سجناء الرأي في البحرين بين مطرقة النظام وسندان كورونا

لا شكّ في أن الحالة السياسية بعد 10 سنوات من بدء الأزمة ما زالت تراوح مكانها، ولم تستطع حكومة البحرين أن تقدم رسائل إيجابية لإحداث انفراج، وخصوصاً في ملف السجناء السياسيين.

  • بات ملفّ السجناء يشكّل حرجاً للسلطات، وإن قالت إنهم
    بات ملفّ السجناء يشكّل حرجاً للسلطات، وإن قالت إنهم "جنائيون" وليسوا سجناء رأي

أحدث استشهاد السجين عباس مال الله في سجن "جو" المركزي صبيحة الثلاثاء 6 نيسان/أبريل صدمة كبيرة في البحرين، إذ تعرض الشهيد، بحسب بيان وزارة الداخلية البحرينية، لنوبة قلبية أدت إلى وفاته، في حين اتهمت جمعية "الوفاق" المعارضة إدارة السجن بالتقاعس والإهمال في نقله إلى المستشفى، مضيفة أنه أصيب سابقاً بطلقة من سلاح الشوزن المحرم دولياً، وهو ما يعني بقاء شظايا صغيرة في جسمه طوال حياته لا يمكن إزالتها.

يعدّ عباس مال الله أول شهيد في عهد ولي العهد رئيس الوزراء الشيخ سلمان بن حمد، الذي عيّنه والده في هذا المنصب في تشرين الثاني/نوفمبر 2020، بعد وفاة رئيس الوزراء السابق خليفة بن سلمان الذي بقي يشغله طوال 49 عاماً.

هذا الحدث سوف يلقي ظلاله على عهد رئيس الوزراء الجديد، الذي ورث تركة ثقيلة من الأزمات السياسية والانتهاكات الممتدة في مجال حقوق الإنسان. وهنا، يمكن القول إنَّ التبريرات التي قدمتها السلطات بشأن وفاة مال الله لم تكن مقنعة أو مقبولة لأهالي السجناء أو منظمات حقوق الإنسان، ناهيك بالمعارضة السياسية.

ولهذا، لا يستقيم أن تتبرّأ السلطات الحاكمة من الاتهام، فهي تتحمّل المسؤولية السياسية والقانونية والأخلاقية عن هذه الوفاة، بصفتها الجهة التي قامت باعتقاله وسلب حريته في ظلّ هذه الظروف الصحية الحرجة في السجون.

لا شكّ في أن الحالة السياسية بعد 10 سنوات من بدء الأزمة ما زالت تراوح مكانها، ولم تستطع الحكومة أن تقدم رسائل إيجابية لإحداث انفراج، وخصوصاً في ملف السجناء السياسيين الضاغط على الأهالي والحكومة في آن.

تبيّن المتابعة أيضاً أنَّ الحكومة تراوغ في تطبيق الحلول التي استحضرتها من الخارج لتطبيقها، وتحديداً "قانون العقوبات والتدابير البديلة"، الذي لم يغير واقع السجون منذ أن أقره ملك البحرين في شهر تموز/يوليو 2017.

من هنا، بات ملفّ السجناء يشكّل حرجاً للسلطات، وإن قالت إنهم "جنائيون" وليسوا سجناء رأي، لأنه ينم عن سيادة المنهج الأمني في التعامل السياسي وتحكّمه بصيرورة الأحداث، فالبحرين هي الأولى خليجياً في عدد السجناء السياسيين قياساً بعدد سكانها ورقعتها الجغرافية، إذ تقدر المعارضة أعاد السجناء بين 2000 و3000 سجين سياسي يتوزعون على 4 سجون هي "جو" و"الحوض الجاف" و"القرين العسكري"، و"مدينة عيسى"، والأخير سجن مخصص للنساء.

هذه السجون الأربعة لا تتمتع بالرعاية الصحية اللازمة. يُضاف إلى ذلك ما يعانيه السجناء الذين تطلق عليهم السلطات اسم "النزلاء" من صور الحرمان من الحصول على العلاج، وهو ما يهدد حياتهم، وخصوصاً في زمن كورونا، إذ تجاوز عدد المصابين 77 مصاباً.

وتشير جهات مراقبة إلى أن السجناء السياسيين في محنة، وهم يقبعون بين مطرقة الانتقام السياسي والعقاب الجماعي من قبل النظام الذي قد يفضي بهم إلى الموت، وسندان تفشي كورونا، وهو موت ماثل يلاحق كبار السن والمرضى منهم.

يُلاحظ أيضاً أن الحكومة تتهرّب من تطبيق توصيات تقرير "بسيوني" الشهير الذي صدر في 23 شباط/فبراير 2011 في المنامة، والذي نصَّ، وبشكل صريح، على قيام حكومة البحرين "بضرورة إعداد برنامج للمصالحة الوطنية يتناول مظالم المجموعات التي تعتقد أنها تعاني من الحرمان من المساواة في الحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية بغية أن تعم الفائدة منها على كافة طوائف الشعب البحريني".

تبقى الإشارة في ختام هذه المقالة، وبعيداً من "التناول الطائفي"، إلى أنَّ السجناء السياسيين الآن ينتمون إلى الطائفة الشيعية، وهو ما يكشف أزمة "ثقة" بين النظام وهؤلاء المواطنين الذين يشكلون حوالى 60% من السكان، رغم تأثيرات "التجنيس السياسي" الذي يستهدف التغيير الديموغرافي في التركيبة السكانية للبلاد.

من هنا، ينبغي تفهّم مطالب أفراد هذا المكوّن الاجتماعي الواسع في البحرين، والنظر في المظالم التي يعانونها، والتي تتلخّص في الأساس في التجهيل السياسي وانعدام العدالة الاجتماعية وتوزيع الثروة.