إيال زامير.. رئيس أركان "جيش" الاحتلال ومقاربة "النهج الهجومي"!
لم يأتِ قرار نتنياهو تعيين زامير رئيساً لأركان "الجيش" الإسرائيلي، لتجنب حدوث فراغ في "الجيش" بعد استقالة هاليفي فحسب، بل مَثّل، بالنسبة إلى نتنياهو، نهاية عهد، وبداية آخر جديد.
-
كيف حظي زامير بثقة نتنياهو وكاتس؟
مع إعلان رئيس أركان الاحتلال هيرتسي هاليفي نيته الاستقالة من منصبه، على خلفية الاعتراف بفشل "الجيش" الإسرائيلي في السابع من أكتوبر، أعلن نتنياهو ووزير حربه كاتس، في شباط/فبراير 2025، نيتهما تعيين إيال زامير رئيساً لأركان جيش الاحتلال الإسرائيلي الرابع والعشرين. وصادقت الحكومة الإسرائيليّة، مساء الأحد 16/02/2025، رسمياً، على هذا التعيين، بعد أن وافقت اللجنة الاستشارية لتعيين كبار المسؤولين في الخدمة المدنية على التعيين، بحيث سيتولّى زامير مهمّات منصبه رئيساً لأركان "الجيش" الإسرائيليّ رسمياً في الخامس من آذار/مارس المقبل.
فور الإعلان، سارع رئيس الحكومة، نتنياهو، إلى القول إن زامير "ملتزمٌ تجاه الدولة وتجاه الجيش"، مشدداً على إعجابه بنهج زامير "الهجوميّ"، متوعّداً بأن "إسرائيل" "ستغيرّ وجه الشرق الأوسط"، خلال ولايته. فكيف حظي زامير بثقة نتنياهو وكاتس، وما "النهج الهجومي" الذي جعله موضع إعجاب نتنياهو؟
للإجابة، علينا أن نعود بالذاكرة قليلاً إلى الوراء حين تولى بني غانتس وزارة "الأمن" في حكومة بينت - لابيد وأعلن، يوم الـ13 من حزيران/يونيو 2022، بدء عملية اختيار رئيس أركان "الجيش" الإسرائيلي الثالث والعشرين، وتم ترشيح إيال زامير وهيرتسي هاليفي ويوئيل ستريك لهذا المنصب.
في الـ17 من تموز/يوليو، أعلن غانتس أنه قلّص القائمة إلى هاليفي وزامير. وفي الـ4 من أيلول/سبتمبر، أعلن أنه اختار هاليفي لهذا المنصب. ولأن رئيس الوزراء، حينها، يائير لبيد، ووزير "أمنه" غانتس حبّذا اختيار هاليفي، ترك زامير "الجيش".
اتّسمت الفترة، التي تولى فيها هاليفي رئاسة الأركان، بالصدام الدائم مع نتنياهو وعناصر حكومته اليمينية، وظل غالنت وهاليفي متهمين بقيادة نهج "استسلامي" أمام المقاومة الفلسطينية.
وفي أكثر من مرة، هاجم سموتريتش وبن غفير هاليفي، وقالا "إنه بوجود رئيس الأركان الحالي لا يمكن تحقيق الانتصار"، وإن الرجل "لديه حاجز نفسي يمنع تحقيق النصر، ومن المُستحسن أن يُقيل نفسه قبل أن نُقيله". وأضاف سموتريتش أن "الفترة المقبلة ستتميز بتغيير القيادة العسكرية العليا في إطار الاستعدادات لتجدد الحرب". وهو الموقف ذاته الذي أكده بعد اختيار زامير رئيساً للأركان، إذ صرح قائلاً: "كلي أمل أن يُثبت زامير جدارته في تغيير عقيدة الجيش إلى عقيدة قتالية صارمة، تتسم بالإقدام والالتحام وتقتلع الإرهاب الفلسطيني من جذوره".
لم يأتِ قرار نتنياهو تعيين زامير رئيساً لأركان "الجيش" الإسرائيلي، لتجنب حدوث فراغ في "الجيش" بعد استقالة هاليفي فحسب، بل مَثّل، بالنسبة إلى نتنياهو، نهاية عهد، وبداية آخر جديد في العلاقات بين القيادتين السياسية والعسكرية. فالعلاقات المتوترة باتت تُلحق أضراراً بالجهتين، ويؤمَل من زامير أن يتولى مهمة "إصلاحها".
عزز اليمين الصهيوني الحاكم مقولة، مفادها أن "قادة الجيش الإسرائيلي لا يحترمون القيادة السياسية بتاتاً"، وافترضوا "أن زامير هو الجنرال الوحيد في المؤسسة العسكرية، الذي يكنّ الاحترام لنتنياهو"، ويعود ذلك إلى كونه سكرتيراً عسكرياً سابقاً لرئيس الوزراء، ثم مديراً عاماً لوزارة "الأمن".
وخلال الحرب الأخيرة على غزة، عمل زامير، بتنسيق يومي مع نتنياهو، ووقف إلى جانبه في خلافاته مع وزير الحرب السابق، يوآف غالانت.
لكن ترميم العلاقة بين الحكومة و "الجيش" ستكون مهمة ثانوية، إذا قورنت بالمهمّات الأخرى التي تواجه رئيس الأركان، وأبرزها إعداد "الجيش" للحروب المقبلة. فالجيش بُني في الأعوام العشرة الأخيرة ليكون "صغيراً وذكياً"، وهناك قناعة تامة اليوم مفادها أن "الجيش" يجب أن يعود ليكون "كبيراً وكلاسيكياً"، يعتمد على الاجتياح البري، والدبابة والمدرعة، وزامير هو أول رئيس أركان قادم من سلاح المدرعات، بعد فترة انقطاع طويلة دامت أكثر من 50 عاماً.
يُعَدّ زامير مُشاركاً فعالاً في عمليات بناء قوة "الجيش" الإسرائيلي، وهو على معرفة جيدة بقيادته العليا التي خدم تحت إمرتها وإلى جانبها في مناصبه المتعددة. يُعرف عنه أنه منضبط للغاية، وقائد عمليات واضحة، ومخلص للأسس العسكرية التقليدية، ويؤيد الابتكار والذكاء الاصطناعي، ومؤمن بكثافة القوة النارية والقوى العاملة والأسلحة المتنوعة.
عارض زامير تقليص قوات المدرعات في "الجيش"، وإغلاق سرب المروحيات القتالية، وأيد فكرة أفيغدور ليبرمان، كوزير للأمن، بشأن إنشاء سلاح صاروخي. لقد رأى معضلة في الاستخدام المتزايد للقوات الجوية كحل لكل مشكلة، وكتب، قبل تسليم مهمّات منصبه نائباً لرئيس الأركان، أنه "يجب تعزيز قدرات المناورة البرية المُهمَلة بكل الوسائل".
تنصّ فلسفة زامير الحربية على أن من الضروري بدء ضربة استباقية مفاجئة تتضمن مناورة في العمق، ويؤمن بالانتقال السريع إلى الهجوم، وتعزيز الفرق الأمامية والنيران التكنلوجية الدقيقة.
وفي مقال كتبه عام 2007 في "معراخوت"، مجلة "الجيش" الإسرائيلي، عرض زامير مواقفه العسكرية وفق التالي: "إن منطق الحرب الوقائية هو أنه من الأفضل والأسلم استباق الضربة والتحرك ضد العدو، قبل أن تنشأ ظروف أكثر صعوبة في ظل عدوانه المتوقع. وفي مثل هذه الحالة، سيكون من الصواب عدم الانتظار، بل التحرك مبكراً والتوصل إلى قرار في ظل ظروف أفضل".
يؤمن زامير بأن "كل السلسلة الإرهابية"، بما في ذلك قيادتها الروحية، هي "جزء من الجهاز الإرهابي، وبالتالي فإنهم جميعاً هدف مشروع في الحرب ضد الإرهاب. إنهم متورطون في الإرهاب القاتل على الرغم من أنهم يتظاهرون بأنهم مدنيون ويحاولون الحصول على الحصانة لأنفسهم. سيكون من المبرر مهاجمة أي شخص متورط في سلسلة الإرهاب، ولن يكون من الأخلاق منحهم الحصانة".
ويضيف أنه "سيكون من المبرر العمل على إحباط المخاطر التي يواجهها مواطنو الدولة الديمقراطية، الذين يدافعون عن أنفسهم ضد جرائم الإرهاب، مع تقليل المخاطر على حياة الجنود الذين يحاربون الإرهاب. إن أي ضرر يلحق بسكان العدو المدنيين نتيجة النشاط العسكري الإسرائيلي، الذي يُعَدّ ضرورة لحماية حياة المدنيين الإسرائيليين، يجب أن يتحملها المسؤولون الذين لا يمارسون سيادتهم، والإرهابيون الذين يعملون من هذه الأراضي".
"إن إحدى طرائق ردع الإرهاب هي ردع قادته شخصياً حتى يُعيدوا النظر في طريق الإرهاب الذي يسلكونه، ويجب أن يعلم كل زعيم لمنظمة إرهابية بأنه سيتعرض للملاحقة حتى يتم القبض عليه ومحاكمته على جرائمه أو قتله".
وأعرب زامير عن دعمه العقاب الجماعي، وكتب: "ما دام أحد الأطراف يعاني أعمال الإرهاب، فإن العقاب الجماعي ضد الشعب المُعتدي سيستمر". وقال: "مثال على الخطوات التي يمكن اتخاذها: العقوبات الاقتصادية، قطع الكهرباء، فرض الإغلاقات ومنع مرور المواد الأولية المستخدمة في إنتاج السلع الاستهلاكية، ومنع توريد الوقود للمركبات، ونحو ذلك. من وجهة نظر أخلاقية، من المستحيل عدم توجيه أصابع الاتهام أيضاً إلى السكان المدنيين، الذين يشكلون بنية تحتية، ويقدّمون الدعم والتشجيع لأعمال العنف".
وكتب زامير عن "كيفية هزيمة إيران في المنطقة"، واقترح سبعة مسارات للعمل ضدها، بما فيها "إلحاق الضرر بقيادتها ووكلائها الرئيسين، الذين يقفون وراء عملياتها الإقليمية، فضلاً عن إعداد خطة عمل لإلحاق الضرر بأنظمة الدفاع الجوي الإيرانية، وإلحاق الضرر بمصانعها الإنتاجية وقواعد الصواريخ والطائرات من دون طيار والقواعد الأمامية".
كما دعا زامير إلى ضرب "جسد القط وليس فقط مخالبه"، ولمّح إلى أن أنه "يجب على إيران أن تدفع ثمن أفعالها الهجومية، ولا يجب أن يُسمح لها بالإمساك بالعصا من الوسط."
يُدرك زامير، في نهاية المطاف، ما يتوقعه نتنياهو واليمين الصهيوني منه، لكن أولئك الذين يعرفونه عن قرب يقولون إن "الرجل قدير في المناورات، وماهر في تذويب الخلافات، لكنه صاحب تفكير مستقل، ولديه عمود فقري من فولاذ. وخلال خدمته سكرتيراً عسكرياً للحكومة، لم يتردد في الاختلاف مع نتنياهو، لكنه لم يسمح للخلاف بأن يؤثر في الثقة بينهما".
يحظى زامير بعلاقات سياسية قوية، وهو على دراية تامة بالنظام السياسي وخبير في دهاليزه، ويتمتع كذلك بعلاقات عمل وثيقة بالولايات المتحدة، بحيث قاد عمليات الشراء الطارئة للأسلحة، وعمل في الوقت ذاته، على تعزيز إنتاج الأسلحة في الصناعات العسكرية، وهو على دراية جيدة في مجال المشتريات والعمل مع جيوش العالم.
عمل قادة اليمين الإسرائيلي المتطرف، من خلف الكواليس، على اختيار زامير، ليس لأنه يلائمه، فكرياً أو سياسياً، بل لأنه لم يُجرّب في الضفة الغربية. في العادة، يتولى قائد المنطقة الوسطى في "الجيش" مهمة قيادة "الجيش" في الضفة، ومن هنا يحدث احتكاك مع المستوطنين. زامير لم يتولَّ هذه المهمة. زد على ذلك أنه في الـ7 من أكتوبر 2023، كان زامير خارج هيئة رئاسة أركان "الجيش". لذلك، رأوا فيه خروجاً عن سرب القيادات العسكرية المنبوذة من جانب اليمين.
ومع ذلك، لم يسلم زامير من "حراك يميني" للانقلاب على هذا التوجه. وبحسب صحيفة "معاريف" العبرية، فإن زوجة نتنياهو وابنه، الموجودين في ميامي الأميركية، عملا على إبطال تعيين زامير في اللحظة الأخيرة، لكن هذا التدخل جاء متأخراً.
ويبدو أن سبب "مشروع الانقلاب" هو التيقن من أن زامير "مستقل أكثر من اللازم". وتضيف الصحيفة العبرية: "من يعرف زامير من كثب يفهم أنه "بريء من السياسة"، وينظر إلى الجيش كمنظومة كاملة تحتاج إلى يد حديدية دقيقة على دفة المهمة العسكرية فحسب".
وتنقل الصحيفة، عن المقربين من الرجل، أن "عليه أن يعيد إلى الجيش شرفه، وأن يعيد ثقة الجمهور به، والأهم أن يحاول إقامة "سور صيني" بين الجيش والسياسيين". فهل ينجح في ذلك، أم يُحوّل الجيش إلى حصان طروادة لنتنياهو ويمينه المتطرف!