لماذا أحبّت قطر ثورات "الربيع" كل هذا الحب؟
في هذه الأيام وفي ذكرى ما سُمّي بالربيع العربي، ثمة أمر مُحيّر ارتبط بذلك الربيع، أمر يدعو إلى الدهشة والتساؤل حقاً. ما الذي يدفع بـ"إمارة" صغيرة إلى أن تُنفق من أموال شعبها ما يزيد على 10 مليارات دولار في أقل من ست سنوات منذ اندلاع ما سُمّي الربيع العربي على دعم تنظيمات وجماعات دينية وسياسية تمارس الإرهاب والذبح رغم أن القنوات التابعة لها تُسمّيها بـ"الثوار"؟ ما السبب؟
أولاً: تؤكّد التقارير الدولية الرسمية والإعلامية أن قطر
بذلت كل هذه المليارات من أموال شعبها، ليس حباً بالثورات ولكن تأدية لوظيفة خُلقت
من أجلها، فتلك الإمارة – من وجهة نظرنا – ليست سوى شركة على هيئة دولة، هذه الدولة
– الشركة وُجدت مصادفة على رمال الخليج، ولأنها لم تكن قادرة بذاتها على أن تعيش
وتحمي نفسها، فما كان منها إلا أن بحثت عن الحلفاء الأقوياء الذين كانوا عبر
تاريخها الممتد هم "الحُماة" لأمنها وأمن الأسرة الحاكمة تحديداً، وهم
"الصنّاع" لدورها ووظيفتها الجديدة.
من هنا يأتي الدور والوظيفة ويأتي بذل المال بسخاء في مجالات وعلى هيئات ودول
وتنظيمات إرهابية بامتياز؛ قد يستغرب مَن يقرأ الصورة من الخارج لكن عندما يكتشف
الضعف التاريخي في بنية تلك الدولة – الشركة، وفي قدرتها على حماية نفسها بنفسها؛
ويقرأ التفاصيل الدقيقة في مشهد النشأة والدور والتاريخ المصنوع في معامل
المخابرات الغربية، ذلك التاريخ الملتحق بقوى أكبر، مَن يتعمّق في ذلك جيداً، ربما
يدرك ساعتها لماذا تقوم الإمارة بصرف أموال البلاد على تنظيمات مُتطرّفة يحلو لها
أن تسمّيها "ثورات"، حتى ترضى لنفسها بتزييف الحقيقة المرة، وبقول أكثر
وضوحاً، إن واشنطن وبعض عواصم الغرب (وأحياناً تل أبيب بحُكم العلاقات الدافئة مع
الدوحة)، قد أمروا جميعاً الإمارة المُرتهن قرارها بأيديهم أن تُنفق هذه الأموال،
فأطاعت خاصة في زمن الربيع العربى المُلتبس.
ثانياً: ثمة أوجه أخرى للحقيقة تحتاج إلى كشف وبيان خاصة
حين يقول تقارير صادرة عن نائب وزير الخزانة الأميركية لشؤون
الإرهاب والاستخبارات المالية ديفيد
كوهين إن ثمة 20 شخصية قطرية تم جمع معلومات وافية عنها قامت بتمويل عمليات
الإرهاب في العالم خارج نطاق الدور الذي حدّدته واشنطن للإمارة وهو- حليفتها
الصغيرة- وإن هؤلاء بدأوا يلعبون خارج المرسوم لهم ولدولتهم ومن أبرز الأسماء ذكرت
التقارير:
1- خالد محمّد تركي السبيعي وهو المموّل الأول لخالد شيخ علي أحد زعماء القاعدة وهو من المدبّرين الكبار للحادي عشر من سبتمبر 2001 وظل دور–السبيعي – والذي سبق اعتقاله في بيروت بتهمة دعم الإرهاب في سوريا ثم أفرج عنه لاحقاً تحت الضغط القطرى!! ممتداً من دعم لتنظيم " القاعدة " في باكستان وأفغانستان إلى النصرة في سوريا من خلال المدعو أشرف يوسف عثمان عبد السلام وعمّار القطري، بملايين الدولارات لنشر الفوضى باسم الدين والثورة.
2 – عبد الرحمن عمر النعيم.
3 – عبد العزيز خليفة العطية.
4 – سالم حسن خليفة الكواري المُتّهم بنقل أموال للقاعدة.
وأسماء أخرى عديدة وشركات وبنوك أكثر عدداً، جميعها أوردها
التقرير الأميركي ومن بعده تقارير بريطانية وتولّت فضحها صحف ووسائل إعلام غربية
منها: صحيفة "فايننشال
تايمز" والتي كان عنوانها الرئيسي (قطر تدفع 50 ألف دولار شهرياً لكل
منشق سوري في الجيش) وصنداي
تليغراف والتي وصفت قطر في تحقيقاتها الصحفية الوثائقية بالدولة الراعية
للإرهاب، وديلي
تيليغراف، وكتّاب بارزون أمثال سيمور هيرش، والسؤال: لماذا تجاوزت قطر من خلال
هؤلاء المموّلين للإرهاب، حدود الدور المرسوم لها؟ أم أنها كانت تفهم الدور وتطبقه
بشكل آخر؟
ثالثاً: إن الدور الوظيفى لإمارة (قطر) ازداد وضوحاً على
نحو ملحوظ بعد اندلاع ما سُمّي بثورات الربيع العربي، التي عشقتها قطر إلى حد الهوَس،
وأضحت تُسمي كل فوضى وكل إرهاب "ثورة"، وكانت أدوارها في أغلبها مدمّرة
للأوطان التي كانت متماسكة من خلال دعم الجماعات المسلّحة خاصة تلك الملتحفة زيفاً
برداء الدين، بالمال والسلاح، وهو السلاح الذي تمّ جلبه من دول عدّة منها مؤخراً أوكرانيا،
وكانت الحدود التركية السورية البوابة لدخول هذا السلاح إلى سوريا والعراق، ومعسكر
"أضنة" كان المكان الأبرز لتدريبهم حيث وصل تعدادهم في البلدين، إلى ما
يزيد على 40 ألف مقاتل من خارج سوريا والعراق ومن داخلهما، وبعد تحرير حلب من
هؤلاء الإرهابيين بدأت تتكشّف حقائق مذهلة عن هذا الدور الإرهابي لتلك الجماعات
وللدول التي وقفت خلفها وفي مقدمها قطر.
لقد كان الدور القطري الوظيفي المطلوب أميركياً هو التدمير والفوضى مع تغليف ذلك
كلّه وعلى مدى ست سنوات برداء "الثورة" وهي بريئة من هكذا دور قطري. إنه
الدور الذي بحاجة إلى قدر من التفصيل والتأمّل من مراكز الأبحاث والمواقع والإعلام
والنُخب العربية. لماذا؟ لأنه دمّر أكثر مما بنى (وفي الواقع هو لم يبنِ !!) والثورة
تبني ولا تهدم، ولأنه مثّل حباً وعشقاً مفاجئاً أصاب أسرة آل ثاني الحاكمة، وهم
الملوك الوراثيون المخاصمون لمفهوم الديمقراطية بالضرورة والطبيعة والمصلحة، كيف
بهؤلاء يحبّون "الثورات" كل هذا الحب فجأة ولا يمارسونه في بلادهم؟
إنه إذاً شيء آخر غير الثورات، إنه الدور الوظيفي في إطار استراتيجية دولية وإقليمية لدول كبرى أرادت تفكيك هذه المنطقة بالإرهاب الذي أسمته ثورة، وقامت باختلاق "ربيع وهمي" أسمته الربيع العربي، كانت دول الخليج وفي مقدمها قطر، مُجرّد "بيادق" على رقعته، تتحرّك كيفما ووقتما يريد اللاعب الرئيسي، وكان الثمن غالياً، للعديد من البلاد العربية وفي مقدمها سوريا والعراق وليبيا والآن مصر، لقد كان ثمن "هذا العشق الثوري المزعوم" الدم والفوضى.. والخراب.