الكلمةُ دمُ المقاومة
هل ستنتصر المقاومة في لبنان؟ الأصح أن يكون السؤال على النحو التالي: عندما ستنتصر المقاومة ماذا سيحدث؟ ما سيحدث يحتمل التأويل لا انتصار المقاومة. أوِّلوا ما تشاءُون من هنا.
نُسأَلُ بشيءٍ من توجّس السائلين كأنه تمهيدٌ لمساءَلَتِنا: لمَ الاستماتةُ في دعم المقاومةِ خياراً؟ ونجيبُ بتساؤلٍ يكاد يُسائلُهم: وهل لبنان بلدٌ محتلٌّ أم بلدٌ ذو سيادة على آخر شبرٍ من أرضِه؟
يؤلِمُكَ على نحوٍ "بْروتوسيٍّ" أن تُخَوَّنَ بدلاً من أن تُمدَحَ على استماتَتِك هذه، ولو أنَّ خيارَك لم يُبنَ أصلاً على امتداحٍ أو طلبِ جاهٍ أو سلطَة.
أن تُؤازَرَ بإيماءةٍ لَإشارة تكفيك لإعادة الشَّحنِ والتَّذخير. بدلاً من ذلك أنتَ تُخَوَّن. تُخَوَّنُ لأنك تقاومُ محتلاً بدأتَ تسمعُ مَن يحيطُ بكَ أنه ليسَ عدواً إلا بقدرِ ما المقاومةُ عدوةٌ أيضاً. ها أنتَ، وبئسَ الأزمنة العجاف، في عدادِ أعداءِ لبنان لأنك عدوُّ عدوِّ لبنان.
ثمَّ يأتيكَ النُّصحُ بأنْ اكتُب معهم ولا تكتُب كأنك منهم. تكذبُ الكلمَةُ إذا مالَقَت بعيداً عن دماء المقاومة. إذا لم تنفعل صدقاً وتتفاعل صِدقيةً تبقى الكلمة صَنجاً يرنّ. ألم يقل بولس الرسول: إِن كنتُ أَتكلَّمُ بأَلسنَةِ النَّاسِ والملاَئِكَةِ ولكِن ليسَ لي مَحَبَّةٌ، فقَد صِرْتُ نُحَاساً يَطِنُّ أَو صَنْجاً يَرِنُّ؟
لا أريدُ أن أكونَ نحاساً يَطِنُّ أو صنجاً يرنّ إلا مسكوناً بالمحبة. المحبة لها صوتٌ وحبرٌ وحنجرة ويؤلمُها ألا تتكلَّم وتكتُب وتصرخ.
وبعدُ، يعيّرونَك بِإثنَتَين. أُولاهُما أنك لن تصرعَ المُحال. جبروتُهُ استحالَ مستحيلاً على قلَّةِ حيلَتِك. أنتَ تُحاربُ الناتو والذكاء الاصطناعي والأقمار الاصطناعية وأسرابَ مقاتلاتٍ تُغير عليك. إذاً، لا حول ولا قوَّةَ إلا بالله. يزدريني الله إذا استجرتُ به دُعاءً ولم أُزوِّدَ عَيني بما تقاومُ به المِخرَز. الدعاءُ مع الاستكانة يكاد يكون تملُّقاً خبيثاً. من دون أن تُعِدَّ العدَّةَ دعاؤكَ تمتمَة تسقطُ من شفتِكَ العُليا إلى شفتِكَ السُّفلى مئة مرّة كل يوم من دون أن تسقط طائرة واحدة للعدو. إصْلِ للعدو وصَلِّ لله تُفلح ولو بعد حين.
يعيِّرونَكَ ثانياً بأنكَ تستحضرُ "فارسَ" وتُحضِرُ ورثَتَها إليك. ذَهَبَ شَبقُ بعضهم إلى تشكيل جبهة للتحرر من احتلال فارس. أحيَتْ فرنسا منذ شهرَين الذكرى الثمانين لتحررها من النازية. لم يشأ يومذاك لا روزڤِلت ولا تشرشل الاعتراف بِديغول محرراً. الاتحاد السّوڤياتي دعمه، وكان أول من اعترف به، وما زالت روسيا حتى اليوم تنادي بوحدة أوراسيَّة وتتغزَّل بِضَريح شارل ديغول. لم أرَ فرنسياً واحداً اتَّهمَ ديغول بأنه عميل لستالين. هنا لا صوت سوى صوت جبهة تريد تحريرنا من الاحتلال الإيراني. مُخجِل!
ممنوع في بلد مُغرِق في الحقد الطائفي أن تتكلم في السياسة خارج الحقد. احقدْ ثم تكلَّم في السياسة. أنت محكوم إعداماً عند ربعِك. إذا كنت مسيحي الولادة فأنتَ مُغَطَّس في جرن معمودية يغسلُك بالثلاثة أو بالخمسة. أن تكون مقاوماً يعني أن تكون شيعياً. يصوّرون المقاومة ويسوِّرونها بسيف ذي الفِقار. ألا يصلح سيف مار الياس؟
المقاومة ليست رهاناً. يعني أنك لست في كازينو تراهن على رقم في لعبة الروليت. هناك تُخطئ فتخسر مبلغاً راهنت عليه. تُصيب تُضاعِفُه. مع المقاومة تراهِن، صحيح، إنما بدمائِك. تخسَر تنزف. تُصيب تكون قمت بواجِبِك ليس أكثر.
هل ستنتصر المقاومة في لبنان؟ السؤال يتضمن نسبة مقبولة من الشك. يعني أنها قد تنتصر وقد تُهزَم. الأصح أن يكون السؤال على النحو التالي: عندما ستنتصر المقاومة ماذا سيحدث؟ ما سيحدث يحتمل التأويل لا انتصار المقاومة. أوِّلوا ما تشاءُون من هنا.