لهذا يتصارع حلفاء حزب الله في علاقتهم معه
صراع يتزايد بين حلفاء حزب الله بشكل ملحوظ منذ مدة، والاستحقاقات القادمة ستضع الحزب في مكان محرج، فما هي أهداف الحلفاء من محاولتهم استمالة حليفهم الأقوى إلى جانبهم.
كبيرة هي المنافسة التي تشهدها الساحة السياسية اللبنانية اليوم بين حلفاء حزب الله للحصول على الدعم السياسي الأكبر من هذا الحزب.
الصراع هذا الذي بدا جلياً مع اقتراب الانتخابات الرئاسية من الحسم، راح يتمدّد بعده سياسياً وانتخابياً، وإن كان تحت سقف واحد من الخيارات الاستراتيجية التي يلتقي عليها حزب الله وحلفاؤه.
في ظلّ هذا التوتّر الذي يُخيّم على العلاقات بين حلفاء حزب الله، بات مُلحّاً أن نسأل: ماذا يريد هؤلاء الحلفاء من الطرف الأقوى في محورهم الداخلي اللبناني؟ ولأجل ماذا يضغط كل فريق؟
في البداية من المُفيد أن نلفت إلى أن ما يهمّ حزب الله من حلفائه هو أمر واحد لا ثاني له: إعطاء الغطاء السياسي والشعبي الكافي لسلاح المقاومة في مواجهة إسرائيل والتكفيريين.
أما ما يجعل الحلفاء يتصارعون على دعم حزب الله في المرحلة المقبلة، فيمكن تلخيصه بالتالي:
أوّلاً، يريد التيّار الوطني الحر من حزب الله أن يدعمه لـ"تثبيت حقوق المسيحيين في لبنان". يتفرّع من هذا الهدف توقّعات بأن يكون الحزب حليفاً مدافِعاً بشكل دائم عن خيار التيار في رئاسة الجمهورية، طالما أن الأخير يحوز على الكتلة النيابية المسيحية الأكبر. كما تتفرّع من هذا الهدف أيضاً رغبة بالحصول على دعم الحزب في التعيينات التي يريدها عون لصالح المسيحيين في مؤسّسات الدولة، وهو ما يمكن أن يصطدم برغبات حلفاء آخرين، كما حصل سابقاً في قضية التعيينات الأمنية ولاحقاً في قضية ترقية عسكريين.
يريد التيّار الوطني الحر من حزب الله دعماً انتخابياً حيث للحزب وزن شعبي، كالحال في زحلة وجزين وجبيل وبعبدا، ولو كان هذا الدعم في بعض هذه المناطق قد يأتي ضد حلفاء آخرين، كحركة أمل والكتلة الشعبية بزعامة ميريام سكاف أرملة الراحل الوزير إيلي سكاف.
يريد التيّار من الحزب أيضاً دعماً في مسألة مُكافحة الفساد في المؤسّسات. هنا يظهر أن بعض التقدّم قد تحقّق مؤخّراً، حيث يظهر من الشعار الانتخابي لحزب الله "نحمي ونبني"، والخطاب الأخير للسيّد حسن نصر الله، وما كتبته الصحافة اللبنانية عن اللقاء الأخير بين نصر الله ورئيس التيّار الوطني جبران باسيل، أن الحزب بات حاضراً ليمضي قدماً بهذا الاتجاه.
لكن من المُستبعَد أن تعني نيّة مواجهة الفساد عند حزب الله، الذهاب نحو مواجهة حقيقية وشرسة، كتلك التي قد يرغب بها التيّار، مع حلفاء مُقرّبين وتاريخيين من الحزب، ذلك أن المحافظة على الغطاء الداخلي لسلاح المقاومة تبقى الأولوية الأولى التي لا يمكن التخلّي عنها لأجل تحقيق أيّ هدف آخر بالنسبة إلى حزب الله.
ثانياً، يريد تيّار المردة، بزعامة الوزير سليمان فرنجية، دعم حزب الله في الاستحقاق الرئاسي القادم بعد 5 سنوات.
هنا لا يُخفى على أحد في لبنان أن السبب الأول والجوهري الذي أدّى إلى تراجع العلاقة بشكلٍ حادٍّ بين تيّار المردة والتيّار الوطني الحر هو الصراع على رئاسة الجمهورية.
جزء من مناصري حزب الله اعتبر أن فرنجية كان أحق بدعم الحزب في الاستحقاق الرئاسي الماضي، لأن فرنجية سبق عون إلى التحالف مع حزب الله بسنوات عديدة. هذا إن لم نتحدّث عن جمهور تيّار المردة الذي كان يتمنّى أن يحسم الحزب الرئاسة عام 2016 لصالح فرنجية، بعد التحوّل الكبير الذي قام به رئيس تيّار المستقبل سعد الحريري بتبنّي ترشيح ابن زغرتا حليف دمشق الوثيق.
هنا يُطرح السؤال التالي: ماذا سيفعل حزب الله في الانتخابات الرئاسية القادمة؟ هل يدعم مرشّح التيّار الوطني الحر ويخسر حليفه الوثيق سليمان فرنجية؟ هل يدعم سليمان فرنجية ويخسر التيّار المسيحي الأكبر في لبنان؟ أم هل يمتنع عن دعم أيّ طرف تجنّباً للإحراج مع حلفائه ويقاطع الانتخابات؟
ثالثاً، تريد حركة أمل، وهي الحليف الأقوى للحزب في الداخل، دعماً في القرارات المُتعلّقة في المؤسّسات الداخلية، وهو ما ظهر أيضاً في قضية ترقية العسكريين مؤخّراً وتوقيع وزير المالية على المرسوم.
تريد حركة أمل دعم حزب الله في جزين، حيث تحصل الحركة تاريخياً على حصّة نيابية مُتمثّلة بالنائب السابق سمير عازار. اليوم يترشّح ابن سمير عازار، إبراهيم عازار عن دائرة صيدا – جزين، ليطرح مُجدّداً السؤال: مَن سيدعم حزب الله في هذه الدائرة؟ هل يدعم التيّار الوطني وهو المرشّح أن يخسر في كل الأحوال نائباً من 3 نواب في تلك الدائرة؟ أو يدعم مرشّح حركة أمل ويظهر بمظهر مَن لم يدعم حليفه المسيحي الأقوى في دائرة نصف ناخبيها تقريباً من المسيحيين؟
بناءً على ما سبق، وبعدما صار محور المقاومة هو الغالب خاصة بعد انتخاب عون رئيساً للجمهورية، باتت الإشكالية الأهم عند حزب الله هي: كيف سيتعامل الحزب مع حلفائه؟
ربما أوضح مثل على دقّة سلوك حزب الله وحذره بهذا الخصوص هو ما حصل في أزمة التعيينات الأمنية الأخيرة في ظلّ الحكومة التي ترأسها تمّام سلام.
يومها صرّح السيّد نصر الله قائلاً إن مطالب التيّار الوطني الحر يجب أن تُلبّى، وكان المقصود يومها تحديداً قيادة الجيش، ولكنّ نصر الله لم يفته القول إنه لا يجب أن تُعطّل الحكومة بشكلٍ دائمٍ أيضاً.
يومها غاب ممثلو حزب الله في الحكومة عن جلسة حكومية، ثم حضروا جلسة أخرى، في مسعى لإحداث توازن بين الحلفاء، فلا هو انحياز تام لمطالب التيّار الوطني الحر، ولا هو اندماج كامل مع رغبته بتعطيل كل شيء في البلد حتى تحقيق مطالبه.
هذا هو التوازن الدقيق الذي سيضع مستقبلاً حزب الله في وضعية لا يُحسَد عليها لدى محاولته إيجاد علاقة متوازنة بين حلفائه.