في علاقة محور المقاومة بالمحور التركي
في مقابل صفّ من القواعد الأميركية مصوَّب نحو الجبهة الجنوبية الواسعة لإيران، تبرز أهمية تحييد قطر، وهو ما تمّ، وتصعيد الأرضية المشترَكة معها في الملف الثاني، والإفادة من تناقضها الثانوي مع المحور السعودي، تناقضٌ وجد لنفسه انعكاساً مرتداً في تفكّك قوى الإرهاب في سوريا، وفي إبراز السقف المختلف لمحور تركيا قطر في قبول تصفية القضية الفلسطينيّة، بصيغة إدارة ترامب، في مقابل تبنّي مملكة آل سعود لمشروع التصفية.
تتمتّع تركيا بفاعليّة وحرية حركة أكبر من قطر، بعد الأزمة الخليجية وتداعياتها، والتي لم تحجّم الفاعليّة القطرية في المُطلق بقدر ما توّجت التراجع القطري في سوريا، بفشل مشروع إسقاط الدولة السورية؛ بموازاة تفادي تركيا لذات الموقف من خلال حضورها على الأرض، على الحدود السورية قلب المجال الحيوي التركي، ومن خلال استدارتها وتخلّيها عن المشروع ذهاباً إلى تعاون مع روسيا وإيران، للتخفيف من آثار فشله على المصالح التركية، وعلى قمّتها توطّن سلاح الكرد شمال سوريا. يدير ويشغّل المحور التركي القطري، على الأرض، عشرات الفصائل الإرهابيّة المسلحة في شمال سوريا، حيث إدلب المحتلّة تكفيريّاً بالكامل وقطاع من شمال حلب تحتلّه تركيا بالتعاون مع فصائل تحمل عنوان "الجيش السوري الحرّ"، تركيّ النشأة، وفي جنوب سوريا، بشكل أقلّ، حيث درعا، وفي ليبيا حيث تشغّل قطر ميليشيات فجر ليبيا. استطاع المحور إعادة تصليب وتهيئة نفسه بعد هزّتين عنيفتين، محاولة الانقلاب داخل الجيش التركي والأزمة الخليجية.
يُبقي الجانب التركي القطري على اتصال بمحور المقاومة على أرضية توافق تركيا وقطر، كل على حدة، مع إيران بشكل رئيس؛ توافقٌ فرضته الجغرافيا السياسية لتركيا وإيران كقوّتين يستحيل، موضوعيّاً، لأحداهما أن تزيح الأخرى إلا بالضربة القاضية، أي الغزو قديماً، وعلى حال انهيار إحداهما لدرجة تسمح بذلك، وهو عكس الواقع الذي يشهد صعوداً مرحليّاً للطرفين تخلّله إخفاق تركي، أي تفوّق إيراني غير مباشر في سوريا، أجبر تركيا على الاستدارة سابقة الذكر؛ استدارة عمّقت سياسة "فصل الملّفات" الإيرانية وأتاحت فرصة التفاهم مع تركيا على انفراد بعد إفشال مشروعها، بصرف النظر عن عضويّتها بالناتو وعن دورها الكارثي، مقابل الخروج من مشروع إسقاط سوريا، وقد عملت كمدير تنفيذي للمشروع بحكم الجغرافيا أولاً. يمكن القول إن إيران تعلم أنه لا حلّ في سوريا من دون دور تركي مسيطرعلى أطول خط حدودي سوري مع دولة واحدة، مع مركزيّة قطاع الشمال السوري في المسألة السورية وتماسّه، مؤخراً، مع مشروع أميركي كردي، بالإضافة إلى إطلال تركيا، جغرافيّاً وعسكريّاً وأمنيّاً، على كامل حدود شمال العراق، وصعود مركزية دورها بخصوص المورد المائي العراقي.
على الجانب الآخر، طالما عملت قطر على الخصم من المصالح الإيرانية في سوريا، وكانت، وليست مملكة آل سعود، أول القوى العاملة على الأرض في مشروع إسقاط الدولة السورية بالشراكة مع تركيا، مع استهداف المنظومة الإعلامية الدعائية القطرية الضخمة لإيران، في إطار ما ترسمه تلك المنظومة من صورة لـ "الربيع العربي" هي استثمار للعمل القطري والتركي (المسلّح وغيره) على الأرض، لإعطائه شرعية تمثيل الشعوب والتعبير عن الديموقراطية والحداثة؛ ومع ذلك، تجمع الطرفان أرضية اقتصادية نفعيّة مشابهة لتلك التي تجمع الإمارات بإيران رغم التناقض السياسي الواسع، مع رغبة إيرانية صعّدتها الأزمة الخليجية وفعّلتها في استقطاب، أو تحييد، طرف إضافي في مجلس التعاون الخليجي، يُضاف إلى الإمارات ذات سقف العداء المنخفض نسبياً لإيران مقارنة بمملكة آل سعود، وعُمان ذات العلاقة المتوازنة بها.
بصفة أولويّة للطرفين، يجمع قطرَ وإيران ملفان استراتيجيان سابقان على الأزمة الخليجية، ولهما علاقة، بشكل أو بآخر، بالأزمة السورية. الأول الحضور العسكري الأميركي الضخم في قاعدة العديد القطرية، المطلّة على الساحل الإيراني المكشوف، وهي سمة مشتركة لدول الخليج العربي تُعَد المفتاح الأول لعلاقتها بإيران سلباً وإيجاباً. الملف الثاني، متصاعد الأهمية مرحليّاً، ثروة الغاز الطبيعي في الخليج، والطرفان هما المنتِجان الرابع والثالث الأكبر في العالم للغاز الطبيعي بعد روسيا صاحبة المركز الثاني، في حين تحتفظ الولايات المتحدة بالمركز الأول، ما وضعها في منافسة مع الأطراف الثلاثة التي تمتلك 50% من احتياطيات الغاز الطبيعي في العالم، في ظل تصاعد أهميته كمصدر طاقة، وتصاعد حركة وفاعلية سوقه الخاص التي تؤثّر، نسبيّاً وتدريجيّاً، على النفط المرتبط بالدولار وقيمته في السوق العالمي. تمتلك وتدير إيران وقطر، كلتاهما، أكبر حقل للغاز الطبيعي في العالم (بارس الجنوبي ــ القبة الشمالية)، الواقع على خط الحدود البحرية بين البلدين، ما يخلق ضرورة للعمل الاقتصادي المشترك ومن أهم جوانبه ارتباط الطرفين بالاقتصاد الصيني بخصوص الغاز الطبيعي وغيره، وبيعهما للغاز باليوان الصيني بدلاً من الدولار.
في مقابل صفّ من القواعد الأميركية مصوَّب نحو الجبهة الجنوبية الواسعة لإيران، تبرز أهمية تحييد قطر، وهو ما تمّ، وتصعيد الأرضية المشترَكة معها في الملف الثاني، والإفادة من تناقضها الثانوي مع المحور السعودي، تناقضٌ وجد لنفسه انعكاساً مرتداً في تفكّك قوى الإرهاب في سوريا، وفي إبراز السقف المختلف لمحور تركيا قطر في قبول تصفية القضية الفلسطينيّة، بصيغة إدارة ترامب، في مقابل تبنّي مملكة آل سعود لمشروع التصفية.