التهديد باغتيال السّنوار وعيسى.. تفكيك الرسالة
سياسة الاغتيال الصّهيونيّ هي إحدى الخيارات الأولى المطروحة دائماً على طاولة صنّاع القرار الصهيوني، لكنّ الخيارات أصبحت اليوم مختلفة.
تداولت وسائل إعلام عربيّة وعبريّة أخباراً عن نقل الوفد الأمنيّ المصريّ رسائل تهديد باغتيال قائد حركة حماس في قطاع غزة يحيى السنوار، والرجل الثاني في كتائب الشَّهيد عزّالدّين القسام مروان عيسى، بوصف العدوّ الصّهيوني.
وقد اعتبرت وسائل الإعلام أنَّ الوفد نجح في كبح جماح العدو الصهيونيّ عن الإقدام على خطواته تجاه القائدين، ولكنْ لا يمكن اعتبار ما تمَّ تناقله حقيقياً، ولا يُعتمد عليه في تحليل المشهد الفلسطيني، وخصوصاً في السّاحة الغزية، فما نُقل شابه عدم الصحّة، بل يمكن الجزم، بحسب المعلومات المتوفرة لديّ، بأنَّ الرسالة غير صحيحة، وأنَّ الوفد لم ينقل أيّاً من التّهديدات الإسرائيليَّة إلى حركة حماس في غزة.
وهنا، لا يمكن التوقّف عند نفي نقل الرسالة فحسب، فلا بدَّ من أن نطرح أيضاً تساؤلاً: هل من الممكن أن ينقل الوفد الأمني المصريّ رسائل تحمل مضامين تهديد ضد قطاع غزة؟ هذا من جانب الوفد المصري، كما نطرح تساؤلاً من جانب العدو الصهيونيّ: هل يكشف العدوّ عن خططه الاستخباريّة المستقبليّة؟
في تقديري، لا يمكن للوفد الأمني المصريّ أن ينقل رسائل التهديد إلى قطاع غزة وحركة حماس وقوى المقاومة، فاليوم تجمع بين مصر وحماس علاقات ثنائيَّة دافئة، وتعاون متواصل في ضبط الحدود بين مصر والقطاع، ما يؤثر بصورة إيجابية في استقرار الأوضاع في سيناء، كما أنَّ مصر تقوم بدور الوساطة في الملفات، وسيمسّ نقل مثل هذه الرسائل بالودّ السياسيّ الذي يجمعها مع حماس وفصائل المقاومة.
وفي تجربة العلاقات بين مصر وقطاع غزة- حتى في أوج التوتر بينها وبين حماس في غزة- لم يسبق أن قامت مصر بأعمال مشابهة، وكان جلّ جهدها يرتكز على تخفيف حدة التوتر، والعمل على تهدئة الأجواء، بل كان دورها أكثر قرباً إلى حماس في صفقة تبادل الأسرى في العام 2011.
أما الجانب الصّهيونيّ، فهو لا يعتمد في عمليّات الاغتيال على نقل الرسائل والتهديد، إذ إنه لا يفصح عن نياته الاستخبارية حتى لأقرب أصدقائه وحلفائه، فعندما أقدم العدوّ على استهداف المفاعل النووي العراقيّ في العام 1981، نفَّذ غاراته بطائرات F16. وبعد انتهاء العملية، أخبر حليفه الولايات المتحدة الأميركية بالهجوم.
لا يعني ذلك أنَّ "إسرائيل" لا ترغب في الإقدام على اغتيال يحيى السنوار ومروان عيسى، أو أنهما ليسا في قائمات الملاحقة، فهي تجمع أي معلومة عنهما على مدار الساعة، من خلال الأجهزة الاستخبارية الصهيونية، وتضعهما على قائمة المطلوبين الأوائل لها، إلى جانب قائد كتائب القسام أبو خالد الضيف.
لقد نجحت المقاومة الفلسطينيّة في فرض معادلة الرّدع مع العدوّ الصّهيونيّ عبر سنوات طويلة من الصّراع والمواجهة، فقدت خلالها المقاومة العشرات من قياداتها.
هي معادلة يدرك العدو ثمن اتخاذ قراراتها، كما جرى في العام 2012، بكسره قواعد الاشتباك واستهداف القائد العسكري أحمد الجعبري، فكان ردّ المقاومة عبر كتائب القسام باستهداف حيفا الكبرى (تلّ أبيب).
وبناءً عليه، أصبح العدوّ يعتمد سياسة الاغتيالات خلال جولات المواجهة الواسعة، كما جرى خلال عدوان العام 2014، باستهداف قادة المقاومة من الفصائل كافة، وعلى رأسهم القائدان محمد أبو شمالة ورائد العطار، والعمل على استبدال الاغتيال الصامت بها، كما جرى مع الشهيد مازن فقهاء في العام 2017.
تعدّ سياسة الاغتيال الصّهيونيّ إحدى الخيارات الأولى المطروحة دائماً على طاولة صنّاع القرار الصهيوني، ذلك أنهم يعتبرونها الأنجع في مواجهة المقاومة، لكنّ الخيارات أصبحت اليوم مختلفة مع مراكمة المقاومة القوى، بيد أنَّ "إسرائيل" ما زالت تمارس هذه السياسة، ولن تتوقّف عنها، سواء الاغتيال الصامت أو الفجّ، ولو أصبح هذا الخيار أكثر تعقيداً.