن في تعليق حقّ الشعب الفلسطيني في إقامة دولته، وتجاهل حقّه للعودة إلى بلده الأم على المدى الطويل. ولذا ينبغي إنهاء هذا الظلم التاريخي في أقرب وقت ممكن.

عند التعامل مع الشؤون الدولية، تدعو الصين إلى حلّ النزاعات من خلال الحوار والتفاوض، وتدعو إلى إنشاء نموذج جديد للعلاقات الدولية يتجاوز اللعبة الصفرية ويكون أكثر إنصافًا وعدلاً. وتعكس هذه المفاهيم والممارسات تماماً تمسّك الدبلوماسية الصينية بمبادئ التعايش السلمي والتنمية السلمية.

وبالنظر إلى العالم اليوم، ما زالت حالات الظلم وعدم المساواة في العلاقات الدولية بارزة، مع اندلاع الصراعات الإقليمية والحروب المحلية من حين لآخر.

لذلك، ينبغي لدول العالم أن ترث وتعزّز المبادئ الخمسة للتعايش السلمي، وأن تلتزم بالمساواة بين الدول ذات السيادة، وأن تحترم المصالح الأساسية والهموم الكبرى للآخر، وأن تعزّز الثقة المتبادلة من خلال الحوار وتبني السلام من خلال التعاون، مما يدفع تطوّر المجتمع الدولي على نحو التعاون والتقدّم والكسب المشترك باستمرار.