الاهتمام الإعلامي الروسي بالعالم العربي: مشروع جديد من صديق قديم

يعود الاهتمام الإعلامي الروسي بالمنطقة العربية إلى عقود خلت، حيث كان للاتحاد السوفياتي حضور مهم في هذه المنطقة، وكان من الطبيعي أن تواكب وسائل إعلامه اهتماماته هنا.

بوتين أمام الإعلام
صديق قديم. هكذا هي روسيا بالنسبة للعالم العربي. وهكذا تريد أن تبقى. في مايو أيار من العام 2007، أطلقت روسيا تحت شعار "مشروع جديد من صديق قديم" قناة روسيا اليوم الناطقة بالعربية، إلى جانب لغات أخرى، أهمها القناة الناطقة بالانكليزية التي لم يعد تأثيرها على الرأي العام الأميركي يمكن تجاهله، والتي توصف بأنها أخطر من الصواريخ الروسية على الغرب.

ويعود الاهتمام الإعلامي الروسي بالمنطقة العربية إلى عقود خلت، حيث كان للاتحاد السوفياتي حضور مهم في هذه المنطقة، وكان من الطبيعي أن تواكب وسائل إعلامه اهتماماته هنا. غير أن التغطية الإعلامية كانت تاخذ اتجاهاً واحداً، كما هي حال أغلب وسائل الإعلام الوجه.

بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، عانت روسيا كثيراً كما بات معلوماً. كل مؤسساتها واجهت ظروفاً صعبة، ومنها الإعلام. مرحلة حكم بوريس يلتسين شهدت صراعاً على الإعلام بين الدولة والقطاع الخاص، فالأخير كان متحفزاً للانقضاض على المؤسسات المهمة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، متسلحاً بنهج غورباتشوف الذي أتاه له امتلاك الوسائل الإعلامية، بينما حاول القوميون الروس والشيوعيون وغيرهم من أنصار السوفياتية الاحتفاظ بهذا القطاع في أيدي الدولة.

وفي منتصف عام 1993 أصدر البرلمان الروسي قانوناً يكفل للصحافة الحماية وحرية العمل. فامتدت أيدي رجال المال والشركات الكبرى إلى أهم الصحف ووسائل الإعلام، فتم بيع أسهم العديد من الصحف المهمة مثل "كمسمولسكايا برافدا" و"الإزفستيا" ونيزافيسيمايا غازيتا". كما نشط في تلك الفترة رأس المال اليهودي وسيطر على صحف ومحطات مهمة، أهمها سيطرة رئيس المؤتمر القومي اليهودي الروسي فلاديمير جوسينسكي على أكبر شركة تلفزيونية "أن.تي.في".

وكانت أكبر المشكلات التي يعاني منها الإعلام الروسي في تلك الفترة هي فقدانه للثقة عن المواطنين الروس، إلى جانب مشكلاته الأخرى المتعلقة بضعف الجانب التقني، وانعكاس تردي الأوضاع في البلاد عليه.

الإعلام الروسي في مرحلة بوتين

الناطق باسم وزارة الدفاع إيغور كوناشينكوف
ولكن مرحلة حكم فلاديمير بوتين التي انطلقت في عام 1999 شهدت تطوراً كبيراً في الأداء الإعلامي الروسي، كما في دور الدولة ومؤسساتها على المستوى الإعلامي. فانطلقت قناة روسيا اليوم التي تعرف اليوم بـRT، لتبث موادها بعدة لغات منها اللغة العربية، منذ عام 2007. وإلى جانب هذه القناة استعادت الحكومية الروسية مجموعة من أهم الوسائل الإعلامية، بصورةٍ مباشرة أو غير مباشرة. ومن هذه الوسائل وكالتي "نوفوستي" و"تاس"، وقناة روسيا اليوم، وصحيفة "راسيسكايا غازيتا"، وقناتي ORT وRTR، وإذاعتا "ماياك" و"صوت روسيا" التي تم تعديل اسمها إلى "سبوتنيك"، في محاكاة لاسم المركبة الفضائية الأولى التي أخرجت السوفيات إلى الفضاء.

وتمكن بوتين في فترة لاحقة من مواجهة نفوذ جوسينسكي الذي كانت مجموعته الإعلامية "ميديا موست" فاعلة في الميدان السياسي الروسي، وقد عملت هذه المجموعة ضد حملته ترشيح بوتين للرئاسة.

واليوم، فإن أهم الوسائل الإعلامية التي تطل من خلالها روسيا على العالم العربي:

قناة "روسيا اليوم": وهي هيئة إعلامية روسية ناطقة باللغة العربية تديرها مؤسسة "تي في نوفوستي" (TV-Novosti) غير التجارية المتمتعة بالإدارة الذاتية. وهي قناة إخبارية بالدرجة الأولى ، كما أنها تعرض مجموعة من البرامج المتنوعة والأفلام الوثائقية التي تعرف المشاهد بالجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية لروسيا. ويمكن اعتبار القناة منصةً توضح روسيا من خلاله مواقفها من مختلف القضايا الدولية وخصوصاً في العالم العربي. وقد باتت هذه القناة تمثل نواة للتواصل وجسر بين روسيا والعالم العربي.

 

وكالة "ريا نوفوستي" للأنباء: يعتد برأيها في روسيا وفي العالم. ولها مراسلوها في أنحاء روسيا الاتحادية والبلدان الأعضاء في رابطة الدول المستقلة وفي ما يزيد عن 40 من بلدان العالم الأخرى. وتنشر الوكالة مختلف المعلومات عن الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والعلمية والمالية باللغة الروسية واللغات الأوروبية الرئيسية واللغة العربية.

 

إذاعة صوت روسيا: وهي إذاعة حكومية تقوم ببث برامجها إلى مختلف بلدان العالم. بدأت بث برامجها عام 1929. وتقوم الحكومة الروسية بتمويل عمل هذه الإذاعة، وهي تقوم بممارسة نشاطها وعملها وفق ميثاقها الخاص الذي اقرته الحكومة. والمهمة الرئيسية للإذاعة هي تعريف المجتمع الدولي بحياة روسيا، وتقديم لوحة واقعية لما يجري في البلاد من احداث وتقريبها الى المستمعين من اجل فهمها والتعرف عليها بشكل أقرب وتقوم إذاعة (صوت روسيا) في الوقت الحاضر ببث برامجها باللغة الروسية وكذلك بـاحدى وثلاثين لغة اجنبية بما فيها العربية. وتقوم أيضا ببث ثلاثمئة واربعين برنامجاً يقوم بتقديم المعلومات عن مختلف جوانب الحياة في روسيا.

ولأن روسيا هي البلد الأول بين مصدري الغاز في العالم، فإن كاتالوج "المنتجات الصناعية المخصصة لقطاع النفط والغاز" أضحى وسيلة إعلام مهمة، وهو عبارة نشرة فريدة في روسيا تشتمل على المعلومات الكاملة والموثوق بها حول موردي المعدات الخاصة بالقطاع النفطي. ويتم تجديد المعلومات بالموقع الالكتروني للكاتالوج بانتظام وتتوفر سهولة تلقيها. ويتم نشر الكاتالوج عن طريق إرساله إلى الشركات الروسية والأجنبية المتخصصة في أبحاث جيولوجيا، والحفر واستخراج النفط والغاز ونقلهما وتحويلهما والتي تقوم بتصميم منشآت قطاع النفط والغاز.

الإعلام الروسي والعالم العربي

مبنى "ريا نوفوستي"
تولي روسيا الاتحادية أهميةً خاصة للمنطقة العربية، لا سيما بعد اندلاع موجة الاحداث قبل خمس سنوات. ويرتبط اهتمام الإعلام الروسي بهذه المنطقة، بموقعها في السياسة الخارجية الروسية، وأهميتها بالنسبة لأمن روسيا، ونفوذها العالمي.

تعتبر منطقة المتوسط فائقة الأهمية في الرؤية الاستراتيجية الروسية منذ أيام يكاترينا الثانية، التي كانت تعتبر أن الوصول إلى "المياه الدافئة" (البحر المتوسط) يمثل ضرورة وأولويةً قصوى لبلادها. وقد استمرت المنطقة محافظة على اهتمام عالٍ في ذهن القادة الروسي حتى يومنا هذا.

وتغطي وسائل الإعلام الروسية من خلال مراسليها كما من خلال وكالات الأنباء الروسية، كل أخبار المنطقة العربية، وبالأخص تلك التي تلعب روسيا فيها دوراً كبيراً.

ويعود هذا الاهتمام إلى ناحيتين، الأولى هي الناحية التي ذكرناها حول الاهتمام الاستراتيجي لدى القيادة الروسية بالمنطقة العربية، والثانية هي حاجة المواطن الروسي إلى معرفة المزيد عن هذه المنطقة. ويلاحظ هذا الاهتمام الشعبي الروسي بأحداث المنطقة العربية عند كل من يزور روسيا. كما تهتم وسائل الإعلام الروسية بتغطية زيارات المسؤولين العرب إلى موسكو.

ويمكن القول انه في الآونة الاخيرة، باتت المواد الإعلامية المنتجة حول الحرب السورية والمفاوضات التي تسير بموازاتها، أكثر المواد أهمية في الإعلام الروسي، إلى جانب الاهتمام الكبير الذي يوليه الروس للأزمة الأوكرانية. فحتى على المستوى الشعبي، يدرك الروس الأهمية القصوى لحرب سوريا بالنسبة لمستقبل بلادهم.

في الدول العربية أيضاً تصدر السفارات الروسية نشرات إعلامية باللغة العربية، توصل من خلالها الموقف الروسي في القضايا المهمة للمواطن العربي. وأهم هذه النشرات تلك التي تصدرها سفارة روسيا لدى مصر وممثلية الوكالة الإعلامية الروسية "ريا نوفوستي" وهي مجلة "أنباء موسكو" باللغة العربية التي انطلقت منذ عام 2006. وتعتبر مقالات تحليلية وإعلامية عن روسيا وموقفها من مشاكل دولية ومقالات تحليلية تحضرها وكالة "ريا نوفوستي" أساسا لهذه المجلة. إضافة إلى ذلك يتم إصدار المقالات الميدانية عن العلاقات الثنائية. إلى جانب مجلة "المفكرة" تصدر عن السفارة الروسية في لبنان، والتي توزع مجاناً على نطاق واسع.

ويعود الاهتمام بوسائل الإعلام الروسية في العالم العربي إلى الدور الذي تلعبه روسيا في هذه المنطقة. وحتى في الغرب، فإن متابعة الإعلام الروسي باتت أمراً ضرورياً. فقد جاء في دراسة قامت بها مؤسسةPwC UK ، أن العالم شهد في العقد الأخير تزايداً في الطلب على المعلومات البديلة، بما في ذلك من روسيا والشرق الأوسط وآسيا.

 

وتركزت الدراسة التي جرت بطلب من قناة RT، على تحليل اتجاهات استهلاك المحتويات والمعلومات الاخبارية وأشارت إلى أن الطلب ازداد خلال السنوات العشر الماضية، بشكلٍ حاد على مصادر بديلة للمعلومات، بما في ذلك من روسيا وغيرها من الدول. وشدد التقرير على ازدياد الاهتمام بالأخبار وهو ما زاد عدد جمهور وسائل الإعلام التقليدية الدولية وتنامي الاهتمام بالجديدة منها.