"إنسانية محمد" (ص) بعيون كاثوليكية أميركية من الداخل

عندما قرأ كونسيداين عن الرسول محمد (ص)، أدرك أنه يقدّم فكرةً مختلفة عن طبيعة كينونة الإنسان وما تعنيه مشاركة هذه الأرض.

  •  كتاب
    كتاب "إنسانيّة محمّد" لعالم الاجتماع البارز، الأستاذ كريج كونسيداين

ما الذي قد يدفع كاثوليكيّ أميركيّ من أصولٍ إيرلنديّةٍ وإيطاليّةٍ إلى أن يكون أحد الأصوات العالميّة الرائدة في المجاهرة بالإعجاب بنبيّ الإسلام محمد (ص)، في ظلّ كلّ التحديات الآنية، ومأسسة الإسلاموفوبيا، وتفشّي العنصريّة بشكلٍ فاقعٍ وخطيرٍ تصاعدياً في الغرب؟

لعلّ كتاب "إنسانية محمّد" لعالم الاجتماع البارز، الأستاذ كريج كونسيداين، يقدّم نظرة عامّة إلى حياة الرسول وإرثه، إضافةً إلى تحليلٍ اجتماعيٍّ لتعاليمه ونموذجه، ولعلّه يوضح كيف اعتنق محمد (ص) مبدأ التعدديّة الدينية، وكيف كان تصوّره للأمة المدنيّة والتعايش، وكيف عبّر عن مناهضة العنصرية، ودافع عن طلب المعرفة، وبادر إلى الدفاع عن حقوق المرأة واتّباع القاعدة الذهبيّة، أي المعاملة بالمثل، وهي مبدأ أخلاقيٌّ يدعو الناس إلى معاملة الآخرين بالطريقة التي يريدون أن يعاملوا بها.

الأستاذ كونسيداين في كتابه "إنسانية محمّد" يلقي الضوء على جانبٍ من جوانب النبيّ، والذي غالباً ما يُنسى ذكره في الروايات والمقاربات الإعلاميّة السائدة.

الدكتور كونسيداين هو أستاذ علم الاجتماع في جامعة رايس، ومؤلّف العديد من الكتب عن العلاقات الإسلاميّة -المسيحيّة في أميركا، وسواها من المقالات والدراسات. وعلى الرغم من كونه ترعرع في بوسطن، ماساتشوستس، التي يشير إلى أنها بلدةٌ تضم 99 في المئة من البيض المسيحيين، فإنه طوّر ميله إلى البحث والدراسة المتعمقة عن الإسلام ورسوله محمد (عليه الصلاة والسلام)، كما أنه ركّز على التعاليم الإسلامية والعلاقات الإسلامية - المسيحية، وهو يكشف كيف طوّر هذا الاهتمام، وهل كان الفضول فحسب هو الدافع أو أن شيئاً آخر دفعه إلى السعي وراء هذه الدراسة!

يقول كونسيداين: "أعتقد أنّ عليّ القول في البدء بأني نتاج لجيل 11 أيلول/سبتمبر في الولايات المتحدة وبوسطن؛ المكان الذي ترعرعت فيه، حيث 99 في المئة من السكان من البيض المسيحيين. وعند وقوع أحداث 11 أيلول/سبتمبر، لم يكن لدي أي سياق أفسر من خلاله ما حدث، كما أنني لم أكن على دراية بالأمور التي جرى قذفنا بها عبر وسائل الإعلام عن الإسلام وتعاليمه وعن الرسول محمد (ص). لذا، عندما ذهبت إلى الجامعة، انتابني الفضول لمعرفة السبب وراء حدوث شيء مثل أحداث 11 أيلول/سبتمبر.

وعند ذهابي إلى الجامعة، كنت محظوظاً جداً بأن أحظى بمعلّمين مدهشين من المسلمين الذين عرّفوني بثراء الإسلام وحياة الرسول محمَّد، وكلّما أصغيت إلى أساتذتي أصبحوا بالنسبة إليّ مرشدين وقدوة".

عندما قرأ كونسيداين عن الرسول محمد (ص)، أدرك أنه يقدّم فكرةً مختلفة عن طبيعة كينونة الإنسان وما تعنيه مشاركة هذه الأرض، بغض النظر عن إيمانه. لذا تمحور الأمر بالنسبة إليه حول المعرفة وأهمية سلاح المعرفة وفكرة فهم الأحداث الحالية، ليس من منظور الدراسة والكتب فحسب، وهو أمر المهم بالطبع، بل ومن خلال الناس أيضاً.

ما الذي يعنيه الإسلام في عيني مسيحيي مخلص اليوم؟ 

على الرغم من التصعيد الذي تحدث عنه عالم الاجتماع في ما يتعلق بتفاقم الخطاب العنصري العدائي ضد الإسلام، وكيف ترتبط تعاليم الإسلام بالتعاليم المسيحية وتتقاطع معها، فإن الإسلام لا يعدّ بالضرورة ديناً جديداً، ويعتقد كونسيداين أن معظم علماء المسلمين يوافقونه الرأي، فهو عندما ينظر إلى اليهودية والمسيحية والإسلام، لا يرى 3 أديان مختلفة، بل يرى بشكل أساسي 3 فروع من الشجرة نفسها. تلك الشجرة متجذرة من النبي إبراهيم (ع)، وتلك الشجرة هي الله بالمعنى التوحيدي. من المهم للناس أن يفهموا ذلك، ولسوء الحظ، فإن الكثيرين أخفقوا في فهم هذه المسألة. ربما تكون لدينا بعض الاختلافات اللاهوتية، ولكننا نؤمن بالإله نفسه.

لذا، علينا جميعاً التركيز أكثر على قوة المعرفة وقدرة التعليم والقصص والأمثلة التي نمتلكها، من خلال مصادرنا العلمانية والدينية، فإنها تشكل قوةً مليئة بالنية الحسنة من ناحية مدّ تلك الجسور.

هل يمكن لقوة الصلاة وحدها إيقاف جائحة كورونا؟!

"حتى الرسول محمد (ص) فكّر بشكل مغاير"، كان ذلك رأي كونسيداين الذي نشره في مجلة "نيوز ويك" (Newsweek) الأميركية، والذي اجتذب اهتماماً واسعاً وردود فعل من وسائل الإعلام العالمية وكيفية تصويرها لتعاليم الرسول محمد في مكافحة فيروس كورونا.

هذه التعاليم واضحة جداً، ولا تحمل التفسير والتأويل، إذ دعا رسول الله (ص) إلى المحافظة على النظافة، وقال: "النظافة من الإيمان"، فإن كان هناك وباء في مجتمعٍ معين فلا تخالطوا ذاك المجتمع، وإن كنتم جزءاً من ذاك المجتمع فلا تغادروه حتى لا تنشروا الوباء.

لذا، هذه الأمور أساسية جداً، لكن القصة الرئيسية التي اجتذبت اهتمام وسائل الإعلام العالمي، بحسب دكتور كريغ، هي قصة أصيلة متعلقة بالرسول محمد عندما كان يسافر مع بدويّ، وكان كلٌ منهما على جمله. وعندما وصلا، سأل الرسول البدوي: "ألن تربط جملك؟"، فأجاب البدوي بأنه يضع ثقته بالله، فقال الرسول (ص): "اربط الجمل، ثم ضع ثقتك بالله".

إنها عبرة مهمة جداً. لسان حال النبي محمد يقول إن هناك توازناً دقيقاً بين العقلانية والإيمان. خلق الله لنا الذكاء، ونحن أصحاب منطق. استخدم عقلك، وامتلك الإيمان أيضاً. لذا، علينا دوماً استخدام هذين الأمرين في آن معاً.

لمتابعة الحوار كاملاً والاطلاع على تفاصيل أكثر من برنامج "من الداخل" مع كريغ كونسيداين، مؤلف كتاب "إنسانية محمد":