لا قيمة لأمّتنا بغير الوحدة
الأمّة الإسلامية كلما كانت موحَّدة، كانت قوية قادرة على تحقيق رسالتها، وقادرة على حماية نفسها من الأعداء، وقادرة على تحقيق العُمران، وقادرة أيضاً على الرقيّ الأخلاقي والسلوكي والاجتماعي، وكلما كانت مُفكَّكة، كانت ضعيفة، غير قادرة على أداء رسالتها وغير قادرة على حماية نفسها من الأعداء، وغير قادرة على تقديم إنجازٍ عُمراني ذي شأن، ومنحطّة أخلاقياً وسلوكياً واجتماعياً.
دأب الخطاب التكفيري في سنوات الربيع الزائِف على نشر قِيَم الاختلاف وثقافة الكراهية بين أبناء الأمّة الإسلامية ،خدمة بالأساس لمُشغّليه من دوائر إستخبارية غربية وإقليمية ، وليس خدمة لله أو للدين الإسلامي الحنيف، دوائر تأتي واشنطن وتل أبيب في صدارتها ، واكتوت الأمّة الواحدة من هكذا فكر ، ودفعت أثماناً باهظة من الشهداء والضحايان ومن نكوص النهضة وقِيَم (التنية) والثورة الحقيقية في كافة مناحي الحياة .
إن الفترة الممتدّة من 2011 إلى اليوم (2019)، شهِدَت مذابح مُروِّعة وصراعات مُميتة بين كافة الفِرَق الإسلامية، فكلٌ يدَّعي امتلاك الحقيقة وأن فرقته أو مذهبه، هو المذهب الإسلامي الصحيح، وأن فرقته هي الفرقة الناجية وما عاداها باطل وخارج عن ملّة الإسلام ومن ثم يستحق القتل.
اليوم نحتاج، سنَّة وشيعة، وفِرَق إسلامية أخري، إلى أن نُزيح كل هذا الزَيْف عن طريقنا، لأنه أضحى عبئاً على الإسلام ذاته ، وبات بمثابة ألغام مُتفجِّرة، سرعان ما ستنفجر في الجميع وليس في أتباع مذهبٍ بعينه، إننا نحتاج اليوم مُجدَّداً إلى رَفْعِ لواء الوحدة الإسلامية ودرء الفِتَن فمن دونها لن تكون هناك قيمة حقيقية لهذه الأمّة في عالمنا المعاصر، وحول الوجوب الشرعي لتلك الوحدة دعونا نؤكّد على الآتي: يُحدّثنا التاريخ بداية عن ذلك التلازُم الحيوي بين كل من الوحدة والجهاد وبين الصعود الحضاري للأمّة الإسلامية وبسقوط أو ضياع إحدى هاتين القيمتين، يهبط المنحنى الحضاري للأمّة الإسلامية، وتتخلّف عن مستوى العمران والأخلاق وتصبح فريسة سهلة للإعتداءات الخارجية والمُحرِّكة لمؤامرات الداخل تماماً كما جرى في سنوات الربيع العربي الزائِف الثماني الماضية.
فالوحدة إذن عنصر أساس من عناصر المشروع الحضاري الإسلامي، وهي أولاً فريضة شرعية، وهي ثانياً ضرورة للصعود الحضاري الإسلامي ولحماية الأمّة من أعدائها ، وضرورة أيضاً لرقيّ الأخلاق والسلوك لدى أفراد هذه الأمّة.
والأمّة الإسلامية كلما كانت موحَّدة، كانت قوية قادرة على تحقيق رسالتها، وقادرة على حماية نفسها من الأعداء ، وقادرة على تحقيق العُمران، وقادرة أيضاً على الرقيّ الأخلاقي والسلوكي والاجتماعي، وكلما كانت مُفكَّكة، كانت ضعيفة، غير قادرة على أداء رسالتها وغير قادرة على حماية نفسها من الأعداء، وغير قادرة على تقديم إنجازٍ عُمراني ذي شأن، ومنحطّة أخلاقياً وسلوكياً واجتماعياً.
والنصوص الشرعية التي تؤكّد فرضية الوحدة كثيرة ومتنوّعة يقول الله تعالى في كتابه الكريم:
"إن هذه أمّتكم أمّة واحدة وأنا ربّكم فاعبدون" الأنبياء 92.
"وإن هذه أمّتكم أمّة واحدة وأنا ربّكم فاتّقون" المؤمنون 52.
"وكيف تكفرون وأنتم تُتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله ومَن يعتصم بالله فقد هُديَ إلى صراطٍ مستقيمٍ" آل عمران101.
"واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرّقوا، واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألفّ بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها. كذلك يُبيِّن الله لكم آياته لعلّكم تهتدون" آل عمران 103.
ونلاحظ في الآيتين الأولى والثانية أن هناك ارتباطاً بين الوحدة والأمّة الواحدة، وبين عبادة الله في الأولى وتقواه في الثانية، وفي الآية الثالثة وضع الوحدة والاعتصام كمقابل الكفر، وحبل الوحدة والاعتصام هما الطريق إلى الصراط المستقيم، وتستطيع أن تفسّر الصراط المستقيم هنا بأنه طريق النجاة في الآخرة، والعزّة والسيادة الحضارية في الدنيا.
وفي الآية الرابعة- نرى أن الله تعالى جعل الوحدة والاعتصام وعدم التفرّق نوعاً من النعمة- وهي بلا شك نعمة عظيمة- وجعلها أيضاً طريقاً لتجنّب الهلاك في الدنيا والآخرة وهي مَعلَم من معالِم الهداية وهي إحدى آيات الله، أي أن الوحدة آية من آيات الله تعالى وهي نعمة وهي طريق لتجنّب البوار في الآخرة والدنيا على حدٍ سواء.
ويقول الله تعالى "ولا تكونوا كالذين تفرَّقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم" آل عمران105 أي أن الفرقة طريق إلى العذاب العظيم في الآخرة، والانحطاط الحضاري في الدنيا والسقوط في الذلّة والهوان.
ويقول تعالى "إن الذين فرّقوا دينهم وكانوا شِيَعاً لست منهم في شيء، إنما أمرهم إلى الله ثم يُنبئهم بما كانوا يفعلون" الأنعام 159.
"إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلّكم ترحمون" الحجرات 10.
ويقول النبي الأكرم(ص)"المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدّ بعضه بعضاً" ويقول "يد الله مع الجماعة" .
ولنلاحظ في هذا الحديث الموجز، أن مَدَد الله يأتي مع الوحدة أو أن الوحدة شرط لنزول مَدَد الله تعالى، ومَدَد الله كان تاريخياً وسيظل هو السبب المباشرللنصر والسيادة والإنجاز الحضاري.
إن الوحدة إذن فريضة شرعية، وطريق إلى النجاة في الآخرة وطريق أيضاً إلى العزّة والسيادة والنصر وتحقيق أكبر المُنجزات العمرانية في الدنيا. والوحدة الإسلامية شرط لازِم لمواجهة التحديات التي تُقابلها أمّتنا اليوم، وطريق أكيد إلى العزّة ومواجهة الأعداء والنهضة في كل المجالات، والأعداء يعرفون خطورة وأهمية هذه الوحدة، ولذا فإن مؤامراتهم عليها لم تنقطع وأهم مثال لها ما جري من تكفيرٍ وقتلٍ وفرقةٍ في السنوات الثماني الماضية بإسم الربيع العربي .
خلاصة القول هنا أن القرآن الكريم يُحدِّد لنا العناصر الأساسية لنهضة الأمّة ورِفعتها فيقول الله تعالى "كنتم خير أمّة أخرِجت للناس، تأمرون بالمعروف وتنهون عن المُنكَر وتؤمنون بالله".
أي أن سبب نشأة الأمّة، وعناصر تكوين هذه الأمّة هو الرسالية، أو المهمة التي تقوم بها هذه الأمّة، أو الرسالة الحضارية لتلك المجموعة من البشر هي التي جعلتهم يشكّلون أمّة.
الأمّة الإسلامية – بهذا المعنى- نشأت من خلال مُهمّتها ألا وهي الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكَر، أي الاضطلاع بمسؤولية القضاء على الظلم والفساد والطبقية والاستبداد والتعصّب وغيرها من أنواع المُنكَر، وحماية الضعفاء والرحمة بهم ودعوة الناس لكل خيرٍ ومعروفٍ، أي الدعوة إلى المعروف ونشره، ومنع المُنكَر والقضاء عليه سلماً أو حرباً، ومن خلال العمل لتحقيق ذلك نشأت الأمّة الإسلامية، وهي أمّة مُنفتحة لا تقوم على جنسٍ أو لونٍ أو قرابة دم أو غيرها ، بل هي تفتح ذراعيها لكل مَن يريد الدخول فيها من كل لونٍ وجنسٍ وأرضٍ، والانخراط بالتالي في مُهمّتها في إزالة المُنكَر عن الأرض ونشر المعروف في ربوع العالم.
ومن هنا نجدها أنها أمّة ترفض مفهوم العِرقية والتفرِقة العنصرية على أساس اللون أو الجنس ، ولنتأمّل تعاليم الإسلام هنا والتي تنطلق من ("كلكم لآدم وآدم من تراب" "لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى"- ليس منا مَن دعا إلى عصبية، ليس منا مَن قاتل على عصبية، ليس منا مَن مات على عصبية").ما معنى ذلك؟ معناه بكل دقّة ؛ أنه لانهضة ولاخير في الأمّة العربيةالإسلامية ،إذا ما قامت على الفرقة ،بل لابد من الوحدة التي هي روح الأمّة وجوهر عقيدتها.