التساهل السوري مع القوات الكردية كان مقصوداً
لم
يعد خافياً على أحد إن محاولة الانقلاب الفاشلة ضدّ الرئيس التركي رجب طيّب
أردوغان قد أحدثت مجموعة من المتغيّرات الإقليمية والدولية.
فبين التوتر التركي «الأطلسي» من جهة، والتقارب مع الجمهورية
الإسلامية في إيران وروسيا الاتحادية، ومن خلفهما سوريا، هناك مجموعة من الملفّات
العالِقة التي تنتظر الحل.
منذ
بدايات تسلّح الفصائل الكردية وانضوائها تحت رايات مُختلفة، لم تعبّر الحكومة
السورية عن موقف سلبي تجاه هذا الموضوع. لا بل أقرّت بُثينة شعبان مُستشارة الرئيس
السوري بشّار الأسد في لقاء مع قناة روسيا اليوم قبل 6 أشهر، أن أعضاء حزب الاتحاد
الديمقراطي الكردي (وذراعه العسكرية وحدات حماية الشعب) "سوريون يعملون على تحرير
أراضي سوريا بالتعاون مع الجيش السوري، والطيران الروسي، وقوات الدفاع الشعبي".
بحسب
بعض المراقبين، إن التساهل السوري مع القوات الكردية كان مقصوداً من أجل تحقيق جملة
من الأهداف:
أولاً، كي تتحمّل الفصائل الكردية عبء مواجهة التنظيمات الإرهابيّة
من "داعش" و"جبهة النصرة" وغيرها التي تشكّل خطراً وجودياً
على البلاد. فجغرافيا الصراع الكبيرة لا تسمح للطاقة البشرية للجيش السوري في
مقارعة العدوّ الإرهابي
على امتداد 185,18 متراً مربّعاً.
ثانياً، من أجل الضغط على حكومة أردوغان التي تعتبر موضوع
الفدرالية وأي نظام حكم ذاتي للأكراد بمثابة الخط الأحمر.
ثالثاً،
إن تواجد قوات كردية مُنظّمة إلى جانب الحدود التركية سيؤثّر حتماً على المكوّن
الكردي في الداخل التركي. وهذا ما حصل فعلياً خلال المواجهات الدامية بين الجيش
التركي والمُتمردين الأكراد في جنوب شرقي البلاد.
هذا يعني إن القيادة السورية كانت تنوي
على المدى الاستراتيجي ضرب عصفورين بحجر واحد. فمن جهة سعت إلى تخفيف العبء
العسكري على جيشها، ومن جهة أخرى للتنويه إلى الأرضية المُشتركة بين دمشق وأنقرة
من أجل التسوية السياسية في مرحلة لاحقة.
ولكن
كان من المُفترض أن يحدث هذا الأمر على الأقل بعد القضاء على العمود الفقري
للتنظيمات الإرهابية، وخاصة تنظيمي داعش وجبهة النصرة (جبهة فتح الشام).
فما
الذي حدث؟
يبدو
أن الولايات المتحدة استشعرت بمخاطر التفاهمات الثنائية بين أردوغان وكل من الرئيسين
بوتين وروحاني، وردّت على التقارب التركي مع خصوم واشنطن، وبالتحديد مع موسكو
وطهران اللتين أكّدتا على وحدة وسلامة أراضي الجمهورية العربية السورية وفرضتا مُعادلة
«قاعدة همدان»، وذلك بخلط الأوراق في الشرق والشمال السوري من أجل القضاء على ما
تبقّى من السيادة السورية في الحسكة، القامشلي ودير الزور.
وهذا ما يُفسّر الردّ السريع للجيش العربي السوري، الذي لجأ إلى
سلاح الجوّ وقصف مواقع انفصاليي «الأسايش» في دوار الغزل، مدرسة البيطرة، حاجز العمران،
مدرسة السياحة، وعدّة نقاط بالنشوة وحاجز ما بعد دوّار الكهرباء في الحسكة.
من
جهته أكّد مسؤول بـ"البنتاغون" عن استهداف الجيش السوري لمواقع تابعة للقوات
الكردية في منطقة الحسكة وعلى مقربة من مواقع للقوة الأمريكية (غير الشرعية) المتواجدة
في سوريا.
بعد هذه التطوّرات، خرج المتحدّث باسم القيادة العامة للجيش
والقوات المُسلّحة السورية قائلاً إن “الجناح العسكري لحزب العمال الكردستاني «الأسايش»
صعّد في الآونة الأخيرة من أعماله الإستفزازية في مدينة الحسكة كالإعتداء على مؤسّسات
الدولة وسرقة النفط والأقطان وتعطيل الإمتحانات وارتكاب أعمال الخطف بحقّ المواطنين
الآمنين وإشاعة حال من الفوضى وعدم الاستقرار”.
وأكّدت
القيادة العامّة للجيش إن “الاعتداءات المُتكرّرة على المواطنين والجيش العربي السوري
هي من جانب «الأسايش» حصراً ولا علاقة لأيّ مكوّن سوري بها وتؤكّد القيادة في الوقت
ذاته عزمها على التصدّي لمثل هذه الإعتداءات من أية جهة كانت وبذل جميع الجهود المُمكنة
لعدم تفجّر الوضع حفاظاً على وحدة أراضي سورية وسلامة وأمن مواطنيها أينما كانوا”.
إن
وصف مُسلّحي «الأسايش» في الحسكة بأنهم «الجناح العسكري لحزب العمّال الكردستاني»
تنطبق عليه المقولة الشعبية: الحكي إلك ياجارة إسمعي ياكنّة. أنقرة سمعت البيان جيّداً،
وخرجت لتردّ على لسان رئيس الوزراء التركي بن علي يلدرم يوم السبت (20 اَب\أغسطس)،
قائلاً إن دمشق بدأت تدرك خطر الأكراد، ومؤكّداً أن بلاده ستضطلع بدور أكثر فعّالية
في التعامل مع الأزمة السورية منعاً لتقسيم عرقي في
البلاد. كما
أشار يلدرم إلى قبول تركي بدور للرئيس الأسد في المرحلة الانتقالية لسوريا.
بالرغم
من الدعم الغربي والإسرائيلي لمشروع فدرلة سوريا وتقسيمها لاحقاً على أسُس طائفية
وعِرقية، تقول د. ليلى نقولا أستاذة العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية: "إن الانقسام الكردي-الكردي العامودي الذي يطبع
المجتمع السياسي الكردي في كل من العراق وسوريا، سيجعل من الصعب على الأكراد تحقيق
"حلم الدولة"، خاصة في ظل توحّد جميع الدول المجاورة ضدّهم".
على عكس موضوع المُصالحة مع السعودية، إن عودة العلاقات مع تركيا –
بوساطة روسية وإيرانية – يجب أن تكون على طاولة البحث والنقاش. فالمُصالحة مع أنقرة
لها إيجابيات كثيرة أهمّها:
1- إغلاق الحدود (822 كم) أمام تدفّق عشرات الآلاف من الإرهابيين الأجانب.
2- وقف الدعم العسكري والمالي للجماعات الإرهابية المحسوبة على تركيا،
وهم الأقوى والأكثر عدداً في الشمال السوري.
3- فصل المجموعات الإرهابية المحسوبة على السعودية وقطر من المجموعات المحسوبة
على تركيا.
4- القضاء على حلم الانفصاليين الأكراد، إما بالفدرلة أو بكيان مستقل.
5- احتواء حركة الأخوان المسلمين بكل أذرُعها السياسية والعسكرية في
سوريا.
لكن السؤال الذي يجب أن نواجهه اليوم: ماذا ستقدّم دمشق والحلفاء
لتركيا لإتمام التسوية؟ وهل ملف الانفصاليين الأكراد كافٍ لتعاون سوري تركي في
المستقبل القريب قبل الانتخابات الأمريكية؟
الأيام المُقبلة كفيلة بالإجابة على هذه التساؤلات.