اغتيال زعيم المقاومة.. الغرب يوسّع العدوان والعدمية

"إسرائيل" لا تقتل كل هؤلاء الناس لأنها تعرضت لهجوم، بل تقتلهم لأنها حصلت على ذريعة! لطالما أرادت "إسرائيل" الاستيلاء على مزيد من الأرض والقضاء على أهلها الذين يعارضون خططها.

0:00
  •  قرار
    قرار "إسرائيل" اغتيال السيد نصر الله يتجاوز حدود التهور.

عقب اندلاع ملحمة "طوفان الأقصى"، وعلى مدى عام كامل، أظهر الغرب، من خلال أميركا و"إسرائيل"، مستويات غير مسبوقة من العدوانية والعنف العبثي والعدمية، عبر دعم الولايات المتحدة غير المشروط للكيان الصهيوني، في حرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة، ما يكرّس فشلاً سياسياً ودبلوماسياً وجيوسياسياً مُدوياً.

ويبدو أن هزيمة أميركا التي تلوح في حرب أوكرانيا دفعت الولايات المتحدة إلى الهروب إلى دعم "إسرائيل" في غزة ولبنان، من دون أي ارتباط موضوعي بين الحالتين، بل إن موقف إدارة بايدن المتعطش للحرب والممتد من أوكرانيا إلى شرق المتوسط، ومن دون أي عقلانية، لا يمكن تفسيره إلا بنزوع غريزي ومرضي طويل الأمد نحو العنف والإبادة.

يقول السياسي والناشط الأميركي، بيتر داو، في تغريدة على منصة X :" كنت مستشاراً ديمقراطياً لفترة طويلة. أصبحت مستقلاً في عام 2020. أعارض ترامب والحزب الجمهوري بشدة. وسأظل أعارضهم دائماً. لكن، من الواضح أن رئاسة بايدن كانت أكثر قتلاً ودموية وعنفاً من رئاسة ترامب".

من ناحية أخرى، تنتظر بنيامين نتنياهو محاكمات بتهم الفساد وتلوح أمامه أحكام بالسجن لسنوات، ولا سبيل لإفلاته منها إلا باستمراره رئيساً لوزراء الكيان الصهيوني، واستمرار الحرب في قطاع غزة حتى انتخابات الكنيست القادمة في 2026، لأن توقف الحرب سيفتح في اليوم التالي باب التحقيق والمحاسبة على مصراعيه حول انهيار الردع الصهيوني والانحطاط الاستراتيجي وإخفاقات عديدة فادحة وقعت منذ بدء "طوفان الأقصى"، وتعمّده عدم إعادة المستوطنين الأسرى في أنفاق المقاومة بصفقة تبادل.

مؤخراً، وبذريعة إعادة مستوطني الشمال، تمكن نتنياهو من خداع المجتمع الاستيطاني ونخبه السياسية والعسكرية، فوسّع نطاق الحرب لتشمل لبنان من الجنوب إلى الضاحية والبقاع، بدعم وشراكة وأسلحة أميركية، في حرب إبادة جماعية وحملة غارات جوية همجية، استهدفت بجانب آلاف الشهداء المدنيين قادة المقاومة، والأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، رضوان الله عليهم.

"لقد اختارت إسرائيل أن تفتح أبواب الجحيم. وسوف ندفع جميعاً الثمن". كان هذا عنوان مقال الكاتب الصحفي البريطاني، جوناثان كوك، غداة اغتيال سيد المقاومة ورمزها وحكيمها.

وأردف كوك، إن الغرب، من خلال "إسرائيل"، يعمل على تحريض حزب الله والمقاومة اللبنانية على التحوّل إلى "داعش" آخر. والآن، يخسر المعتدلون في الإقليم الحجة مرة أخرى، لأننا في الغرب خسرناها بالنسبة إليهم.

إن قرار "إسرائيل" اغتيال السيد نصر الله، باستخدام القنابل الضخمة الخارقة للتحصينات التي زودتها بها الولايات المتحدة، يتجاوز حدود التهور. إنه قرار مختل عقلياً تماماً. فقد نجحت "إسرائيل" في إزالة تأثير السيد نصر الله العقلاني المعتدل على حزب الله، وهي تعلم أنها نجحت في ذلك.

إن هذا التحرك الإسرائيلي لن يحقق أي شيء سوى تعليم خليفته، وزعماء الجماعات والدول الأخرى المصنفة "إرهابية" لدى حكومات الغرب، عدة دروس:

- إن "إسرائيل"، والغرب الذي يقف خلفها، لا يلعبان وفقاً لأي قواعد معروفة للتعامل، وأن خصومهما يجب أن يفعلوا الشيء نفسه.

- إن ضبط النفس الراهن من جانب حزب الله، والذي كان محيراً للغاية بالنسبة إلى الخبراء الغربيين سوف يصبح شيئاً من الماضي.

- إن "إسرائيل" ليست مهتمة بأي تسوية، بل تريد التصعيد فقط، وأن هذه معركة حتى الموت، ليس فقط ضد "إسرائيل"، بل ضد الغرب الذي يرعى "إسرائيل".

- إن تطرف "إسرائيل" الأيديولوجي، ومزاعم التفوق اليهودي، وشغفها اللامتناهي باحتلال مساحة حيوية، يجب أن يُقابَل بتطرف إسلامي أعظم.

لقد أطلقت عقود من الإرهاب الغربي في الشرق الأوسط العنان لعدمية المنظمات الجهادية"، تجسدت أولاً في تنظيم "القاعدة" ثم في تنظيم "داعش".

الآن، يعمل الغرب، من خلال "إسرائيل"، على تحريض المقاومة اللبنانية للمضي نحو حالة داعشية خاصة بها. لقد خسر المعتدلون في ما يطلق عليه الغرب "المنظمات الإرهابية" الحجة مرة أخرى. لماذا؟ لأن المشروع الإمبريالي الأميركي المعروف باسم "الغرب" أثبت مرة أخرى أنه لن يقبل التنازلات. فهو يطالب بالهيمنة العالمية الكاملة، لا أقل من ذلك..

قد تحقق "إسرائيل" مكاسب تكتيكية قصيرة الأجل باغتيال زعيم حزب الله. لكننا جميعاً سوف نشعر بالعاصفة قريباً. وعندما تأتي تلك العاصفة، فإن مهمة ساسة الغرب ووسائل إعلامه سوف تتلخص في إنكار الارتباط بين هذه اللحظة من الوحشية والجنون الغربي وبين رد الفعل العنيف عليها.

وسوف يكون دور المؤسسات الغربية هو الصراخ في وجه الضحايا، والإصرار على "أنهم يكرهوننا بسبب حرياتنا"، وبسبب تفوّقنا الحضاري، لأنهم "هم" ببساطة همج.

ولكن، ما سيأتي بعد ذلك، كما حدث مع ما سبقه، سوف يكون متوقعاً تماماً. فالعنف لا يولد الهدوء، بل يولد المزيد من العنف. و"إسرائيل" تعلم ذلك. وقادتنا يعلمون ذلك. ولكنهم فتحوا أبواب الجحيم على أي حال!

بدورها، تنبّه الكاتبة الأسترالية، كيتلين جونستون، إلى أن "إسرائيل" لا تهاجم لأنها تعرضت لهجوم، بل تهاجم لأنها حصلت على "مبرر" مقبول بالمعايير الإمبريالية الغربية، من قبيل الحرب العادلة، شرعية الاستيطان والتوسع، عبء الرجل الأبيض، الدفاع عن النفس أي الدفاع عن احتلال عسكري لاغتصاب الأرض واقتلاع أهلها.

إن الدفاع عن العدوان الإسرائيلي بالقول "لقد هوجمت إسرائيل!" قد يبدو منطقياً عندما لا تكون "إسرائيل" هي الاحتلال والمحرض الواضح، وعندما لا ترد على الهجوم بإبادة جماعية، ولا تستخدم الهجوم لتنفيذ أجندات اقتلاع واحتلال قائمة مسبقاً.

فـ"إسرائيل" لا تقتل كل هؤلاء الناس لأنها تعرضت لهجوم، بل تقتلهم لأنها حصلت على ذريعة! لطالما أرادت "إسرائيل" الاستيلاء على مزيد من الأرض والقضاء على أهلها الذين يعارضون خططها. وهي تستغل لحظة سياسية سنحت منذ 7 أكتوبر 2023 لتنفيذ أجندات أرادت تنفيذها منذ أجيال. لقد كانت "إسرائيل" تضغط وتصر على أهدافها جيلاً بعد جيل في انتظار فرصة أو ذريعة.

هناك تكهنات حول ما إذا كانت إيران ستتدخل بشكل أوسع في الصراع الحالي، ولكن أياً كان ما سيحدث فإن أي قدر من التدخل الإيراني في صراعات الشرق الأوسط ستكون له شرعية أكبر بكثير من التدخل الأميركي هناك.

لقد بات واضحاً منذ فترة طويلة أن الليبراليين الغربيين يكذبون بشأن هوياتهم ومواقفهم، لكن الأمر لا يتطلب أكثر من "ديمقراطي" في البيت الأبيض يشرف على فظائع الإبادة الجماعية خلال موسم انتخابات لتوضيح هذه النقطة بالكامل.

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.