هل يعيد اليمن بناء الخليج من دون هيمنة أميركية؟
هؤلاء الحفاة سنشاهدهم أكبر قوة في الجزيرة العربية، عسكرياً وفكرياً، وستتفاجأ الجماهير العربية.
اليمن المقاوم بنكهة أبناء المسيرة القرآنية هو أملنا العربي القادم في التحرر، والقوة الصاعدة التي ستعيد بناء الخليج سياسياً، بعد تثبيت البلد المستقل المتحكّم بثرواته وطاقاته الهائلة المعطلة.
ويبدو أنَّ ملحمة اليمانيين في وجه تحالف الغدر الدولي المنفّذ لمصالح أميركا والكيان الإسرائيلي والعائلة السعودية مستمرة حتى التضعضع الداخلي العميق بين الحاكمين في الرياض. هذا هو تقديري، طال الزمن أو قصر، وهؤلاء الحفاة في مظهرهم من لبسوا القلوب على الدروع في مشاهد لا تحصى وثّقها الإعلام الحربي، سنشاهدهم أكبر قوة في الجزيرة العربية، عسكرياً وفكرياً، وستتفاجأ الجماهير العربية والإسلامية بعد صدمةٍ ما تلفت انتباهها عن دعاية آل سعود وغيرهم التشويهية ضد أنصار الله، بأنهم الأصدق والأكثر إخلاصاً في حمل الهم بصدق عن أمتنا في وجه مخططات عدوها الصهيوني بالذات، كما أنَّهم الأكثر قدرة على توظيف المشتركات بين المسلمين بكل مذاهبهم.
وقد تبيَّنت ذلك من استقصائي حولهم وقراءتي واستماعي إلى تراث السيد الشهيد حسين الحوثي، وقد دفعوا ضريبة عدائهم للشر المطلق الإسرائيلي من دماء أبنائهم وقياداتهم أكثر مما يتصوَّر أحد.
نموذج لافت في التنظيم والإدارة
لم تفتأ حركة أنصار الله تقدم نموذجاً لافتاً في الإدارة والتنظيم، رغم الحرب والحصار، وهم الّذين قادوا المرحلة الثانية للثورة اليمنية، بعد أن كانوا في صلب المرحلة الأولى، فنهضت المسيرة القرآنية التي انطلقت في الأساس وقبل "الربيع العربي" ضد الهيمنة الأميركية، وتم خوض 6 حروب سعودية أو بتمويل سعودي ضدها لهذا السبب، لتحكي عن المنطق الفريد الآتي من جبال مران اليمنية.
لقد استطاعت قوى التحرر بقيادة السيد عبد الملك الحوثي تحويل الخريف الَّذي أرادوه للمنطقة إلى فرصة في اليمن، فقلبت البنيان من أساسه على رأس محور الفوضى الخلاقة، وشرع المقاومون اليمانيون ببناء الاستقلال المعمد بالتضحيات لقطع يد أميركا. وقد مهّد في التنظير لذلك المفكر الشهيد حسين الحوثي في ملازمه ومحاضراته، وهو الممتلئ بشوق الانعتاق من قيود التحالف مع بني سعود وامتداداتهم الغربية.
منذ العام 2011، يقترح أنصار الله صيغاً للتحالف الوطني بين كل المكونات اليمنية بلا استثناء، وبناء دولة حرة سيدة كريمة توافقياً، ومعالجة المشكلات الاقتصادية والجهوية بالتفاهم، داعين إلى وحدة اليمنيين والتسامح، لكن الضغط السعودي وامتداداته كان يمنع التجاوب.
وعندما اضطر السيد الحوثي ومقاتلوه في صنعاء إلى الإمساك بزمام الأمور، حتى لا تصبح العاصمة ومدن اليمن مسرحاً لانتحاريي القاعدة والدواعش، لم نرَ من الجيش واللجان الشعبية استباحة لأي مجموعات سكّانية، ولا عمليات تطهير، ولا أعمالاً انتقامية، كما يفعل المنتصرون، وكما فعل المعسكر الآخر والسعوديون. وفي كلّ مواجهاتهم، أبدوا أخلاقية ومناقبية عزَّ نظيرها في معاملة الخصم والرفق بالأسرى.
أما من نهاية لهذه الحرب؟
ما زال حلف العدوان، رغم هزيمته الحقيقية، قياساً إلى أهدافه ضد اليمن، يحجم عن وقف الحرب، وهو مستعد لخسارة المزيد، حتى لا يمنح محور المقاومة بفضائه الكامل اقتداراً إضافياً وحضوراً على سواحل البحر الأحمر وباب المندب والخلجان ومداخل البحار.
كيف لا! وجبهة المعتدين أطلقت هذه الحرب حتى لا تمنح اليمن المستقل وحلفاءه في المقاومة هذا الموقع الاستراتيجي. ولا شكّ في أنّ تداعيات انسحابهم ووقف حربهم الوحشية هي تداعيات مباشرة على نفوذ أميركا في منطقتنا، رغم أنها مصلحة مستعجلة للنظام السعودي المليء بالأزمات والتوترات، والسؤال: إلى متى تستمر حفلة الجنون والتطهير ضد البشر والحجر في اليمن؟
تكرار الصورة التاريخية
عندما شنّت حرب صدام المفروضة على إيران الإسلامية الوليدة، استمرّت لاإنسانيتهم 8 سنوات. وعندما صمد الشعب الإيراني، وسقطت رهاناتهم، تجذرت إيران كقوة لا تضاهى، وجيش مدرب، وتشكيلات عسكرية خبيرة، استطاعت أنماطها لاحقاً أن تساهم في تقويض "إسرائيل" وإنهاء وجودها في لبنان وغزة، وإسناد أحرار اليمن كذلك في وجه المعتدين الحاليين وعواصفهم، وتحرير سوريا من الإرهاب التكفيري المصنع في أقبية آل سعود ومراكزهم الوهابية، وهنا في اليمن حرب مفروضة أخرى مر عليها ما يقارب 6 أعوام، وما أشبه الليلة بالبارحة!
فمع استمرار الصمود اليمني، والأداء المقاوم الاستراتيجيّ، والنفس الطويل بقيادة أنصار الله، وبالاستفادة من مشورة حلفاء المقاومة وخبراتهم، سيجبر "حلف القتلة" على وقف الحرب، والوصول إلى تسوية مقبولة لهم بالحد الأدنى، وإلا الفرار والهزيمة على طريقة الصهاينة في العام 2000 في جنوب لبنان، من دون مكاسب تُذكر.
حرب بدافع ديني، ولكن أيّ دين؟
منذ الأيام الأولى للحرب المعلنة من قلب العاصمة الأميركية، ردّد ملك بني سعود وأفراد أسرته وشيوخ بلاطه أن الحرب تأتي بدافع ديني وللدفاع عن الدين. والمستقرئ لتاريخ هذه السلالة يصل إلى نتيجة أن الدين الذي يخدمون مصالحه هو النسخة السلفية من الوهابية التكفيرية والصهيونية التلمودية بكل ما تعنيه الكلمة، وهو مخطط أعدّوا له لسنوات، يتمثل بحرب الجغرافيا والتاريخ والأفكار على الدولة اليمنية الحضارية المستقلة بكل مقوماتها، وعلى محور بأكمله يتصدى لنهب أميركا وتسلطها ولاإنسانيتها، أحد وجوهها أفظع حصار وتجويع ضد شعب معدم بأكمله، وليس ضد جماعة أو حزب، على مستوى الداخل اليمني، فالَّذي يقاتل ضد أبطال الاستقلال بقيادة السيد الحوثي هو ميليشيات متناحرة، وأحزمة أمنية، ونخب شبوانية ومخلافيّة وإخوانيّة وتكفيرية متأسلمة، ينتهون بمجملهم إلى فريقين يخدمان العدوين؛ بعضه مع نظام القبيلة الإماراتي، والآخر في معسكر الصهاينة، علموا أو لم يعلموا، عندما ينفّذون رغبات محمد بن سلمان الجامحة.