إردوغان في سوريا.. ماذا حققت تركيا؟
إذا نجحت أنقرة، عبر تحالفها مع دمشق، في معالجة الوضع الكردي شرق الفرات، قبل الانسحاب الأميركي من المنطقة أو بعده، فإن ذلك قد يساعد تركيا على أن تكون اللاعب الأساسي في مجمل تطورات الملف الكردي.
-
تعتقد أنقرة أنها الأكثر حظاً في عملية إعادة إعمار سوريا.
منذ اليوم الأول لتغيير النظام في دمشق، في الـ8 من كانون الأول/ديسمبر يتحدث الجميع، وفي مقدمتهم الرئيس ترامب، عن الدور الرئيس الذي أدته أنقرة في عملية التغيير. وأثبتت التطورات اللاحقة أن الرئيس إردوغان خططها بدءاً من مسار أستانا واتفاقيات سوتشي، بل قبل ذلك عندما وافق الرئيس بوتين على دخول القوات التركية لسوريا في الـ24 آب/أغسطس 2016، أي في الذكرى السنوية الـ 500 لمعركة مرج دابق، التي دخل بعدها السلطان سليم سوريا، ومنها توجّه إلى فلسطين ثم القاهرة في الـ22 من كانون الثاني/يناير 1517.
وجاءت تطورات الشهرين الماضيين، وأخيراً زيارة أحمد الشرع لأنقرة في الـ 4 من شباط/فبراير ومباحثاته مع إردوغان، مدة ثلاث ساعات ونصف ساعة، لتؤكد صحة المعلومات التي تتحدث عن استمرار الدور التركي الرئيس في مجمل تطورات سوريا الآن ومستقبلاً.
وسيحقق ذلك لتركيا مكاسب استراتيجية في كل الأصعدة الداخلية، سورياً وتركياً، والإقليمية والدولية، بسبب ما لسوريا من مكانة استراتيجية في الخريطة الجيوسياسية. ويمكن تلخيص مكاسب تركيا في سوريا، أو ما تسعى له أنقرة في هذا البلد العربي، كما يلي:
سيتبنى الجنرالات الأتراك الجيش السوري ويشرفون على عملية تشكيله مع أجهزة الاستخبارات السورية الجديدة، وخصوصاً أن الاستخبارات التركية كانت على تواصل مكثّف مع كل الفصائل السورية المسلّحة، بما فيها هيئة تحرير الشام، ومنذ تدخلها في سوريا صيف غام 2016، وهو ما اعترف به وزير الخارجية هاكان فيدان الشهر الماضي.
بهذا الدور المباشِر في دمشق سيكون في يد أنقرة ورقة مهمة تساوم بها كل الأطراف الإقليمية والدولية، بعد أن اعترف أحمد الشرع لقادة المسلحين من الأويغور والشيشان والأوزبك والألبان والمصريين والأردنيين وغيرهم بدور مهم في القرارات العسكرية المستقبلية، وكلهم دخلوا سوريا عبر الحدود التركية بعد عام 2011.
كما سيكون الإسلام السياسي، المطعَّم "تركياً وعثمانيا"، ورقة قد تلوّح بها أنقرة ضد كل من يعترض على مخططاتها ومشاريعها في المنطقة، والتي قد تلتقي مع حسابات البعض من دولها أو تختلف معها، كما هي الحال مع إيران؛ الهدف المستقبلي لأميركا والكيان الصهيوني وحلفائهما في المنطقة.
ويريد الرئيس إردوغان لانتصاراته "العقائدية" هذه أن تدعم مشاريعه ومخططاته لأسلمة الدولة والأمة التركيتين، بعد أن حقق "انتصارات" مماثلة عبر الوجود، عسكرياً واستخبارياً واقتصادياً وثقافياً، في ليبيا والصومال والعراق والسودان وقطر وتشاد، وبصورة غير مباشرة في دول أخرى في المنطقة.
تخطط تركيا، التي لها عدد من المعسكرات البرية شمالي سوريا منذ عام 2016، إقامةَ عدد من القواعد الجوية والبحرية في مختلف المناطق السورية. ستشكل سوريا، عبر حدودها مع تركيا، وهي بطول 911 كم، عمقاً استراتيجياً لمجمل الحسابات التركية في المنطقة، لتصبح جاراً لكل من الأردن ولبنان والعراق و"إسرائيل". وحينها سنرى كيف سيكون رد فعل "إسرائيل" على هذا الوجود، وهي التي سبق لها أن هددت وتوعدت إيران بسبب وجود مستشاريها قرب الجولان المحتل.
تعتقد أنقرة أنها الأكثر حظاً في عملية إعادة اعمار سوريا بسبب قربها من سوريا، وبالتالي خبرة الشركات التركية في هذا المجال عالمياً، وهو ما سيحقق لها عشرات المليارات، إن لم نقل مئات مليارات الدولارات من هذه الفعاليات المهمة. كما تعقد أنقرة آمالاً كبيرة على حساباتها لاستغلال الموارد الطبيعية في سوريا، وأهمها الغاز والبترول والفوسفات، وحتى الحبوب، كالقمح والشعير وغيرهما.
وتبيّن الدراسات الجدية أن احتياطي الغاز الطبيعي في سوريا ليس أقل من 8 تريليونات متر مكعب، تُضاف إليها نحو 7 مليارات برميل من البترول. أمّا الغاز في المياه الإقليمية السورية فهو الأهم بالنسبة إلى أنقرة، لأن الساحل السوري بُقابل قبرص، المتنازع عليها مع القبارصة اليونانيين، وهم حلفاء "إسرائيل". كما أن هذا الساحل هو امتداد للساحل التركي في منطقة إسكندرون، وستستفيد منه تركيا في مجمل حساباتها الخاصة بشرق الأبيض المتوسط، ليس فقط اقتصادياً وتجارياً، بل عسكرياً واستراتيجياً.
ويجب التذكير بأن المفاعلات النووية، التي تبنيها روسيا جنوبي تركيا، تقع قرب هذه المنطقة، وفيها قاعدة إنجبرليك الأميركية الشهيرة. وسيساهم الوجود التركي في سوريا، عسكرياً وسياسياً واقتصادياً، في تحقيق مزيد من المكاسب في مساوماتها مع روسيا أولاً في نقل الغاز الخليجي إلى سوريا عبر الأردن، ومنها إلى تركيا، وهو ما سبق أن رفضه الرئيس السابق بشار الأسد عام 2008. ووصول الغاز الخليجي إلى تركيا، ومنها إلى أوروبا، سيضع أنقرة في موقع أقوى في مجمل مساوماتها مع كل دول الاتحاد الأوروبي.
كما أن التغيير في موازين القوى في لبنان، مع انتخاب جوزاف عون رئيساً، واختيار نواف سلام رئيساً للحكومة، وفق المزاج الأميركي والأوروبي، وبالتالي الخليجي والإسرائيلي، تتمنى له أنقرة أن يخدم حساباتها في سوريا وشرقي الأبيض المتوسط، انطلاقاً من أن لبنان يجاور "إسرائيل"، ويقع مقابل سواحل قبرص، حيث يوجد الجيش التركي، براً وجواً وبحراً.
إذا نجحت أنقرة، عبر تحالفها مع دمشق، في معالجة الوضع الكردي شرق الفرات، قبل الانسحاب الأميركي من المنطقة أو بعده، فإن ذلك قد يساعد تركيا على أن تكون اللاعب الأساسي في مجمل تطورات الملف الكردي إقليمياً، وخصوصاً أنها على علاقة وطيدة بعائلة البرزاني، التي تحكم إقليم كردستان العراق.
ويتحدث الإعلام الموالي لإردوغان باستمرار عن "حقوق ثلاثة ملايين تركماني في سوريا"، وهو ما سيزيد في حماسة الأوساط القومية التركية للحديث عن حقوق "4-5 ملايين تركماني في العراق" وآخرين في لبنان، ونحو مليون في ليبيا، وقال عنهم الرئيس إردوغان "إنهم من بقايا الحكم العثماني في ليبيا، والذي استمر نحو 350 عاماً".
باختصار، إن ما كانت تخططه أنقرة، ولو عبر صيغ متعددة، عبر علاقاتها بالرئيس الأسد، نجحت في تحقيقه عبر أحمد الشرع، بعد أن أدّت الدور الرئيس في التخلص من الأسد، وبعد أن نجحت في استغلال الظروف العربية والإقليمية والدولية، التي ساعدتها بعد العدوان الإسرائيلي على غزة ولبنان وإيران وسوريا واليمن، برضا تقليدي من أنظمة الخليج.
ويبقى الرهان، في نهاية المطاف، على سياسات الرئيس ترامب خلال معالجته مجمل القضايا الإقليمية، وفي مقدمتها فلسطين، التي بات واضحاً أنها ستكون الهدف الرئيس لهذه السياسات، التي ستكون في خدمة "تل أبيب"، التي تريد لواشنطن أن تكون إلى جانبها في حربها المقبلة ضد إيران.
وقد يكون مثل هذا الاحتمال هو الامتحان الأصعب بالنسبة إلى أنقرة، التي ستجد نفسها أمام تحديات صعبة ومعقّدة، وخطيرة في حال نجح الثنائي المجنون، نتنياهو وترامب، في جرّ المنطقة برمتها إلى حرب إقليمية مدمّرة بالنسبة إلى الجميع، ما دام أن لأميركا العشرات من القواعد البحرية والجوية والبرية في جميع دول المنطقة، وأهمها تركيا، التي تضم قاعدة إنجيرليك، وفيها أكثر من خمسين قنبلة نووية، كان هدفها الاتحاد السوفياتي، والآن ربما إيران بعد خروجها من سوريا ولبنان، وكذلك روسيا بعد إغلاق قواعدها الجوية والبحرية في سوريا.
وهو ما سيكون قريباً بناءً على طلب واشنطن و"تل أبيب"، ومن دون أن يكون واضحاً كيف سيكون ردّ إردوغان على ذلك، ما دام صديقاً للرئيس بوتين، على الأقل حتى الآن!
فالجميع يعرف أن واشنطن، منذ انضمام أنقرة إلى الحلف الأطلسي عام 1952، وحلف بغداد عام 1955، كانت تريد لتركيا أن تكون المخفر المتقدم للدفاع عن الغرب في مواجهة الخطر الشيوعي، كما تريد لها أن تكون الآن رأس حربة ضد روسيا في حديقتها الخلفية، أي الجمهوريات الإسلامية في آسيا الوسطى والقوقاز، ويرى فيها الرئيس إردوغان عمقاً قومياً وتاريخياً وعقائدياً لأحلامه العثمانية، وهو يعتقد أنه بات قريباً من تحقيقها بعد أن قال الإعلام الموالي إنه "فتح العاصمة الأموية دمشق، وسيصلي في جامعها قريباً، ويتوجه بعدها إلى الأقصى الشريف"!