الصراع الروسي - الأميركي في الوطن العربي... إلى أين؟

ترى روسيا في المنطقة العربية بأن ما يسمى "ثورات الربيع العربي" ما هي إلا نتاج تدخلات خارجية بدعم أميركي بهدف إيجاد أنظمة عربية مروضة للولايات المتحدة الأميركية. فروسيا تسعى حاليا إلى إعادة التوازن الذي كان قائما فترة الاتحاد السوفياتي السابق، وتستعيد حلفاءها العرب لدحر مد النفوذ الأميركي. ويشير خبراء إستراتيجيون إلى أن هذه التحالفات المتضاربة والمشحونة، ستؤدي إلى حرب باردة جديدة بين حلفاء الطرفين (أميركا وروسيا) في المنطقة والخليج العربيين.

نفوذ وقوة الولايات المتحدة في تراجع مستمر
حدثت في الساحة الدولية والإقليمية تغيرات نوعية في الفترة الأخيرة، فالولايات المتحدة الأميركية لم تعد تتفرد لوحدها في الهيمنة، أي لم يعد النظام الدولي أحادي القطبية، بل ظهرت قوى جديدة منافسة للهيمنة الأميركية أهمها الصين وروسيا. 
فالمجتمع الدولي الآن في مرحلة تحول إلى نظام متعدد الأقطاب بسبب تراجع قوة الولايات المتحدة الأميركية، وصعود قوى جديدة بدأت تفرض نفودها على الساحة الدولية بزعامة روسيا والصين، والأخيرتان تشكلان المنافس الأقوى والأخطر لأميركا ونفوذها وحلفائها. 
يظهر ذلك جلياً بعودة روسيا وقوتها ووزنها كدولة عظمى دولياً وإقليمياً، فأصبح لها يد في كافة النزاعات والصراعات العالمية بدعم وتأييد صيني، فعلى سبيل المثال الصراع الروسي الأميركي في سوريا والحرب ضد العصابات السلفية؛ إذ نرى دعما صينيا لروسيا بشكل واضح وخصوصاً عسكرياً، لأن هذه العصابات تشكل أيضاً خطراً على الأمن القومي الصيني، وبالتالي تجد الصين في روسيا حليفا إستراتيجيا لها[1].

 وقد أصبح التغلغل الروسي في المنطقة واضحاً وخصوصاً في سوريا، من خلال إنشاء قواعد عسكرية روسية ودعم روسيا للنظام والجيش العربي في سوريا في حربه ضد داعش والجماعات الإرهابية من جهة، وتحالفها مع إيران وبعض دول المنطقة وتأثير ذلك على سائر البلاد العربية من جهة أخرى. ولصراع النفوذ الأميركي-الروسي هذا، تأثير كبير على القضية الفلسطينية، فإسرائيل، بحسب الخريطة الجيوسياسية للمنطقة، تقع في صلب المعسكر الأميركي، كحليف استراتيجي وأساسي لأميركا، والعلاقات الأميركية–الإسرائيلية قوية جداً ولن تتغير على الأقل في المستقبل القريب والمتوسط لأسباب مصلحية-لوجستية-عسكرية توحد الطرفين؛ وبخاصة أن إسرائيل تعتبر، من الناحية التاريخية والاستراتيجية إستثماراً أميركياً - غربياً في مشروع أمني-عسكري إستراتيجي متقدم لحماية الوجود الغربي الإستعماري في المنطقة العربية.

إلا أن ما نلحظه في السنوات الأخيرة أن نفوذ وقوة الولايات المتحدة في تراجع مستمر؛ ما يعني بالضرورة تراجع قوة حلفائها في المنطقة وبالأخص إسرائيل، وما يقابلها من خطر القوة المتنامية للمعسكر الروسي المعادي لأميركا وحلفائها في المنطقة وأخطرهم (بالنسبة إلى إسرائيل) سوريا وإيران والمقاومة اللبنانية والفلسطينية.

يتضح بأن العلاقة طردية في ميزان القوى بين النفوذ الروسي وبين القوى والدول المعادية لإسرائيل، فكلما ازدادت قوة النفوذ الروسي، كلما تعزز موقع المقاومة (خصوصاً حزب الله) وسوريا وإيران في موازين القوى، لأن روسيا ترى فيهم وبحسب فلسفتها العسكرية حلفاء استراتيجيين في صد الهيمنة الأميركية؛ ما يعني بأن النفوذ الروسي وحلفاء روسيا إقليميا يشكلون تهديدا مباشراً لإسرائيل أمنياً وعسكريا[2]، رغم العلاقة السياسية-الأمنية بين روسيا وإسرائيل.

من هنا نرى التحول الأمني - العسكري النوعي، فإسرائيل كانت تجلس سابقاً بأمان وطمأنينة تحت المظلة الأميركية، أما الآن فقد تحول الأمان إلى قلق متزايد بالتوازي مع اتساع قوة المظلة الروسية "المعادية"، أو بتعبير أدق غير المتساوقة مع المصالح الأميركية - الإسرائيلية في المنطقة.

ترى روسيا في المنطقة العربية من جهة أخرى، بأن ما يسمى "ثورات الربيع العربي" ما هي إلا نتاج تدخلات خارجية بدعم أميركي بهدف إيجاد أنظمة عربية مروضة للولايات المتحدة الأميركية. فروسيا تسعى حالياً إلى إعادة التوازن الذي كان قائماً فترة الاتحاد السوفياتي السابق، وتستعيد حلفاءها العرب لدحر مد النفوذ الأميركي.  
ويشير خبراء إستراتيجيون إلى أن هذه التحالفات المتضاربة والمشحونة ستؤدي إلى حرب باردة جديدة بين حلفاء الطرفين (أميركا وروسيا) في المنطقة والخليج العربيين.

أما الولايات المتحدة فتعي جيدا ما يحدث وتستشعر خطر قوة روسيا، لذا تحاول وقف صعودها الذي يهدد النفوذ الأمريكي بوسائل متعددة، أهمها فرض عقوبات اقتصادية على روسيا، ومحاولات خلع اليد الروسية من المنطقة العربية وغرب آسيا وخصوصا ما يتعلق بدعم النظام السوري، إضافة إلى الدعم العسكري لأوكرانيا في مواجهة روسيا، وأيضا نشر الصواريخ البالستية للحلف الأطلسي في المحيط المجاور للأراضي الروسية.  
لكن محاولاتها التقليدية والمبتذلة لم تنجح في دحر نفوذ روسيا وقوتها الصاعدة، علما أن  الولايات المتحدة اعتادت أن تسرح في المنطقة العربية وحدها من دون منازع، تحرك وتتحرك كما تشاء؛ أما الآن فالمعادلة آخذة في التغير. الفلسفة الإستراتيجية الأميركية ترى أن المعادلة الجيوسياسية والعسكرية الحالية في المنطقة خطر وتهديد على نفوذها فتسعى جاهدة إلى إعادة الوضع الإقليمي والدولي كما كان سابقاً.

من هنا نرى التناحر الأميركي - الروسي حول النفوذ والمصالح يزداد شيئاً فشيئاً في المنطقة العربية، فالولايات المتحدة تقف ضد مصر في دعمها لأثيوبيا لبناء سد النهضة، بينما تقف روسيا مع مصر في موضوع السد تحديداً. كما ترى أميركا في إيران وسوريا والفصائل الفلسطينية المقاتلة وحزب الله وكوريا الشمالية بأنها مصدر إرهاب وخطر عليها وعلى حلفائها؛ بينما ترى روسيا في الأخيرين حلفاء استراتيجيين.

وبالنسبة إلى سوريا تقف روسيا إلى جانب الجيش السوري بينما تقف الولايات المتحدة ضده، إضافة إلى أوجه كثيرة أخرى من التناحر العسكري-السياسي بين الطرفين.

[1]  رجب، ايمان، المُخطّط الروسي في الشرق الأوسط، صحيفة العرب، 9-6-2014 http://www.alarab.co.uk/m/?id=24832

تاريخ الزيارة: 9-8-2016

[2]  موسى، عبير، خطر التدخّل الروسي بالشرق الأوسط، 29-8-2015، دنيا الوطن  http://pulpit.alwatanvoice.com/content/print/376585.html

تاريخ الزيارة: 10-8-2016